خالد الرويشان: المثقفون العرب أكثر ديكتاتورية وسلطوية من أية حكومة على وجه الأرض

وزير الثقافة اليمني لـ«الشرق الأوسط» : الحكومات في وطننا العربي هي راعية الثقافة والفكر

TT

يرى خالد الرويشان وزير الثقافة اليمني، أن العالم العربي يعيش حالة من الردة الثقافية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). واتهم الرويشان المثقفين العرب بأنهم ديكتاتوريون وسلطويون أكثر من أية حكومة ديكتاتورية عرفها العالم على مر تاريخه.

وتناول الرويشان في حواره مع «الشرق الأوسط» أثناء زيارته أخيراً للقاهرة، العلاقة بين السلطة والمثقفين في العالم العربي واليمن. وكذلك بعض مظاهر الاحتفال باعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية لعام 2004، وهذا نص الحوار:

* هل ثمة جديد في احتفال صنعاء كعاصمة للثقافة العربية؟ وهل سيكون الاحتفال نمطياً كالعادة؟

ـ نحن مهتمون بشكل كبير بأن تصبح صنعاء تحديداً واليمن بشكل عام بمظهر جيد وأن تكون محط الاهتمام والتركيز من جانب وسائل الاعلام العربية والدولية، وأن نبرز كذلك الوجه الثقافي والحضاري لبلادنا.

وسنحاول من خلال ابداعات الشباب اليمني أن نبرز تراثنا وتنوعه في الفنون المسرحية والأغاني والموسيقى ونعرض المخطوطات النادرة في قلب بيوت قديمة تشعرك إلى حد ما بأنك في نفس فترة كتابة المخطوط، بالاضافة إلى العديد من الاحتفالات الخاصة بالأزياء والموسيقى والشعر والأدب، وآمل أن يكون احتفالنا مختلفاً عن سابق الاحتفالات لأننا لن نتوقف عند هذا الحد، بل سنحاول تقديم الثقافة اليمنية الضاربة في جذور التاريخ في جوهرها، ونبرز كيف أن الثقافة والفكر الخاص بالانسان اليمني مكناه من أن يعيش في قرى ترتفع عن سطح البحر بما يزيد على 2500 متر، وهي أول ناطحات سحاب عرفها الانسان. وبدمج الكتب والمخطوطات والعمارة اليمنية والموسيقى نستطيع ايجاد نوع من التناغم الثقافي والفني الابداعي، اعتقد أنه قلما يتكرر.

* نحن نسأل عن صنعاء وما ستقدمه للثقافة العربية والمواطن اليمني قبل العربي لا عن دعوة كبار الصحافيين ورجال الفكر بالعالم لحضور الاحتفالات كما كانت تفعل عواصم أخرى، وتأثير ذلك على المواطنين اليمنيين.

ـ ماتقوله صحيح، فهناك العديد من اليمنيين قد لا يألون بالاً بمظاهر الاحتفال وهذا وارد، لكنه ليس مقصوراً على أبناء اليمن. في كل بقعة من العالم ستجد هذه الظاهرة وهو أمر طبيعي جداً، ورغبة منا في كسر النمط الشائع للاحتفالات، قمنا بالفعل بدعوة عدد كبير من الصحافيين والشعراء من كافة أنحاء العالم بالاضافة إلى العرب بالطبع ولدينا قوائم لكتاب ومثقفين وزعماء من كافة أنحاء العالم وتحديداً من فرنسا وألمانيا وايطاليا وجنوب أفريقيا وعلى رأسهم الزعيم نيلسون مانديلا، وأستطيع القول إن الأوروبيين مهتمون بالتراث اليمني أكثر من العرب، هذه كارثة تعاني منها بعض الدول العربية.

