أخطاء تنسل من عمق البريق الداخلي والجمال الخارجي

انغلاق الرؤية الفكرية وضعف أدوات التوصيل في العرض المسرحي المصري «العشاق»

TT

من أهم مميزات المخرج المسرحي الشاب سعيد سليمان انه رغم مسيرته الفنية القصيرة، الا انه يجتهد كثيرا في محاولاته ولم يقدم حتى الآن عرضا دون المستوى ولم يستسهل او يتعجل ولم يستخف بالمتلقي وعقليته التي انهكت من كثرة العروض المتواضعة. وقد نعتقد ان هذه الأمور مفترضة بديهيا وليست من المميزات الجديرة بالذكر، لكن فى عصرنا هذا لا بد ان نتعامل مع هذه الاساسيات بمنطق الاحترام والتقدير للعملة النادرة لعلها تستمر.

وفى أحدث عروضه «العشاق» الذى عرض بقاعة الغد المسرحية، لم يكتف سعيد سليمان بالاخراج وانما اضاف لنفسه مهمة الرؤية لضمان توحيد وجهة النظر المطروحة والدلالات المقصودة. وأحيانا يكون اجتماع سلطة التأليف والإخراج فى يد فنان واحد عملية منضبطة تحقق أهدافها فنيا، وأحيانا تتسبب فى انغلاق حيز الفكر بعض الشيء داخل نطاق ضيق باختلاف مستويات التأويل. فمنذ الوهلة الأولى بدا ان هذا العرض مهموم بالتوجه الفكري الصوفي المتشوق للكمال، المنقب عن الجمال والعشق السامي مستعرضا مدى وعورة رحلة الإنسان وشقائه للوصول إلى الحقيقة. ولأن البحث دائما فى هذه المنطقة يتناول عالم المجردات والمثل العليا المطلقة غير الملموسة، فقد حاول المخرج صنع عالم ترديدي محسوس لعالم المجردات أبطاله من البشر. ليس من منطق التوازي بين العالمين فكل منهما يسير فى دائرته المستقلة، بل اختار المزج بينهما بخطوط متقاطعة صاعدة هابطة ليكون البطل هنا هو البطل هناك، وهو الشاب حسن (شريف صبحى) الذى يجوب الأرض بحثا عن الكمال.

حرص المخرج سعيد سليمان على تقديم وتوظيف سينوغرافيا تتناسب مع طبيعة الصراع الدرامي المطروح، بخصوصيته وعمقه والعوالم المتداخلة المتقاطعة التي يقدمها، مضافا إليها المسرح الداخلي في قلب وعي ولا وعي البطل الذي يسلك دروبهما بحثاً عن الخلاص. من هذا المنطلق قسم مصمم الديكور والملابس عمر كمال الفضاء المسرحي الى اربعة مستويات، لتدور معظم الاحداث والصراعات على المسطح الأرضي من دون تحديد الوظائف والدلالات. أي ان الوصول الى نقطة مضيئة في البحث عن الكمال حدث أول مرة بمساعدة والد ست الحسن على المسطح الأرضي، ثم توصل اليه البطل من تلقاء نفسه بعد رحلة تجربة مضنية على المستوى الأعلى تماما القابع في عمق المسرح بجانب عازف العود.

أما المستوى الرابع والاخير فيوجد في أسفل المستوى الثالث في التجويف الذي يفصل بينه وبين المسطح الأفقي، وقد تم تخصيصه لدخول وخروج شخصية الشيطان (سوزان بكر) التي تمثل غريزة الشر المجسمة طبقا لمفهوم مسرح العصور الوسطى. لكن هذا لا يمنع ان هذا المستوى السفلي وظفه المخرج أحيانا لتنوع بعض المنشدين، ليصنعوا سياقا من المؤثرات الغنائية والصوتية والموسيقية المصاحبة للحدث. وقد جاءت ألحان أحمد الحجار مؤثرة متناسبة مع المفهوم الدرامي والفرجة، تمزج بين الرحيق الصوفي وبعض الموتيفات الشعبية، وعبرت جيداً عن معاني أشعار أحمد محمد عبد الحميد التي استقاها من مصادر عدة متباينة. ورغم ان المخرج استطاع جيدا السيطرة على لحظات التحول بين العالمين وبين الشخصيات بسلاسة، الا ان هذا العرض المسرحي الجاد شابته اربع نقاط اجتمعت على حصاره فى المنطقة المتوسطة.

أولاً، انغلاق الرؤية الفكرية بعض الشيء رغم انه من الواضح ان المخرج يدرك أبعاد القضية جيدا، لكن تبقى أدوات التوصيل التي تحتاج الى وسائل اكثر وضوحا،ً وخطاباً اكثر بساطة في متناول المتلقي العادي من دون التخلي عن افكاره. ثانياً، جانب التوفيق المخرج في اختيار طاقم الممثلين خاصة البطل شريف صبحي، الذي لم يكن وعيه بالشخصية او بالعرض ككل حسب إمكاناته المعروفة والمحدودة كممثل، على المستوى المطلوب بما يتناسب مع طبيعة هذه الشخصية التي تتأرجح بين العديد من الصراعات الداخلية الروحانية العقلية المتشابكة. ثالثاً، ان ياسمين فراج صاحبة الصوت الجميل التي شاهدناها من قبل في عدة عروض ناجحة، لم تكن متوافقة مع هذه التوليفة الفكرية التي تحتاج الى قدرات خاصة في التعامل مع الشخصية. فلا هي ممثلة محترفة حتى تتواصل بقوة مع هذا الدور الصعب على المستوى الفردي والرمزي، ولا هي وجدت نفسها كمطربة تتجلى في لون الغناء الشعبي بصفة خاصة طبقا لتركيبتها المتكاملة، فبدت منطفئة تغني مثل الآلة المجبرة على الغناء الحي. واذا كان بطلا العرض حسن وست الحسن يعانيان هذه العزلة الدرامية، فقد أدى ذلك بالتبعية إلى خلخلة العرض طوال الوقت وكأنهم استعانوا ببديلين يؤديان الغرض في حدود المتاح حتى يصل البطلان الحقيقيان. رابعاً، ترهل الايقاع الداخلي للعرض بعض الشيء، رغم توافر اكثر من لحظة ذروة لانهاء العرض لكن المخرج كان يفضل الاستمرار في تفسير ما تم تفسيره بالفعل. في المقابل يعد مشهد الصراع الحركي بين حسن والشيطان من افضل لحظات العرض على الاطلاق فكرا وتنفيذا، ليؤكد وجهة نظرنا الأولى في احترام موهبة المخرج وجهده.