يا أعزّ الرّفاق

غازي عبد الرحمن القصيبي

TT

يا أعزَّ الرِّفاقِ! ماذا تقول:

أطويلٌ هذا الأسى.. أم يطولُ؟!

وليالي الفراق كيف تراها

وشعاع الصباح فيها قتيلُ؟

والمغاني الطلول.. هل تسْتردُّ

الفرح الغابر.. المغاني الطلولُ؟

والزمانُ الذي دفنّاهُ ظُهراً

أترى يرجعُ الزمانُ الجميلُ؟

يا أعزَّ الرفاق.. يعرف قلبي

أنَّ حمل الفراقِ عبءٌ ثقيلُ

ولياليه.. موحشاتٌ.. شكُولُ

وأماسيه.. رنّةٌ وعويلُ

*

وتراءَيْت لي.. ووجهُكُ حبٌّ ـ وحنينٌ.. ولهفةٌ.. وذهولُ

وتأمّلتنَي.. وقُلتَ: «توقفْ! ـ لا أطيق الدموعَ حين تسيلُ

هذه سنّةُ الحياةِ: غروبٌ ـ وشروقٌ.. ومنزلٌ ورحيلُ

وكبيرٌ مضى.. وجاءَ صغيرٌ ـ وفصولٌ وراءَهن فصولُ

أعقلُ الناس من يعيشُ.. ويدري ـ أن هذي الحياةَ طيفٌ يزولُ

كفكفِ الدّمْعَ، يا صديقي، وانهضْ! ـ واحضن اليومَ فهو حالٌ تحولُ»

*

يا أعزَّ الرّفاقِ!.. أمرٌ مطاعٌ! ـ نضب الدمعُ.. واكتفى المِنديلُ

*

أدخُل الآن، باسماً، عَالمَ الذكرى.. ـ وأمشي فيهِ.. وأنتَ الدليلُ

ها هنا واحة الصداقةِ.. عُشْبٌ ـ وغديرٌ.. ونسْمةٌ.. ونخيلُ

وهنا قاعةُ الدراسةِ.. فِكرٌ ـ وعقولٌ تعبُّ مِنها عُقولُ

وهنا خيمة القصيد.. أعِدْ لي ـ «ما لنا كُلّنا جوٍ يا رسولُ؟»

وهنا غرفةُ الضجيجِ.. هُراءٌ ـ وأقاصيصُ جُلُّها منحولُ

وهنا مدخلُ الوزارة.. شوطٌ ـ والقراراتُ في السباقِ خيولُ

ها هنا أنتَ.. فالزمانُ مليءٌ ـ وهنا أنتَ.. فالمدى مأهولُ

كُنتَ حشداً من النفوس غريباً ـ ما لنفسٍ بين النفوسِ مثيلُ

تتلاقى فيك العواصفُ والصّحْوُ.. ـ ويلقى الهجيرَ ظِلٌّ ظليلُ

تتلاقى فيك البراءةُ والمكْرُ.. ـ ويلْقى الخبيرَ طِفلٌ جَهولُ

كُلُّ شيءٍ لكلِّ شيءٍ عدوّ ـ كل شيءٍ لكلِّ شيءٍ زَميلُ

عجباً منك! كيف تعتورُ الأضدادُ ـ روحاً.. ولا يثورُ النزيلُ

في أساريركَ ابتسامٌ مُريحٌ ـ وعلى ناظريْكَ حُلْمٌ نبيلُ

عجباً منكَ! قُرْبَ كُلِّ مُحبٍّ ـ لكَ.. نِدٌّ مناطحٌ.. وعَذولُ

عجباً منك! كم تُثيرُ حُروباً ـ ثم تمضي مُوادِعاً.. وتقيلُ!

كنتَ تمشي مع الملوكِ.. وحيناً ـ في جموعِ المهمَّشِينَ.. تجولُ

كُنتَ عُنفاً ورقّةً.. وخِصاماً ـ وسَلاماً.. كأنّكَ المستحيلُ

*

شدَّ دُنياكَ للبريقِ.. طُموحٌ ـ أيُّ سحرٍ هُو الطُّموحُ القَتُولُ!

أيُّ سحرٍ يُغوى.. ويُغري.. ويُغوي ـ ظَمأٌ لا يبلُّ منه غَليلُ

قد خبرتَ الحياةَ.. وهيَ جِبال ـ وعهدْت الحياةَ.. وهيَ سُهولُ

عُدْتَ من رحلة الطموحِ.. وفي ـ روحكَ من لفحةِ الطموحِ ذُبولُ

إطَّرحْ حُلّةَ الوزارةِ.. والبسْ ـ فكرة ما لحُسنِها تبديلُ

أنتَ أنتَ الأستاذُ يخلُد فينا ـ حينَ يُنسى.. المبجَّلُ المسؤولُ

*

أقبل اللّيلُ.. ذاك رُكنُكْ!.. إجلسْ! ـ نتسامرْ.. ليلُ الشتاء طويلُ

كيف كان اللقاءُ بالموتِ؟ قُلْ لي: ـ أكَمَا يحتوي الخليلَ.. خليلُ؟

أمليحٌ هذا الردى.. أم فظيعٌ؟ ـ ومريرٌ.. أم طعمُهُ معسولُ؟

أتلقاكَ واجماً.. أمْ تلقاكَ ـ وضجَّ الترحيبُ.. والتأهيلُ؟

قُلْتَ لي باسماً.. لديّ جوابٌ ـ والتفاصيلُ، يا صديقي، فضولُ:

«إلْفُ هذا الهواءِ أوقعَ في ـ الأنفسِ أن الحمامَ» شرٌّ وبيلُ

دعْ حديث الردى.. فإنّي مَلول! ـ واعطني غيرَه.. فإنّي عَجولُ!»

*

يا أعزَّ الرّفاق.. إنتصفَ الليلُ.. ـ كِلانا في صبحه مشغولُ

نَمْ قريراً! لديْكَ حُزني وضِحكي ـ «فعلى أيِّ جانبيْكَ تميلُ؟»

ملحوظة: الشعر المُضَمّن للمتنبّي