المخاطر النووية في الألفية الثالثة

كتاب يحذر العرب من مغبة التوقيع على معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية من دون ضمانات دولية

TT

لعل اهمية هذا الكتاب «الثقافة النووية للقرن 21» للدكتور ممدوح عبد الغفور حسن رئيس هيئة المواد النووية الاسبق تأتي من معالجته لقضية حيوية بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط عامة وللدول العربية خاصة في ظل امتلاك اسرائيل للسلاح النووي وتجريد الدول العربية منه واختلال التوازن النووي والعسكري في المنطقة لصالح اسرائيل.

ويقدم الكتاب الذي صدر حديثاً عن دار الفكر العربي بالقاهرة شرحا مبسطا لجوانب متعددة تتعلق بالطاقة النووية منذ اكتشافها وحتى نهاية القرن العشرين ويحاول استشراف مستقبلها في العالم العربي ويركز على قضية الامان النووي وكيف يؤمن العرب انفسهم في مواجهة السلاح النووي الاسرائيلي. ويحاول المؤلف تبسيط قضية الطاقة النووية وتطوراتها التي أدت الى التوصل الى الوقود النووي والمتفجر النووي اللذين يمثلان وجهي العمل للطاقة النووية، الوجه الحسن ويتمثل في استخدام المفاعلات النووية في توليد الكهرباء وتحلية المياه، والوجه القبيح ممثلا في الاسلحة النووية التي تهدد البشرية بالفناء.

ويعرض الكتاب لقضايا مهمة يتطلع كل انسان مهما كان تخصصة الى معرفتها مثل الخلفيات الاساسية للوقود النووي الانشطاري وكيفية الحصول عليه من خامات اليورانيوم في الطبيعة ودورة الوقود النووي للمفاعلات الانشطارية ثم الاشعاع الذري واثره في حياة الانسان والنفايات المشعة المتخلفة عن الاستخدامات السلمية للطاقة الانشطارية والاستخدامات السلمية للتفجيرات النووية. كما يستعرض المؤلف معاهدات حظر الانتشار النووي ويحدد مدى فاعليها في تحقيق الامان النووي في الوطن العربي، ويقدم مقترحات للدول العربية للخروج من المأزق النووي في مواجهة الترسانة النووية الاسرائيلية.

مشروع إسرائيلي في البداية يؤكد المؤلف ان اسرائيل تتبنى في الوقت الحالي مشروعا يهدف الى استنباط فيروسات وبكتيريا مرضية تصيب العرب فقط ولا تصيب اليهود من خلال دراسة الصفات الوراثية للأجناس العربية وتحديد الجينات المميزة للعرب وحدهم والتي لا يوجد لها مثيل عند اليهود. وقد استفادت اسرائيل في هذا المجال من علاقاتها بجنوب افريقيا اثناء الحكم العنصري، حيث كانت الحكومة العنصرية تسعى الى ابادة الافارقة السود. ويرى المؤلف ان العرب يستطيعون ردع اسرائيل في حالة امتلاكهم الاسلحة البيولوجية خاصة انه من السهل تحديد بعض الصفات الوراثية التي يتميز بها اليهود والتوصل الى سلاح بيولوجي، نظرا لقلة عدد اليهود وعدم اختلاطهم بالاعراق الاخرى. وهذا من شأنه ان يصيب الاسرائيليين بالرعب ويخفف من صلفهم ويجعلهم يؤمنون بأن السلام الحقيقي مع العرب هو الذي يحقق لهم الأمن والاستقرار.

وبالاضافة الى امتلاك الاسلحة البيولوجية وعدم التوقيع على أية اتفاقيات بحظرها يدعو المؤلف الدول العربية لمواصلة جهودها من اجل تعديل معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية وتفادي سلبياتها بحيث تلتزم جميع الدول ببنود المعاهدة وتخضع كل منشآتها النووية للتفتيش والرقابة الدولية وأن تعلن كل دولة عن مخزونها من الاسلحة النووية وتكوين قوة ردع نووية تحت اشراف الامم المتحدة تكون مهمتها شن غارات نووية على أية دولة تستخدم السلاح النووي ضد الدول الاخرى. وذلك لمواجهة ضعف جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تطبيق الضمانات واجراءات التفتيش وامكانياتها القاصرة عن القيام بالأعباء الملقاة على عاتقها بسبب تقاعس الدول النووية عن تقديم الدعم الكافي لها.

