المرأة في الرواية الجزائرية خرجت من الاستعمار اللغوي وتوابعه

النصوص التي مثلت المرأة عند أغلب الكتاب الجزائريين لا تمت بصلة إلى قناعاتهم لكنها هدفت إلى دمج وضع المرأة بالهوية القومية

TT

يبحث هذا الكتاب في تطور الرواية العربية في الجزائر بعد الاستقلال، انه يركّز بالذات على روايات طاهر وطار، عبد الحميد بن حدوقة ورشيد بوجدرة، بين أعوام 1972 و1988، آخذاً بالاعتبار الآراء النقدية داخل الدولة الجزائرية، التي خرجت من نير الحكم الاستعماري الفرنسي والنضال ضد هذا الاستعمار. يمكن القول إن تطور الأدب الحديث المكتوب بالعربية في الجزائر، واجه معضلتين أساسيتين: أولهما، تتعلق باللغة، وثانيتهما، ترتبط برقابة الدولة على وسائل التعبير. فتحت الحكم الكولونيالي، كانت اللغة مهمّشة بسبب هيمنة اللغة الفرنسية كلغة رسمية ولغة مخاطبة أدبية. بعد الاستقلال، كانت هناك توقعات أن الجزائر وبعد دحرها للسيطرة الاستعمارية، ستستعيد أخيراً لغتها الأصلية، وتستخدم العربية كتعبير عن الهوية القومية التي غيّبت لسنين طويلة.

* الواقع والتوقعات

* إذن، فإن هذه الدراسة تتناول الهوّة الفاصلة بين هذه التوقعات وواقع الأمر، ثم الطريق الذي ستفرض به هذه التوقعات بعبئها المضاعف على الكتّاب الذين يهدفون إلى استخدام اللغة العربية، كأسلوب للخلق والتعبير النقدي، أي بالنسبة لأولئك الكتّاب الذين تصعب عليهم «العودة» إلى العربية. فخلال فترة الحكم الاستعماري، كان تعلّم اللغة العربية يتم فقط من قبل حركة «المصلحين» الإسلاميين المحافظين، التي تحدت هيمنة الثقافة الفرنسية ورأت في اللغة العربية سلاحاً حاسماً لموقع الإسلام في المجتمع. لهذا فصلت اللغة العربية عن أكثر مؤسسات التنمية المدنية والتعليم، وأصبحت مصاحبة لما يُعرف بـ«الهوية الثقافية». وبعد الاستقلال، سعت الجزائر لاستخدام القيم المرتبطة مع اللغة العربية كمصدر من مصادر الشرعية. أما سياسة التعريب، التي مارستها الدولة، فقد كانت مدفوعة أساساً بسبب اعتبارات سياسية أكثر مما هي بسبب الموضوع اللغوي العملي، وبمضي الزمن أخذت العلاقة ترسخ بين اللغة العربية والتفسير المحافظ للإسلام. لذلك فإن الكتّاب درسوا سُبل تحدي هذه العلاقة في كتاباتهم من خلال ربط اللغة العربية مع مفردات مدنية وشعبية أكثر، واستخدام مساحة واسعة من الشؤون المعاصرة، لكن وعلى رغم مشروعية تحديهم، فإن كتاباتهم ليس لها إلا تأثير قليل على ردم الهوة الموجودة بين اللغات التي منحت العوامل المادية التي يواجهونها.

ومعضلة أخرى واجهت تطور الأدب الحديث في العربية، وهي سيطرة الدولة على وسائل النشر وتمثيل الدولة للتاريخ الجزائري والهوية والناس، الذين يسعون إلى احتكار كل مفردات التعبير. الدراسة أيضاً تشخص الأسلوب الذي حاوله الروائيون، بهذا القدر أو ذاك، تقديم نقد عن الرقابة الآيديولوجية التي هدف إليها النظام وشموليته، والتباين بين المُثل التي يدّعيها وحقيقة حياة الناس.

