الرجل الذي غزا المكسيك حيا وميتا!

العثور على مخطوط نادر للمكتشف الإسباني إيرنان كورتيس

TT

أشار اخيراً العالم الأنثروبولوجي المكسيكي سيزار موهينو مدير المكتبة الوطنية للأنثروبولوجيا والتاريخ في المكسيك الى أنه خلال عملية إعادة ترتيب وتصنيف الوثائق التاريخية القديمة بهذه المكتبة تم العثور لأول مرة على مخطوط نادر لم يسبق نشره من قبل يعود للمكتشف الإسباني المعروف إيرنان كورتيس الذي يلقي أضواء جديدة على تاريخ القارة الأميركية خاصة في المكسيك.

ويحمل هذا المخطوط تاريخ 23 سبتمبر (ايلول) 1524 حيث يسلم بموجبه كورتيس مجموعة من الأراضي إلى أحد الجنود الإسبان الذي شارك في غزو المكسيك عام 1521 وهو المسمى أندريس طابيا.

ويشير سيزار موهينو أنه بعد الفحوص والتحاليل التي أجريت على هذا المخطوط خاصة نوعية الحبر والورق المستعملين، وكذا التوقيع الذي يحمله تبين ان هذه الوثيقة لم يستخرجها أحد من قبل طوال هذه المدة أي منذ 1524.

ويرى الخبراء ان هذا المخطوط النادر هو من الأهمية بمكان لفهم كيف كان يتم تنظيم واعداد المدن الاستعمارية الأولى التي اقيمت في العالم الجديد بعد غزوه من طرف الإسبان. كما يزيح هذا المخطوط الستار عن حقائق مثيرة واكبت عملية الغزو مثل نوعية العلاقات التي كانت تربط كورتيس بمعاونيه أو مع زعماء السكان الأصليين.

كان إيرنان كورتيس من أبرز المكتشفين الإسبان في القرن الخامس عشر ولد عام 1485 في «ميديين» بإقليم باداخوث، وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره انتقل الى جزيرة «اسبانيولا» حيث عين في منصب كاتب عمومي وفي عام 1511 انضم الى الأسطول الذي غزا جزيرة كوبا أواخر عام 1518، وقد عينه حاكم هذه الجزيرة دييغو فيلاسكيز قائداً للأسطول الذي وكلت اليه مهمة استعمار بعض الجزر المجاورة لجنوب القارة الأميركية وفي فبراير (شباط) من عام 1519 وصل الى المكسيك بعد ان ألحق بأسطوله العديد من الجنود البحارة الاسبان الذين انتشلهم من عرض البحر بعد ان غرقت سفينتهم على إثر تعرضها لعاصفة هوجاء. وبعد الهزيمة التي ألحقها كورتيس بالسكان الأصليين في المكسيك تسلم نظير هذا الانتصار العسكري ما يزيد على عشرين من النساء من الرقيق البيض وكان من بينهن امرأة بصمت تاريخ المكسيك في ذلك الوقت وهي «مالينشي» التي اصبحت في ما بعد من محظيات كورتيس كما كانت تترجم له مع زعماء السكان الأصليين نظرا لمعرفتها لمختلف اللغات الأصلية المكسيكية.

وبعد بنائه لمدينة فيراكروت أنشأ بها بلدية وعين نفسه أول مسؤول لها وذلك حسب التشريع الاسباني في ذلك الإبان وقد وجد كورتيس نفسه مستقلا بالحكم ومنفردا بالسلطة، حيث لم يعد يمتثل لتعاليم حاكم كوبا دييغو فيلاسكيز. وبهدف الحصول على رضا وتعاطف العرش الإسباني بعث الى اسبانيا مركبا غاصا بمختلف الثروات من ذهب وفضة ونوادر العالم الجديد إلخ.. وأمكنه بفضل هذه المناورة السياسية ان يجعل حكمه شرعيا يحظى برضا العرش الإسباني، ثم قرر الذهاب حينئذ إلى مدينة تينوشتتلان عاصمة إمبراطورية الأزتيك التي كانت من أكبر حواضر المكسيك في ذلك الوقت، ومثلما احرق طارق بن زياد مراكبه عندما وصل الى عدوة الأندلس كذلك احرق كورتيس جميع مراكبه حتى لا يترك لأحد من جنده مجالا للتفكير في الفرار. وعلى امتداد الطريق بين مدينتي فيراكروت ومكسيكو أمكنه اخضاع العديد من القبائل الأزتيكية، التي انضمت الى جيشه واصبحت حليفة له، وبعد أن وصل إلى عاصمة الأزتيك قام بخطف ملكهم موكتزوما وأمكنه بذلك ان يشل القيادة الأزتيكية، وسيطر على المدينة الساحرة التي كانت تخترقها المياه من كل جانب والتي كانت تبدو للإسبان عندما دخلوها أول مرة مثل المدن التي تتراءى للحالم في احلامه.

وبعد سلسلة من المعارك والمناورات استطاع كورتيس السيطرة بصفة تامة على هذه المدينة بتاريخ 13 أغسطس (آب) 1421.

ثم أصبح بعد ذلك قائدا وحاكما مطلقا «لإسبانيا الجديدة» وهو الاسم الاستعماري الجديد الذي أطلق على المكسيك في ذلك الوقت.

وبعد أن اتهم بعدم حسن تدبيره لشؤون الحكم بعث العاهل الإسباني كارلوس الأول موظفين ملكيين سامين لاسترجاع دفة الحكم التي كانت بحوزة كورتيس ثم نقل قسرا إلى اسبانيا.

حاول كورتيس استرجاع أمجاده العسكرية السابقة في العالم الجديد وعلى الرغم من اللقب الشرفي الذي أطلقه عليه العاهل الاسباني وهو «مركيز أوكسكاكا»، ومشاركته في بعثة عسكرية إلى الجزائر إلا أنه لم يتمكن من استرداد مكانته المرموقة كقائد فاتح ولم يحظ بعطف الملك عليه من جديد.

استقر كورتيس بعد ذلك في مكان قريب من مدينة اشبيلية وهو يجر اذيال الخيبة وقد هده الحزن وأثقلته الهموم.

وقد أوصى بأن يدفن في المكسيك بعد مماته، ولهذا يقال إنه الرجل الذي غزا المكسيك حيا وميتا! وإليه تنسب تلك الأغنية الحزينة التي تتغنى بها فرق المارياتشي المكسيكية ذات القبعات العريضة المزركشة الشهيرة والتي مطلعها:

آه، أيها المكسيك العزيز

آه، أيها المكسيك الجميل

هأنذا بعيدا عنك

آتذوق طعم الموت