البعبع الأميركي وحول التفجيرات النووية الهندية والرد الباكستاني عليها الذي اذهل العالم يؤكد المؤلف ان هذا الحدث يمكن اتخاذه كحد فاصل بين قرنين ذلك لأنه كشف العيوب الخطيرة لمعاهدة الحظر النووي وفداحة الظلم الواقع على الدول النامية التي لا يسمح لها بامتلاك قدرات نووية، ودفع معظم دول العالم الى اعادة النظر في سياساتها النووية وفي نظرتها الى النظام العالمي الجديد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الاميركية، وبالاضافة الى ذلك هناك دلالات كثيرة للتفجيرات النووية الهندية والباكستانية منها ان المخابرات الاميركية لم تعد البعبع الذي يخيف الدول التي تخرج عن المخططات الاميركية والتي ادركت ان تحقيق السلام يتطلب الاستعداد للحرب بكل صورها، بل ان هذه الدول تستطيع تنمية قدراتها النووية العسكرية تحت دعوى استخدامها في الاغراض السلمية لتأمين شعوبها ضد المخاطر النووية. وهذا يلقي على العالم العربي مسؤولية كبيرة في امتلاك هذه التكنولوجيا وعدم الاستمرار في سياسة دفن الرؤوس في الرمال واستبدالها بسياسة المواجهة الصريحة، وهذا يحتم وجود عمل عربي مشترك لتحقيق الأمن النووي لكل الشعوب العربية ونشر الوعي النووي بين ابناء هذه الشعوب حتى تتضامن مع حكوماتها.

وفي ظل البحث الدائم من جانب دول العالم عن وقود جديد يكون بديلا للبترول والفحم الحجري ومساقط المياه والطاقة الكهربية وغيرها، خاصة بعد الافراط في استهلاك مصادر الوقود واعتقاد بأنها لن تنفد مما ادى الى الاخلال بالتوازن الطبيعي على الارض. ويرى بعض العلماء ان الطاقة الشمسية هي البديل المناسب كمصدر دائم وهائل للطاقة، لكن المؤلف يعترض على ذلك لان تحقيق الاستغلال الامثل للطاقة الشمسية سوف يستغرق عدة قرون. ولذلك فإن الوقود النووي هو وحده البديل المؤهل لسد الفجوة بين الاعتماد على الوقود التقليدي وبين التوصل الى استخدام الطاقة الشمسية. وقد استطاعت الطاقة النووية ان تفرض نفسها في السلم والحرب على السواء وتبلورت الطاقة النووية الانشطارية ـ التي تستخدم اليورانيوم كوقود ـ في عام 1942 عند تشغيل اول مفاعل تجريبي والذي عبر عن الوجه الحسن لهذه التكنولوجيا لكن الوجه القبيح الذي ظهر في عام 1945 من جراء قنبلة هيروشيما ونجازاكي جعل الوجه الحسن يتوارى.

اليورانيوم ويعرض الكتاب لقصة اليورانيوم التي بدأت منذ عام 1789 لكنه لم يحظ بالاهتمام الا بعد اكتشاف الانشطار ودخول البشرية عصر الطاقة النووية، وحتى عام 1970 كانت رواسب اليورانيوم تنقسم الى نوعين اساسيين: رواسب اليورانيوم في الصخور الرسوبية ورواسب اليورانيوم في الصخور النارية والمتحولة، ثم ظهر نوع ثالث ينحصر في الاسطح الفاصلة بين صخور القاعدة النارية والمتحولة وبين الغطاء الذي يعلوها من الصخور الرسوبية التي لم تتأثر كثيرا بعمليات التحول.

