رئيس معهد العالم العربي في باريس: الأعمال الإرهابية أثرت سلبا على صورة العرب

دُني بوشار قال لـ«الشرق الأوسط»إن مساهمة معظم الدول العربية في ميزانية المعهد «غير منتظمة»

TT

قال رئيس معهد العالم العربي في باريس، دُني بوشار إن أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 وتزايد الاعمال الارهابية «أثرت سلبا» على صورة العرب في العالم وفي فرنسا، الامر الذي يبرز الأهمية البالغة للدور الذي يلعبه المعهد على صعيد التعريف بالحضارة الاسلامية وتقريب العالم العربي الاسلامي الى العقل الغربي.

وكشف رئيس معهد العالم العربي، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، عن ان مساهمات الدول العربية في ميزانية المعهد «غير منتظمة»، مما اضطر المعهد الى اعتماد صيغة جديدة مع معظم الدول الاعضاء فيه تقضي بإعفائها من المساهمة السنوية مقابل دفع المتأخرات وإيداعها في صندوق خاص يدر عائدات مالية تندرج في موازنة المعهد

وفي ما يلي نص الحوار مع دُني بوشار:

* سبق ان ذكرتم ان نسبة المساهمة العربية في المعهد العربي تبلغ 6 في المائة فقط. ما هو سبب تحديدها بهذه النسبة الضئيلة، وهل من اتجاه الى رفعها؟

ـ اسمح لي قبل كلّ شيء أن أذكّرك بأنّ معهد العالم العربي مؤسسة ثقافية فرنسية ـ عربية تقوم على مبدأ الشراكة. وتظهر هذه الشراكة بأشكال مختلفة: فرئاسة المعهد فرنسية في حين أنّ إدارته العامة عربية، ثمّ إنّ نصف أعضاء مجلس الإدارة من الفرنسيين ونصفه الآخر من العرب. وكما تعلم، فإنّ موظّفي المعهد أيضاً عرب وفرنسيون، هذا بالإضافة إلى أنّ فرنسا والدول العربية تنهض متضامنةً بمسؤولية تمويله.

إنّ الحكومة الفرنسية تدفع مساهمة سنوية قدرها مليون يورو، ممّا يشكّل ما يقرب من نصف دخل المعهد. أمّا الدول العربية، فقد اضطرّتنا مساهماتها غير المنتظمة وتراكم الديون المترتّبة عليها إلى اعتماد صيغة جديدة بالاتفاق مع أغلب الدول الأعضاء تقوم على إعفائها من المساهمة السنوية مقابل دفع المتأخرات وإيداعها في صندوق خاص يدرّ عائدات مالية تندرج في موازنة المعهد.

وإذا كانت العائدات المذكورة ما زالت قليلة بسبب تقسيط الدفع وضعف معدّلات الفائدة في الوقت الحاضر، فإننا نأمل أن تتحسّن الأوضاع بصورة ملموسة في السنين المقبلة بفضل ريع الأموال الموقوفة (30 مليون يورو في آخر السنة الحالية و40 مليوناً في2007 بحسب ما التزم به الأعضاء حتى الآن). ونحن الآن بصدد التفاوض حول الموضوع، مع العلم بأنّ ستّ دول عربية لم توقّع حتى الآن البروتوكول المالي.

يُستخلص من هذا أنّ المساهمات العربية تتمّ الآن في غالبيتها العظمى وفقاً للصيغة الجديدة، ولكنّ الدول الأعضاء تستطيع إن شاءت دفع مساهمات مالية ـ بصورة دورية أو استثنائية ـ أي بهدف تمويل مشروع بعينه.

من جهة ثانية، أعتزم السعي إلى الحصول على هبات من قبل مؤسسات فرنسية تعمل في العالم العربي أو من مؤسسات عربية تعمل في فرنسة أو من أطراف عربية أخرى تحرص على التعريف باللغة والحضارة العربيتين. وبذلك تضاف المساهمات الخاصة إلى المساهمات الرسمية. وغنيّ عن البيان أنّه من المهمّ، تمشياً مع منطق الشراكة، التوصل إلى توازن أفضل بين ما تسهم به فرنسا وما تسهم به الدول العربية.

* هل تأثرت الصورة التراثية والثقافية للعرب في فرنسا بموجة العنف التي مارسها بعض الاصوليين الاسلاميين؟

ـ لا شكّ في أنّ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وتزايد الأعمال الإرهابية التي تمارسها عناصر إسلامية متطرّفة قد أثّرت بصورة سلبية على صورة العرب في العالم، وليس فقط في فرنسا. ولذلك فإنّ الدور الذي يلعبه معهد العالم العربي ذو أهمية بالغة أكثر من أيّ وقت مضى، إذ أنّ مهمة المعهد هي على وجه التحديد التعريف بالحضارة الإسلامية وتقريب العالم العربي الإسلامي إلى العقل الغربي، وإقامة حوار دائم منفتح حرّ حول جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المنطقة العربية. لقد كان تأسيس المعهد مشروعاً سياسياً بامتياز، وهو يكتسب أبعاداً جديدة في الظروف الحالية التي تنتشر فيه الأفكار المسبقة عن العرب والإسلام وما يسمّى بالصدام بين الحضارات. إنّ تغيير هذه الأفكار ليس ضرورياً فقط لتحقيق التوازن في العلاقات الدولية، وإنّما لضمان الاندماج أيضاً في بلاد مثل فرنسا وبريطانيا استقرّت فيها أعداد غفيرة من المهاجرين القادمين من المغرب العربي أو من الشرق الأوسط أو من الأقطار الإسلامية غير العربية.

