صاحب يعقد خمس ندوات أسبوعيا يتحاور فيها في الأدب والسياسة والفكر

نجيب محفوظ في عامه الثالث والتسعين لـ«الشرق الأوسط»: أكتب أحلامي لأشعر بأن يدي مازالت فيها حياة

TT

بحماسة شاب في مقتبل العمر يقطع الكاتب الكبير نجيب محفوظ القاهرة طولا وعرضا وعلى مدى أيام الأسبوع ليلتقي بمحبيه واصدقائه من الكتاب والمثقفين في مصر، نجيب محفوظ هو الشيء الوحيد الذي يجتمعون إليه، الكتاب هؤلاء والمثقفون الذين يحضرون لقاءات صاحب نوبل، الذي بلغ اليوم «الثالثة والتسعين»، هو الوحيد الذي اجتمع على حبه هؤلاء الكتاب والمحبون من مريديه، بعد أن فرقتهم السياسة وصار بعضهم من مؤيدي التطبيع مع اسرائيل والباحثين عن أساس مصري وقومية مصر لمصر المستقبل، وصار البعض الآخر يرفض التطبيع ويدعو الى الوحدة العربية.

بعضهم يؤيد أو يسكت على سياسات الحكومة وبعضهم يرفضها ويعلن ذلك، ونجيب يستمع الى كل هؤلاء ويجلس معهم، ويحاورهم ويطلق النكات الساخرة.

ولطبيعة محفوظ وبسبب حالته الصحية تسير اللقاءات على وتيرة واحدة، حيث يتناوب على الجلوس الى جواره معظم رواد اللقاءات، يقتربون من أذنه اليسرى ويحدثونه بصوت عال حتى يسمع ما يريدون قوله، وتتراوح الاحاديث بين الحكايات المرسلة والقراءة من قصاصات صحافية تحتوي على أخبار ومقالات يستمع لها محفوظ بصبر بالغ ويرد بعد ان تنتهي بكلمات مقتضبة تلخص موقفه مما استمع إليه.

نجيب محفوظ الذي التقيته قبل ثلاثة أعوام في فندق شبرد، هو نفسه الذي التقيته في المكان نفسه منذ عدة ايام، ذهن يقظ وبديهة حاضرة وقدرة عجيبة على اطلاق النكات والسخرية، هناك يعقد لقاء مع مجموعة من الكتاب والمحبين من الداعين للتصالح مع اسرائيل وهذا اللقاء يعقده مساء كل يوم أحد اسبوعيا، وفي يوم الاثنين يعقد لقاء آخر يحضره عدد من المبدعين منهم الشاعر عبدالرحمن الأبنودي في فندق المطار، وفي يوم الثلاثاء يعقد لقاء في فرح بوت وهي باخرة على النيل يلتقي فيها الكاتبان جمال الغيطاني ويوسف القعيد وغيرهما ممن يرفضون دعاوى التطبيع، وفي يوم الاربعاء يعد لقاء آخر في فندق سوفوتيل «المعادي» يحضره علي سالم الذي يواظب على لقاءات شبرد وباقي المنادين بالتصالح مع اسرائيل.

وتتسم معظم اللقاءات التي يعقدها محفوظ بالمرح والطابع الفكاهي، ورغم تعدد مشارب ونوعيات روادها إلا انهم جميعا مازلوا يحنون لهذه الونسة كلما جاء موعد لقائهم به.

وفي لقائي الأخير معه سألت الكاتب صاحب نوبل نجيب محفوظ عن سر لجوئه خلال الفترة الأخيرة لكتابة أحلامه في صورة قصصية مكثفة تشبه الومضة، فقال ان رغبته في كتابة أحلامه موجودة منذ زمن وقد تفجرت بعدما صارت حركة يده صعبة ولم يعد قادرا على الكتابة، ولم تعد هناك فرصة لها بسبب عدم وجود اتصال يولد موضوعات قصصية، عندها اتجه الى كتابة الاحلام فهي حسب تعبيره «مش محتاجة للحاجات دي».

وأضاف من هنا فكرت في أن أصنع من الحلم مادة استمد منها القصة، وهذه الاحلام سهلة الحفظ ويمكن كتابتها لأنها لا تحتاج لأكثر من جملتين أو ثلاث جمل، وهي في مجملها لا تزيد على عدة سطور، وتشعرني بأن يدي مازالت فيها حياة.

* هل تكتب الحلم كما هو؟

ـ لا، لا أكتب الحلم، لكنه يعطيني معنى أو مضموناً أو موقفاً، وبعد ذلك تحدث التداعيات التي بعد تواليها وتتابعها تأخذ القصة شكلها، وأنا في كتابة هذه القصص قد أنسى الحلم نفسه.