ويشير المؤلف الى انه لا يوجد تقدير مؤكد عن احتياطيات اليورانيوم في الوطن العربي ككل أو في كل دولة على حدة، باستثناء الجزائر التي استطاعت تحقيق احتياطي مؤكد من اليورانيوم يقدر بنحو 26 الف طن رغم ان نشاط التنقيب عن اليورانيوم لم يبدأ في الجزائر الا في عام 1969 وتوجد احتياطيات محتملة في الصومال تصل الى 10 الاف طن وتعتبر مصر من اكثر الدول العربية نشاطا في مجال الاستكشاف والتنقيب حيث بدأ هذا النشاط في عام 1956 وكانت مصر من اوائل الدول التي طبقت المسح الاشعاعي الجوي. وتلا مصر في انشطة استكشاف اليورانيوم ليبيا والسعودية وسورية والسودان والمستقبل يبشر باحتمالات جيدة لتواجد رواسب اليورانيوم في الوطن العربي.

ويؤكد المؤلف ان اسواق اليورانيوم خلال العقدين أخيرين تتعرض لاضطرابات بسبب التطورات غير المتوقعة في استخدام الكهرباء النووية والتغيرات السياسية الدولية بعد انهيار الكتلة الشيوعية التي لم تكن دولها تعلن بيانات لانتاجها واستهلاكها من اليورانيوم، وقد بدأت بعض دول اوروبا الشرقية تعرض مخزونها من اليورانيوم بأسعار متدنية مما ادى الى انخفاض الاسعار وخروج كثير من المنتجين من السوق وكانت المحصلة النهائية هي بداية عجز انتاج اليورانيوم عن تلبية الطلب عليه ابتداء من عام 1990 وحتى 1997، لكن في السنوات الاخيرة تمر اسواق اليورانيوم بفترة تحول فريدة في نوعها وتتجه الى اوضاع واضحة تمكن من عمل توقعات شاملة تساعد في التخطيط المستقبلي لكن هناك غموضاً بالنسبة للإنتاج والاحتياج العالمي. اما التقدم المستقبلي فيمكن تحديدة بدقة ففي عام 1997 كان يوجد في العالم 442 مفاعلا عاملا في العالم بقدرة 353 جيجاوات كهربي وهذه تحتاج الى 60488 طن يورانيوم فلزي سنويا وهناك 36 مفاعلا تحت الانشاء بقدرة 28 جيجاوات كهربي، ومن المتوقع ان تتزايد القدرة الكلية للكهرباء النووية على مستوى العالم من 353 جيجاوات في عام 1996 الى ما بين 395 و 501 جيجاوات في عام 2015، ومن المتوقع ان تزيد متطلبات اليورانيوم المقابلة لذلك من 60488 طن يورانيوم في عام 1996 الى ما بين 62542 و 82796 في عام 2015 وهذا يستلزم العمل على اضافة موارد جديدة لليورانيوم مثل معالجة الوقود المستنفد وزيادة السحب من المخزون وتحويل كميات من اليورانيوم الحربي الى الاستخدامات السلمية.

النفايات والمفاعلات ويتوقع المؤلف ان تشهد السنوات القادمة تطورات كبيرة في صناعة المفاعلات النووية، فنظرا لانتشار مفاعلات الماء الخفيف في الدول الصناعية الكبرى مثل اليابان واميركا، حيث انها مأمونة وتحظى بأكبر سجل من الخبرة التشغيلية ومعالجة الاعطال. وستتركز التطورات على زيادة قدرة هذه المفاعلات الى اكثر من 1000 ميجاوات كهربائي، هذا بجانب الاتجاه الى انشاء جيل من المفاعلات ذات قدرة متوسطة من 480 الى 600 ميجاوات كهربائي تهتم اساسا بنظم امن خاصة تناسب الدول حديثة العهد بالطاقة النووية والتي ليست لها الخبرة الكافية في تشغيل المفاعلات النووية، كما تتجه التطورات الى تبسيط التصميم الى حد كبير لتسهيل الصيانة والتشغيل ولتجنب الاعطال وخفض تكلفة الانشاء بتقليل عدد المحابس والطلبات والانابيب وكابلات التحكم وتنميط مكونات المفاعلات المتوسطة والصغيرة ومنشآتها لاختصار فترة الانشاء وتسهيل عمليات الصيانة والاحلال.

