غازي القصيبي يرسم في روايته الجديدة «سعادة السفير» سيناريو خياليا لأسباب غزو الكويت.. ولنهاية النظام العراقي

TT

«للقارئ أن يصّدق أن في هذه الرواية الخيالية شيئاً من الواقع، الا انني أنصحه ألا يصّدق اي شيء يسمعه من الدبلوماسيين».. بهذه العبارة التحذيرية يصّدر الدكتور غازي القصيبي روايته الجديدة «سعادة السفير»، وتدور حول يوسف الفلكي سفير دولة الكوت في دولة النهروان، وكان سفيراً مهماً ذا علاقات واسعة كانت أهمها علاقته مع همام بو سنيِّن زعيم دولة النهروان، الدكتاتور الذي كان يخوض حرباً مع عجمستان، وقد بذل الفلكي جهوداً حثيثة لتدعم الكوت والخليج النهروان في حربها، إلا أن الأمور تنقلب بعد ذلك لتقوم النهروان باحتلال الكوت، فيصبح الفلكي سفيراً للكوت في بريطانيا بعد الغزو، ويكون محور اهتمام أطراف معارضي همام، ويصبح أكثر المتعاونين مع الاستخبارات الأميركية والبريطانية بهدف دعم الانقلاب على همام واغتياله.

إلا أن هذا البعد العام لم يكن إلا إطاراً عاماً للعلاقة الودية المنقلبة إلى عداء بين الرجلين، حيث للعلاقة بعد خاص تظهره الرواية أهم وأعمق من البعد العام، حيث المرأتين شهرزاد وناهد، الأولى صديقة الزعيم التي أحبت الفلكي، والثانية زوجة السفير التي ماتت في حادثة مرور نجا منها الفلكي ويعتقد أنها مسؤولية الزعيم.

وكانت شهرزاد محور خلاف الرجلين، حيث جاءت تلك المغنية إلى حفلة خاصة بالزعيم فأعجبته، وتبادلت الإعجاب مع سعادة السفير، فقرر السفير ألا يسمح للزعيم بانتزاعها منه، فأصبحت صديقة الزعيم وغاب زوجها واحتجزت ابنتها، ولكنها في الظل أقامت علاقة مع السفير، فعلم الزعيم بذلك فاستدعى السفير وابلغه انه لا يصح الاعتداء على عنز في حماية راعيها، وان الخائن ليس له إلا الموت، مثلما أن الدويلة الخائنة ليس لها إلا الاحتلال، فقاد هذا السفير إلى العبارة التي وضعت على غلاف الرواية... هل يصدقني احد الآن إذا قلت إن الدكتاتور المعتوه قرر تدمير دولة انتقاماً من سفيرها، الذي اخذ امرأة منه أو عنزاً كما سماها؟ وأيهما المعتوه، الزعيم الذي يحطم دولة من اجل امرأة، أم السفير الذي يعتقد أن سبب الغزو علاقته بصديقة الزعيم».

أما ناهد فكانت دائماً كارهة للإقامة في النهروان في ظل وجود الدكتاتور همّام بوسنين، وعند حضورها الأول لقيت حتفها في الحادثة المشار إليها، وأثار ذلك في نفس يوسف حقداً آخر على الزعيم، فالمسألة لم تكن اجتياح الزعيم لدولة السفير، وإنما هو قاتل زوجته والمستولي على خليلته.

يواصل الفلكي جهوده لاغتيال زعيم دولة النهروان، ويواصل الأخير تدبير القضاء على السفير، وتتطور الأحداث إلى خروج شهرزاد من النهروان إلى عمّان ومنها إلى لندن بحجة العلاج، فتهرب إلى حيث الحبيب، ولكن الاستخبارات البريطانية تحذر السفير من ان الحبيبة قد تكون السلاح الذي يستخدمه همام في محاولة الاغتيال الجديدة.

ربما يكون من اللائق عدم الإفضاء بخاتمة الرواية حفاظاً على التشويق لمن لم يقرأها إلى الآن.

الرواية من الناحية الفنية تمثل امتداداً للقصيبي الروائي، فهي كعادته مسرفة في الحوار على حساب السرد، وتقدم شخصياتها بمستوى واحد ـ الشخصية النمطية ـ وإن كان يُعتذر في هذا بقصر مدة الأحداث، وأسلوبها بسيط وشيق، وتملك الإثارة وتقدم المتعة، والبطل هو رجل رومانسي في الحب، بارع في الحجة، غزير الثقافة، يوصل أفكاره بوضوح وسهولة مع مسحة سخرية لافتة، فيوسف الفلكي هو قريب الشبه إلى عدد من أبطال القصيبي مثل يعقوب ـ رواية حكاية حب ـ وعزيز ـ مسرحية هما ـ وكلهم قريبو الشبه إلى القصيبي نفسه.

إلى ذلك تتميز الرواية بمدخلها الشيق، وهذه سمة شائعة في إنتاج القصيبي الروائي وغيره، ولكنها تقدم نهاية أجمل من نهايات رواياته في العادة، الا ان ماتختلف به هذه الرواية هو الشرح الذي افاض فيه الكاتب لبعض خلفيات العمل الدبلوماسي، مما قد لا يستطيع كتابته من دون توفر الستارة الادبية، خاصة وهذا الطرح يأتي بعد نهاية مشواره الدبلوماسي، وكذلك الطرح المتوالي حول شخصية الدكتاتور، وهو طرح قريب من طرح سابق للقصيبي حول شخصية صدام حسين في كتاب «أزمة الخليج محاولة للفهم».

تبقى مسألة الرمز السياسي وأسئلتها، فالقصيبي لم يقدم في الرواية رموزا سياسية تحتاج إلى كثير جهد لاستنباطها، فالقارئ يلمح قبل أن تكتمل القراءة الأولى عن أي الدول العربية يدور الحديث، ومن الزعيم المقصود، ربما سيكون السؤال من هو السفير؟

ولكن السؤال الأهم على المستوى السياسي ـ أو الثقافي ـ هو ماذا أرادت الرواية أن تقول، خاصة وقد قدمت سيناريو مختلفاً للأحداث، فهل كتب القصيبي روايته قبل الحرب على العراق مقدماً تصوره لما سيجري، أم أنه إبداع فني حرّضت عليه الأحداث، وسيقابل ذلك فنياً هل هذه الأسئلة مهمة بالفعل والحديث عن رواية أدبية.

اذن فقد اضاف سعادة السفير السابق الى رصيده الروائي رواية «سعادة السفير» وهي صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وتقع في 175 صفحة من القطع العادي.