* يأخذ البعض على المعهد العربي اتجاهه للاهتمام بالتراث الثقافي لدول افريقيا الشمالية اكثر من اهتمامه بتراث الدول المشرقية. ما هي صحة هذه التهمة؟

ـ هذه الفكرة لا أساس لها من الصحة، فالمغرب والمشرق ممثّلان بصورة متوازنة في مجلس الإدارة وعلى صعيد الموظفين والمسؤولين. كما أنّ أنشطة المعهد تعكس بقدر الإمكان غنى وتنوّع التراث العربي ـ الإسلامي، وتبيّن في الوقت نفسه عناصر الوحدة الثقافية على امتداد العالم العربي. وقد نظّم المعهد في السنوات الأخيرة معارض كبيرة عن أغلب الدول العربية مثل الكويت، والمملكة الأردنية، والسودان، واليمن، ولبنان، والمملكة المغربية ومصر (من خلال الفنّ القبطي)، وسورية (من خلال الأيوبيين سنة 2001) ولبنان وسورية معاً (من خلال الأيقونات العربية، سنة 2003) وأخيراً الجزائر. وهناك أيضاً معارض جامعة مثل «الأندلس: من دمشق إلى قرطبة» في 2001 ـ 2002، و«الخيل والفروسية» في 2002 ـ 2003، وأنشطة عديدة في مجال الموسيقى، والشعر والكتاب والسينما، استطاع المعهد من خلالها التعريف بكتّاب وفنّانين من كافة أرجاء العالم العربي.

* هل تشمل نشاطات المعهد المساهمة في حماية الآثار العربية؟

ـ ليس لدى المعهد إمكانات مالية وبشرية كافية تسمح له بالمشاركة في أعمال المحافظة على الآثار، وليس هذا من مهمّاته. لكنّه بطبيعة الحال معنيّ بالتاريخ القديم للأقطار العربية، من بلاد الرافدين إلى أفريقيا مروراً بمصر، وبما أنتجته الحضارة العربية ـ الإسلامية من إنجازات عظيمة عمرانية وفنية. إنّ المعهد إذ يعرّف بانتظام بهذه الإنجازات فإنّما يسهم في المحافظة على الثروة الأثرية. فالمتحف، بما يضمّه من مقتنيات ومن تحف استعارها من متاحف عربية، يؤدّي مهمة تربوية مهمة ويطمح إلى أن يكون «متحف المتاحف» العربية. يُضاف إلى ذلك المعارض الأثرية والأفلام الوثائقية والتحقيقات المصوّرة والكتب ذات الطابع الفني أو العلمي، والأنشطة الموجّهة إلى الأطفال والشبّان، والمحاضرات والندوات، والمؤتمرات، الخ.. التي تتعلّق بالتاريخ.

ولا يخفى أنّ المعهد يكاد يكون مركزاً لحفظ التراث السينمائي والموسيقي بفضل ما يقوم به من توثيق وتحليل وترميم بعض الكنوز المهدّدة بالضياع والتلف.

* ماذا كان، في رأيكم، وخلال رئاستكم للمعهد، ابرز اسهام في مجال تطوير العلاقات بين العالم العربي وأوروبا؟

ـ تولّيتُ رئاسة المعهد في يونيو (حزيران) 2002، أي في وقت كانت فيه أحداث 11 سبتمبر ما زالت ماثلة للأذهان بقوة. ويبدو لي أنّ الدور الذي لعبه المعهد بصفته مركزاً للحوار والتبادل كان مهماً. فعلى سبيل المثال، نظّم المعهد، بالإشتراك مع بعض المؤسسات العربية مؤتمرات عن بعض المسائل التاريخية المعاصرة، منها ندوة بعنوان «الإسلام والغرب: التأثيرات والصور المتبادلة»، وندوة ستُقام عمّا قريب بعنوان «العالم العربي وقضايا التجديد»، تنطلق من التقرير الدولي عن التطور البشري في العالم العربي.

ويهمّني أن أقول هنا أنّي قمتُ باتصالات مع اللجنة الأوروبية في بروكسيل بهدف جعل المعهد شريكاً ثقافياً أساسياً في المؤسسات الأوروبية. وسوف نشارك في جميع البرامج الثقافية الأوروبية ـ المتوسطية، وأخصّ بالذكر المؤسسة الأوروبية ـ المتوسطية التي سيُعلن قريباً جداً عن إنشائها في القمة الأوروبية بمدينة نابولي.