ويقدم الكتاب تفسيرا معقولا لاختفاء كميات من اليورانيوم عالي الاثراء أو البلوتونيوم من بعض المنشآت الاوروبية والاميركية النووية على مدى العشرين سنة الماضية وعدم توصل التحقيقات الى نتيجة. ويصفها المؤلف بأنها عمليات سرقة تخططها بعض وكالات المخابرات في دول تسعى لانتاج الاسلحة النووية في السر، وتقوم بها عصابات لديها القدرة على تنفيذ عمليات السطو والتهريب المنظم. وقد اصبحت هذه الظاهرة اشد خطورة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وستكون النتيجة تصاعد الارهاب النووي وانتشار الاسلحة النووية، خاصة ان المسؤولين الروس اعترفوا بأن حوادث سرقة وتهريب المواد النووية غير مستبعدة وان روسيا لا تملك الوسائل الكفيلة بمنع هذه الحوادث.

ويتطرق المؤلف الى الحديث عن الاشعاع في حياة الانسان والنفايات المشعة التي جعلت البعض يطالب بالغاء التكنولوجيا النووية أو تقليل الاعتماد عليها لتجنب مشكلة التخلص من النفايات المشعة التي لم يستطع الانسان ان يجد لها حلا جذريا حتى الآن، في حين يطالب البعض بتعاون دولي للقضاء على هذه المشكلة ويقترح المؤلف من اجل التخلص من النفايات المشعة تحويل العناصر فوق اليورانيوم ذات العمر نصف الطويل الى نظائر ذات العمر نصف القصير حتى يستغرق تحللها فترات في حدود التخيل البشري ثم التعامل معها بعد ذلك، أو التخزين المستمر في مستودعات خاصة توضع تحت الرقابة المستمرة أو اطلاق النفايات في مراكب فضاء الى مصير مجهول في الفضاء الخارجي بعيدا عن الارض والمجموعة الشمسية أو دفنها تحت ثلوج القارة المتجمدة الجنوبية أو في اغوار المحيطات السحيقة أو على احزمة الانضواء أو الدفن في الجزء العلوي من القشرة الارضية، أو شق انفاق منجمية على أعماق تصل الى الاف الامتار وهذا يسمى الدفن الجيولوجي.

ويعرض الكتاب لمعاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية والتي قامت على اساس وجود خمس دول نووية فقط وحرمت أي نشاط نووي عسكري على الدول غير النووية التي وقعت على المعاهدة في حين لم تحرم ذلك على الدول التي لم توقع عليها، وفي نفس الوقت لم تنص المعاهدة على اية ضمانات للدول الاعضاء التي تنازلت عن حقها النووي ضد أي اعتداء أو تهديد نووي من جانب دولة ليست عضوا بالمعاهدة، وهذا قصور كبير بالاضافة الى قصور اخر يتمثل في عدم وجود نص صريح يوضح كيفية التعامل مع الاسلحة النووية التي تمتلكها دول تنضم الى المعاهدة كالهند أو اسرائيل مثلا، كما ان التمديد الابدي للمعاهدة دون محاولة سد الفجوة النووية بين الدول غير النووية الاطراف فيها وبين الدول النووية خارجها يضع الدول العربية تحت تهديد السلاح النووي الاسرائيلي خاصة ان المعاهدة لم تضع ضمانات للدول غير النووية الاعضاء بها ضد أي تهديد أو عدوان نووي من الدول النووية غير الشرعية.

ويخلص المؤلف الى المطالبة بتعديل المعاهدة لتحقيق الامن النووي لجميع دول العالم وان يتخذ المجتمع الدولي موقفا حاسما ازاء الدول النووية غير الشرعية وان تعمل الدول النووية ـ كما نصت المعاهدة ـ على نزع السلاح النووي على مستوى العالم. وان تكون المعاهدة دولية التحريم كما هي دولية التوقيع.