عندما ينتفض بطل الرواية على مؤلفها!

الكتبي الافغاني شاه محمد رايس يرفع دعوى على كاتبة وصحافية نرويجية اطلعت على خفايا المجتمع من خلال النساء

TT

قد يبدو هذا العنوان غريبا نوعا ما او انه يحمل معنى مجردا، لكنه في الواقع حقيقة حدثت قبل عدة اسابيع عندما جاء من افغانستان الى النرويج الكتبي شاه محمد رايس، بطل رواية «كتبي من كابول» للكاتبة والصحافية النرويجية أوسنه سيرستاد، جاء ليرفع دعوى ضد الكاتبة في سبعة عشر بلدا ترجم الكتاب الى لغاتها.

الكتاب، مادة الدعوى، عبارة عن مزج بين الرواية والتقرير الصحافي، ويتناول نبض الحياة وايقاعها في المجتمع الافغاني وادوار الشرائح الاجتماعية فيه مع التركيز على المرأة التي من خلالها تحاول الكاتبة عرض صورة الوضع في افغانستان. انها تتابع ومن الداخل حياة عائلة بائع الكتب شاه محمد رايس الذي تعرفت اليه الصحافية النرويجية اوسنه سيرستاد بالصدفة عند زيارتها الى العاصمة الافغانية كابول، بعد سقوط نظام طالبان بعدة أيام، حيث كانت ترافق ولمدة ستة اسابيع ثوار تحالف الشمال في الصحراء المحاذية لطاجكستان ثم تصل معهم الى كابول في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2001. وفي محل لبيع الكتب الذي ظلت تتردد عليه وتعرفت الى صاحبه ولدت فكرة تأليف الكتاب.

المعروف عن هذه الصحافية النشطة، في الاوساط الثقافية في بلدان الشمال الاسكندنافي، حبها للمغامرة فقد غطت مجريات الحرب في كوسوفو، وعرفها متابعو القنوات التلفزيونية في اسكندنافيا مؤخرا من خلال تقاريرها اليومية التي كانت تبعثها من يوميات حرب بغداد الاخيرة حتى دخول القوات الاميركية ساحة الفردوس واسقاط التمثال، اذ اصرت الصحافية على البقاء في بغداد، رغم ان الوسيلة الاعلامية التي ارسلتها لتغطية الاحداث في العراق طلبت منها الرجوع، بعد ان سحبت الكثير من وسائل الاعلام الغربية طواقمها الاعلامية من بغداد لخطورة الوضع هناك في تلك الايام.

وهكذا جاءت سيرستاد الى كابول من اجل تسليط الضوء على حيثيات المجتمع الافغاني، وكانت محظوظة اذ التقت بهذا الكتبي ذي السابعة والخمسين عاما الذي دعاها لتصبح ضيفته طيلة خمسة اشهر لتكتشف ان وراءه قصة يطرب لها الغرب، خاصة فيما يتعلق بالمرأة وكيفية تعامل المجتمعات الاخرى البعيدة معها، وبعد زيارات الى محل بيع الكتب اصبحت اوسنه سيرستاد ضيفة دائمة فى بيته، حيث اطلعت على اسرار البيت من خلال نسائه، فحاولت تقمص شخصية المرأة الافغانية فارتدت النقاب وحاولت تقليد ايقاعات حياتهن لتخرج بكتاب يلج صميم الحياة العائلية في المجتمع الافغاني، بل وترفع النقاب لتفضح عن خبايا ومستورات قد نجدها في جميع المجتمعات ولكن البوح بها يعد جريمة، لا يعاقب عليها القانون فحسب بل وكذلك الاعراف والتقاليد، كالعلاقات خارج الحياة الزوجية، وهذا ما اثار حفيظة الكتبي الذي كان قد اتفق مع الكاتبة على تأليف كتاب عن المجتمع الافغاني من خلال عائلته ولكنه لم يكن يتوقع، ربما بسبب فارق الخلفيات الثقافية، ان الكاتبة اعتادت في مجتمعها على الشفافية وحرية التعبير حتى عن القضايا التي تعتبر في مجتمعات اخرى من المحرمات.

بعض اسماء الذين تتحدث عنهم في الرواية (السرد الصحافي) اوجدت لهم اسماء مستعارة وبضمنهم الكتبي الذي أسمته سلطان خان، لكن غالبية الاسماء ابقت عليها، اما التفاصيل فكما عايشتها هي حسب قولها. وبعد ترجمة الكتاب قبل بضعة شهور الى سبع عشرة لغة، حيث اطلع الكتبي على النسخة الانجليزية منه وثارت ثائرته واعتبر ان «الكاتبة خانت العشرة والضيافة وغدرت به» في سرد تفاصيل يمكن ان تعرضه وعائلته الى نقمة المجتمع على حياة العائلة، ولم تلتزم بما كانا قد اتفقا عليه بأن تطلعه على المادة قبل طبعها.

الكتاب حقق نجاحات كبيرة من خلال مبيعاته وترجماته الكثيرة وحاولت الكاتبة اوسنه سيرستاد ان تلم الموضوع بدعوة الكتبي للمجئ الى اوسلو واللقاء بها لتسوية القضية، والكتبي شاه محمد جاء فعلا الى اوسلو لكنه لم يلتق بها، جاء مع زوجته الثانية..... ابنة الثمانية عشر ربيعا التي قالت انها تريد أن تأخذ ثأرها من الكاتبة التي وصفتها بالرواية بالغبية والكسولة التي تكره العمل، مما أثار حفيظتها وردت في مقابلة مع صحيفة نرويجية انها ستريها من هي الغبية! اما الكتبي شاه خان فقد قال انه سوف لايكتفي برفع الدعوى ضد الكاتبة اوسنه سيرستاد بل وسيعاملها بالمثل، اي انه هدد بتأليف كتاب يتحدث عن الاشهر الخمسة التي قضتها الكاتبة النرويجية معهم في كابول وقال ان ما سأكتبه سيفضح اسرارا قد لا تعجبها.

لم ترد الكاتبة على التهديد لكن مما يبدو انها شعرت بالذنب لما قامت به. ففي تصريح لها لصحيفة الغارديان (الاثنين 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2003) قالت ان كتابها يتناول خصوصيات ما كان هناك داع لذكرها وان بطل روايتها الكتبي شاه خان شخص نموذجي وذو تعليم عال.. ولكني ربما كنت غبية لأنني لم اكن واعية بأن ما جاء في الكتاب سوف لا يعجبه. وقالت ايضا انه كان من الواجب عليها ان تكون اكثر حذراً.