* وما فائدة دعوة هؤلاء للثقافة والمواطن الأمي باليمن في ظل عجز وسائل الاعلام اليمنية ذاتها؟

ـ كما قلت لك اننا نعاني من التجاهل إلى حد ما، لذلك سندعو هؤلاء ليضعوا صنعاء تحت دائرة الاهتمام وذلك لنقل جوهر الثقافة اليمنية ولتكون سنة 2004 معبراً يعبر فيه اليمن إلى العالم عبر ثقافته وجوهر حضارته من خلال محورين أساسيين هما العمارة والموسيقى. ولدي الحماس لفعل الكثير لاعادة اليمن إلى سابق عهده ليكون منارة ثقافية، وسنحاول توصيل مفهوم الرسالة لذلك المواطن الذي لايجيد القراءة والكتابة لأن مفهوم الثقافة هو ابراز المعاني الأساسية الجوهرية في حياة الناس، ولسنا وحدنا في العالم العربي الذي يعاني من ظاهرة انتشار الأمية. واعتقد أننا ربما نكون أفضل حالاً من دول أخرى ونستطيع اثبات ذلك بالأرقام، ونحن لانقبل توجيه تهم لبلدنا.

* دعني أسأل السؤال بصيغة أخرى هل ستحدث السنة الثقافية تغييراً ثقافيا في اليمن؟

ـ إذا كنت تتحدث عن ثورة ثقافية تطال شتى أنواع الحياة في عام واحد فأنت والمثقفون العرب حالمون وتعيشون في عالم آخر، ولاتعترفون بالواقع الذي يمر به العالم فهناك عواصم عربية أخرى أكبر منا مساحة وتراثا وامكانيات اعلامية ومر العام الثقافي بها من دون أن يشعر به المواطن العادي والأمي الذي نتحدث عنه وبقيت الاحتفالية داخل القاعات. ولنختار واحدة من أكثرها نجاحا،ً وهي القاهرة عندما كانت عاصمة للثقافة العربية، رغم أنني أعتقد أنها مركز الثقافة العربية وستظل كذلك، فلم تحدث تلك الثورة الثقافية والتغيير الذي تتحدث عنه بمصر رغم أنه ترك أثره الرائع فينا جميعا، وعلى جميع المثقفين العرب وحتى خارج نطاق العالم العربي. فمصر تملك العديد من القنوات الفضائية ومنها المتخصصة في الثقافة، وكماً هائلاً من المطبوعات الثقافية المتخصصة، وصحفاً ومجلات قلما تتوافر في أي بلد آخر.

* فلنتحدث عن اليمن؟

ـ حسناً أستطيع القول أن اليمن مغمور هناك في جزء من الجزيرة العربية ولا يعرف الناس عنه شيئاً رغم أنه موقد للابداع وهو ما سنحاول توصيله للعالم.

أنا لا أعرف الكثير وكذلك العديد من أبناء العالم العربي شيئاً عن المبدعين في اليمن سواء كانوا من الشعراء أو الفنانين التشكيليين لإنه لا توجد صحف ومجلات ثقافية متخصصة وحركة ثقافية نشطة، كما في المغرب العربي مثلاً.

* أعتقد أن دول المغرب العربي هي الأخرى تعاني من المشكلة التي يعاني من اليمن، وخصوصاً الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا، فمثقفوها مثلنا تماماً غير معروفين ويعانون من نفس المشكلة. لكن يبدو لي أنك تتجاهل على اليمن شيئاً ما وسأضرب لك مثالاً آخر بدولة معروفة للجميع وقريبة من مصر وهي السودان ماذا تعرفون في مصر عن فنها التشكيلي والاطار الثقافي والعمل الابداعي فيها؟ أنا أعرف عنه الكثير من خلال علاقات شخصية سواء كان في الشعر والفنون بعيداً عن أسماء معروفة مثل الطيب صالح ولنبحث معاً عن أسماء أخرى. أتحدى من يأتي بأسماء عدد من المبدعين الشباب. والمسألة ببساطة أن هناك نوعاً من التجاهل لنا ولدولنا ونحن نشعر بنوع من الظلم لسنا مسؤولين عنه وحدنا بل يشاركنا فيه المثقفون العرب والشعراء والقنوات الفضائية والصحف الكبرى بمصر والسعودية ودول الخليج هناك وكلها أماكن محط اهتمام، واليمن ليس من بينها لكننا سنحاول تجاوز ذلك العام الحالي.

