رحلة الهلاك

عبد اللطيف أطيمش

TT

عويس..، يا عويسْ*

متى ستُلقي عنكَ مرساتكَ يا عويسْ؟

وتترك الريحَ لسلطانِ إلهِ الريحِ،

والبحر لرب البحر،

والقلوعَ للخلجانْ؟

فلستَ ممن يمضغون اللوتس** البحريَّ،

ينسون به الأوطانْ،

فالوطنُ البعيدُ، ما نأيتَ عن سمائهْ،

وروحُك الحيرى التي قد ذَبلتْ،

ترفُّ في أرجائهْ،

واختلطتْ دماؤكَ الراجفةُ اللوعةِ،

في دمائِه ومائهْ.

فأنتَ لن تُبحرَ مرتينْ

فرحلةُ الذهابِ،

لن تكون مثلَ رحلةِ الإيابْ

فإن ما بينهما تفترقُ الدروبْ

فربما تُكتبُ للعائد ـ من أهوالِها ـ النجاةْ

أو ربما يُقدَّرُ الهلاكُ للخائب في الدنيا،

فلا يؤوبْ.

***

عشرون عاماً..

أنت في دوّامة الرحيلْ

تجوبُ وسْط البحر والريحِ،

بلا هدى ولا قرارْ

الملحُ في عينيكَ،

والجراحُ في يديك،

والمجهولُ يلتفُّ على عُنْقكَ كالتنّينْ

وأنت كالسجينْ

تقبعُ في عالَمك السفليِّ،

بانتظار ما تحملُه الأقدارْ

***

تبدَّدَ العمرُ..، وها أنت هنا،

محيّرٌ ما بين أن تعودْ

للوطن النائي،

أو البقاء في المنفى،

فلا تعودْ.

لا قادرٌ أنت على العودةِ،

بعد رحلةِ التغرب الطويلْ

ولستَ بالقادرِ أن تحوّلَ المنفى،

إلى موطنكِ البديلْ!

* عويس: بطل ملحمة الأوديسة، كان بحاراً وموسيقياً.

** اللوتس عند اليونان، نبتة يؤدي مضغها إلى الاستغراق في الحلم وتفضيله على الحياة العملية.