كان ينتظر بفرح عروض «قصة حب مجوسية»

TT

كنا نحضّر سوية مع عبد الرحمن منيف لتقديم روايته «قصة حب مجوسية» على المسرح في الربيع المقبل، هكذا اراد هو انتظار الدفء لانه لم يكن قادراً على القدوم الى بيروت في فصل الشتاء. كان مريضاً ونحن نستعجل انهاء العمل لانه بدا متشوقاً لرؤيته، لكن احداً لم يكن يتوقع ان يرحل بهذه السرعة، فقد حادثته منذ اسبوع فقط، وطمأنني الى انه في صحة جيدة، ونسقنا معاً، وتواعدنا على ان اذهب لرؤيته مع صديقه اسكندر حبش، لكن الثلوج أخرتنا، واعاقت الرحلة، ويبدو انني لن اراه ابدا.

بيروت كانت تحضّر لتكريم عبد الرحمن منيف بمناسبة عرض المسرحية التي اردناها عملاً عربياً يعرض في اكثر من بلد، وكنا بصدد تشكيل لجنة عربية تضم اصدقاءه من لبنان وغيره، لندعوه الى لبنان ونحتفل به.

قرأت له رواياته في معظمها من «مدن الملح» الى «ارض السواد» و«عالم بلا خرائط» و«روعة الغياب» واستطيع ان اقول بأنه اعظم روائي عربي عرفناه. وكان يستحق منا تكريماً كبيراً ينصف ابداعه الكبير. للاسف لم تربطني علاقة شخصية بالرجل، وان كنت قد عرفته كقارىء متيم بأعماله، الى ان قررت مسرحة «قصة حب مجوسية». فقد حضّرت السيناريو الذي اشتغلت من خلاله على النص وقلبته رأساً على عقب، وذهبت للقاء منيف دون معرفة مسبقة، وفوجئ الجميع كيف اعطى موافقته، لقد نال السيناريو اعجابه وقال انها المرة الاولى التي يمسرح فيها بهذا الشكل، وهو امر جديد بالنسبة له. من خلال مناقشاتنا التي بدأت منذ حوالى العام علمت منه انه كان يكن مكانة خاصة لهذه الرواية تحديداً، لانه يعتبرها الوحيدة التي افلتت من لوثة السياسة المباشرة. انها سيرته الذاتية حين كان ما يزال طالباً في جامعة بلغراد في يوغوسلافيا. لكن احداثها يمكن ان تدور في اي بلد عربي تتوفر له نسبة من الانفتاح كلبنان مثلاً، لان اجواءها تدور في مناخ من الحرية. واللافت عنده، وما حاولت ان احلله معه هو مفهومه لجسد المرأة، كيف نظر اليه وطوره، ورفع الحب الى مراتب مثالية عالية راقية، نادراً ما نراها على هذا النحو في الادب العربي. ليست المصادفة التي جعلت هذه الرواية تصل الى طبعتها العاشرة، وهو امر نادر في اجوائنا المتقاعسة. فقد يعود السبب الى فرادة النمط العشقي الذي كتب عنه منيف، وشبابيته وفتوته اضافة الى كلاسيكية العمل، اي انه من الاعمال التي لا تشيخ وتبقى صالحة للحياة.

على اي حال، لقد ذهب عبد الرحمن منيف المتشوق لرؤية ما كتبه حياً على المسرح، وسنواصل عملنا، محافظين على الروح التي بلورناها معه، لنقدم عملاً يليق به وبمستواه الادبي.

* مسرحي لبناني