* ما الذي يمنعكم من «المنافسة الثقافية»؟

ـ هناك أزمة حقيقية الآن يعيشها الاعلام العربي بأسره وليس اليمن فقط. نعم هناك صحف ومجلات ودور نشر وهيئة عامة للكتاب وكنت رئيسها قبل أن أكون وزيراً للثقافة. لكن لو نظرنا إلى مبيعات الكتاب بالعالم العربي، لوجدنا أن أكبر رقم لا يتجاوز خمسة آلاف نسخة طبقاً للتقارير الرسمية، مع ملاحظة أن هذا ينطبق على كبار الكتاب. فما بالك لو طرحنا كتاباً لشاب يمني ومغمور أو أقمنا معرضاً للفن التشكيلي لفنان مغمور ونحن بالفعل نقوم بذلك وعلى نفقة الدولة، وأستطيع أعطيك أمثلة كثيرة. لكن المشكلة الأساسية هي كم يتكلف طبع كتاب وتوزيعه؟ ثم أن المباع لا يغطي حتى التكلفة. كما اننا نسمع جميعاً عن خسائر الصحف الكبرى. وقس ذلك على واقع اليمن. ماذا نتوقع من مبيعات الكتب فيها إذا كان توزيع الكتاب بالعالم العربي يتراوح من بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف.

* ما رأيك في تقرير التنمية البشرية العربي الصادرعن الأمم المتحدة وشارك فيه مائة من المثقفين العرب والذي اتهم الحكومات العربية بإفساد الحياة الثقافية وإبعاد المعارضين؟

ـ من يشرفون على العمل الحكومي والاداري هم خيرة أبناء اليمن وأساتذة الجامعات ومن حصلوا على درجات عليا من أفضل الجامعات ومن يجد طريقه لخدمة بلده فعليه أن يقوم بذلك وهؤلاء المثقفون الذين تحدث عنهم تقرير التنمية البشرية هم أيضاً يعيشون على خبرات الحكومة ومن حرافيش هذه الظاهرة. وأعتقد أن هذا الاتهام سيكون مقبولاً لو كانت هناك حكومات قاهرة تضر بالعمل الثقافي، وهذه النوعية من السلطات ليست موجودة بالعالم العربي. هؤلاء الذين تحدث عنهم التقرير ليسوا مثقفين بل أشباه مثقفين، ومن الخطأ أن تشعر بنوع من التعالي على الآخرين واعطاء نفسك «أقصد هؤلاء المثقفين الذين تتحدث عنهم» الحق في انتقاد الآخرين ورفضهم، وهذا قمة الديكتاتورية وأقول لهؤلاء وأنا مسؤول عن هذا الكلام ان المثقفين العرب أكثر ديكتاتورية وسلطوية من أي حكومة عرفها العالم على وجه التاريخ.

أما أشباه المثقفين العرب هؤلاء فيريدون قتل الفكرة والروح ويقفون في مقاعد المتفرجين من دون تقديم حلول، والغالبية العظمى منهم كانوا في العمل الرسمي وعندما أبعدوا تحولوا لاتهام الحكومة ومن يعمل معها.

* هناك أمثلة كثيرة منعت فيها السلطات في اليمن وعالمنا العربي صدور كتب لأنها تعارض السياسات القائمة؟

ـ هذا غير صحيح، فالوضع السياسي والثقافي في اليمن متناغم جداً، واشراف الحكومة على العمل الثقافي ليس عيباً. ولننظر إلى الستينات عندما أشرفت الحكومة المصرية على السينما، وهي أحد أهم القطاعات الثقافية. كان حجم الانتاج يقترب من 200 فيلم أما الآن فعدد الأفلام لا يتجاوز 20 فيلماً سنوياً وهذا طبقاً للتقارير الرسمية وإن دل على شيء فإنما يؤكد أن الحكومات في وطننا العربي هي راعية الثقافة والفكر.

* كيف ترى دور جامعة الدول العربية في دعم الثقافة العربية وانشاء منظومة ثقافية عربية واحدة؟

ـ أنا وزير ثقافة لليمن وأقول انه لا توجد على حد علمي ميزانية بالجامعة لدعم الثقافة. ولقاءاتنا كوزراء تدخل في اطار العمل الرسمي، شأنها شأن اجتماعات وزراء الخارجية العرب. ومن الصعب انشاء منظومة ثقافية عربية واحدة نظراً للنوع الكبير، وهو ما يثري الثقافة العربية.