* وما مصير هذه الاحلام بعد كتابتها؟

ـ صدر كتاب يوم عيد ميلادي، تمت ترجمته الى اللغة الفرنسية، وقد اصدره ناشر يدعى روشيه أعطى لي الكاتب محمد سلماوي نسخة منه منذ يومين.

* عم نجيب. الفنان الراحل فريد شوقي قال انه علمك كتابة السيناريو، هل هذا صحيح؟

ـ ليس صحيحا، الذي علمني كتابة السيناريو هو المخرج صلاح أبو سيف. والدليل على كلامي ان فريد شوقي طلبني لأكتب له بعض أفلامه، فكيف يحدث هذا وأنا تلميذ له، فريد طلبني لأنه وجد لدي ما لايوجد عنده، وقد حرصت على ألا أكتب سيناريو لرواياتي، لكني عندما اتجهت للسينما قمت بكتابة سيناريو لقصص كتاب آخرين، وقد كتبت قصصا مخصوصة للسينما، وكل الافلام التي كتبتها لم أكتب حوارا لها، كنت أكتب المشهد ويأتي من يكتب الحوار ويترجمه بالعامية لأني لا أكتب بالعامية أبدا.

* وماذا عن نشر أعمالك على شبكة الانترنت؟

ـ أنا لا أعرف شيئا عن الأنترنت أو الكمبيوتر، أسمع عنها فقط لكني لا اتعامل مع هذه الاشياء الحديثة، وعندما عرضوا علي ذلك سألت «تعملوها ليه وازاي».

* أستاذ نجيب هل كنت تحتفل بعيد ميلادك وأنت طفل؟

ـ لا، الأجيال الصغيرة الآن هي التي تعرف احتفالات عيد الميلاد، أجيالنا لا تعرف ذلك اطلاقا.

* أعرف أنك احتفلت بعيد ميلادك الخمسين مع هيكل وأم كلثوم؟ كيف تم الترتيب لذلك؟

ـ عندما بلغت الخمسين عرض صلاح شاهين ان نحتفل بعيد ميلادي، وذهب الى الأهرام يطلب أن يكون الاحتفال هناك، وقابل محمد حسنين هيكل وعرض عليه ذلك فرد هيكل وقال نحن أولى، نحتفل بنجيب وهذا واجب علينا، وقد دعا هيكل أم كلثوم فجاءت وحضرت الاحتفال.

* هل احضرت أم كلثوم لك هدية؟

ـ حضورها نفسه، هدية في حد ذاته.

* يقولون انها سبب تغييب المصريين في تلك الأيام؟

ـ لا، فقد قامت بدور مهم بعد 67، ودعني أسأل من الذي يغيبهم الآن مثلاً!

* لكن ماذا تفعل في عيد ميلادك كل عام.

- لا أعمل شيئا.

* سمعت ان توفيق الحكيم أحضر لك هدية؟

ـ نعم. طقطوقة.

* نعرف انك من المعجبين بالمطرب الشعبي أحمد عدوية، كنت معجبا بصوته ولا كلامه؟

ـ صوته وكلامه معا.

* وحكيم؟

ـ حكيم سمع عن الحرافيش وطلب يقعد معانا وجاء وغنى شوية.

* إيه رأيك فيه؟

ـ كويس، أنا الحقيقة مسمعتش، لأني أذني ضعيفة ولا يصل لي شيء مما يقال بعيدا عنها.

* وما هو البديل؟

ـ البديل أني أغني.

* كيف تقضي يومك إذن؟

ـ كل يوم يأتي الحاج صبري لي ويقرأ لي عناوين الجرائد الرئيسية ويمشي حوالي الساعة 11، بعدها أجلس في المنزل مقطوع الصلة بالعالم لا تلفزيون ولا اذاعة ولا سينما ولا مسرح.

* قال روجر ألان ان حصول كاتب عربي آخر غيرك على جائزة نوبل صعب جدا، من الذي يستحق الجائزة من الكتاب العرب من وجهة نظرك؟

ـ يأخذ الجائزة من يستحقها، لكني لا أعرف أحدا الآن لأني لا أقرأ، وغير صالح لأخذ رأيي في هذا الموضوع.

* هل هناك صلة بينك وبين لجنة نوبل؟

ـ قبل الحادثة كانوا يرسلون لي خطابات لأرشح من الكتاب من يستحقها،لكن بعدها صرت أرد عليهم بأنني غير صالح لترشيح أي من الكتاب لأني لا أقرأ لأحد الآن.