* البيئة والسياسة

* غير أنه، وعلى رغم حالتها المثيرة للانتقاد، فإن تأثير أعمال هؤلاء الروائيين كان محدوداً من حيث علاقتها مع البيئة السياسية.. ان المقاربة الزمانية والمكانية لأعمال هؤلاء الكتّاب والمواضيع الأساسية لأفعال الدولة يسمحان بنوع من المزاوجة الآيديولوجية التي تتنكر للكتابات التاريخية والسياسية والواقعية. بيد انه في الوقت نفسه، وبسبب نسبة القراء القليلة، فإن أعمالهم الأدبية يمكن أن تتلاءم وتوجهات الدولة في ما يتعلق بالإعلام والدراسات النقدية. ولأن الرواية العربية الجزائرية، ظهرت حين كان نظام بومدين يبحث عن سند له من قبل العناصر اليسارية ضد المناوئين المحافظين لسياسة الإصلاح الزراعي، فإن وضع الرواية المزري، ذاك يمكن ان يُنظر إليه كحالة نقد على ذلك المفصل بالذات، وهذا بدوره يحدّ من تأثيرها.

وهناك محور آخر تتمركز عليه الرواية يمثل موقع المرأة داخل الرواية الجزائرية، وهذا الموضوع هو في الواقع موضوع مهم بسبب الاختلاف بين توقعات التغيير في وضع المرأة بشكل عام أثناء النضال من أجل الاستقلال وواقع ما بعد الاستقلال، كذلك بسبب نقد هذا الواقع الذي ظهر كمفتاح اهتمام الرواية، رغم ان معالجة هذا الموضوع كانت على الدوام متناقضة. وتكشف الدراسة أيضاً أن هؤلاء الروائيين الثلاثة واجهوا قيودا حينما كانوا يكتبون بالعربية حول المرأة، ثم تقارن أعمالهم الروائية مع موقف الدولة من المرأة وحالة الأغلبية في التجمع اليساري الذي لم يعرض إلا نقداً محدوداً جداً لدور المرأة في المجتمع، وذلك بسبب ضعف موقعه الذي أجبره على أن يساوم في هذا الموضوع لكي يحافظ على رصيده القومي وتجنب الدعم التحالفي. ان هذه المقارنة تبين أن الأسلوب الذي مثلت به المرأة في هذه النصوص هو ببساطة لا يمت بصلة إلى قناعات المؤلفين الذاتية، لكنه كان مرتبطاً بدمج وضع المرأة مع الهوية القومية و«مصداقية» موقف الدولة منها. وهذا المحور يبين بوضوح درجة تأثير خطاب الدولة وسياستها في تشكيل خطاب المعارضة اليسارية، وذلك من خلال تحديد اطار مقبول لهذا الخطاب ومن خلال تأسيس عناصر معينة من التعبير النقدي.

* تأثير الاحتلال

* الكتاب بمجمله يتألف من سبعة فصول. الفصل الاول يدور حول تأثير الاحتلال الفرنسي على المجتمع الجزائري وسبل مقاومة الاستعمار وهو السبيل الذي شكل الاطار الثقافي واللغوي. انه يناقش موضوع اللغة العربية المرتبطة بالاسلام بوشائج معينة داخل الايديولوجية القومية الجزائرية.

اما الفصل الثاني فهو يتناول الدينامية الثقافية ـ الاجتماعية لجزائر ما بعد الاستقلال وذلك لتأسيس هيكل لدراسة علاقة النصوص الروائية مع المواضيع الاساسية الثلاثة: اولا التطورات السياسية وخطاب الدولة، ثانيا، التعريب وموقع اللغة العربية داخل ايديولوجية الدولة، وثالثا المرأة في مجتمع ما بعد الاستقلال.. ومن الفصل الثالث وحتى السادس، تم التركيز على بعض النصوص المختارة للوطار، بن حدّوقة وبوجدرة. والفصل السابع والاخير يقدم خلاصة دراسة النصوص وعلاقتها مع القارئ. انه ايضا يقدم خلاصة عن طبيعة سيطرة الدولة على وسائل التعبير والامكانيات المحدودة لموقف المعارضة.

اما مؤلفة هذا الكتاب فهي الدكتورة ديبي كوكس التي حازت درجتها العلمية الثانية من جامعة اكسفورد وتعمل امينة مكتبة بالقسم العربي التابع للمكتبة البريطانية. عملت مع العديد من المنظمات غير الحكومية التي ترتبط مع العالم العربي، اضافة الى بحثها هذا الذي يتمحور حول الادب العربي والسياسة اللغوية في الجزائر، نشرت الكثير من المقالات التي تتعلق بهذا الموضوع، كذلك قامت بدراسات في السياسات الجزائرية والشرق اوسطية ودراسات ما بعد فترة الاستعمار.