وزير الثقافة السوداني: الخرطوم ستكون عاصمة للثقافة العربية في تفاعلها الأفريقي

عبد الباسط عبد الماجد: رغم مساوئ الحرب التي دفعت ملايين الجنوبيين إلى النزوح إلا أنها فتحت المجال أمام التبادل الثقافي

TT

عندما يأتي الحديث عن اللغة والثقافة العربية في افريقيا فإن الاحصائيات والحقائق تقول إن تعداد العرب يبلغ نحو 294 مليون نسمة، منهم 204 ملايين في قارة افريقيا، وان 80 في المائة من الجغرافية العربية تقع في افريقيا، ويتكلم اللغة العربية حوالي 40 في المائة من سكان القارة السمراء، وهي تدخل في لهجات افريقية عديدة كالهوسة والسواحلية وغيرهما.

ولدى انعقاد اول قمة افريقية في مايو (أيار) 1963 في اديس ابابا دار نقاش حول اللغات التي ينبغي استخدامها أو التخاطب بها في المنظمة الافريقية، وظهر ان اللغة العربية هي الأصل في افريقيا، وان الانجليزية والفرنسية جاءتا مع جيوش الاحتلال، لذلك استخدمت العربية كلغة رسمية أصيلة في المنظمة الافريقية.

انطلاقا من هذه الخلفية المعلوماتية جاء الحوار مع وزير الثقافة في السودان عبد الباسط عبد الماجد، وهو اول وزير سوداني لهذا القطاع بعدما انشئت وزارة مستقلة للثقافة التي كانت تابعة في السابق لوزارة الاعلام وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هي اهمية ودور وزارة الثقافة في السودان؟

ـ العالم بوجه عام يعلي من شأن الثقافة لأسباب منها حوار الحضارات أو صراعها، وكذلك التنوع الثقافي في اطار العولمة وضرورة تحقيق الأمن الثقافي للحيلولة دون الاختراق والاستلاب.

بالنسبة للسودان بوجه خاص، فهو بلد متعدد الثقافات واللغات والاعراق والديانات والعادات والتقاليد، فالسودان به 58 قبيلة و 170 لهجة ولغة محلية، هذا التنوع الكبير عنصر ثراء وخطورة في آن واحد مما يقتضي التخطيط الثقافي لاتاحة الفرصة لهذا التنوع للتعبير عن مكوناته واستنطاق الارث الثقافي بصورة تؤدي الى اثراء النسيج الوطني، خاصة ان السودان يجمع بين الثقافة العربية والافريقية ويهيئ نفسه لمجتمع سالم متعايش ومتسامح.

* هل توجد مرجعية للارث أو الثقافة الافريقية؟

ـ نعم، هناك ثقافة افريقية تتمثل في العادات والتقاليد والاعراف لدى القبائل وكذلك في الفنون والتراث والفولكلور، والحرف التقليدية وفي الاساطير، فقبيلة الدينكا مثلا، التي تعد نحو 3 ملايين نسمة في الجنوب، لديها نظم اجتماعية واعراف وتقاليد، وكذلك الحال بالنسبة لسكان جبال النوبة في الغرب، وهنالك لهجات محلية بلغت 180 لهجة، وبعض هذه اللهجات كتبت بالحروف اللاتينية إبان وجود الادارة البريطانية (1889 ـ 1956) كلهجات قبائل الدينكا والشلك والنوير والباريا، وفي منتصف الخمسينات (بداية الحكم الوطني) كتبت تلك اللهجات بالحروف العربية.

* لكن ألم تؤثر الحرب المدمرة على مدى عشرين سنة في التراث الافريقي، اي الخاص بالجنوب؟

ـ رغم مساوئ الحرب التي دفعت بالملايين للنزوح من مناطق الحرب أي مناطق نشأتهم في الجنوب الى مناطق الشمال فإنها اتاحت التواصل والاختلاط والاندماج في مجتمع الشمال، والى تبادل ثقافي، واصبحت اللغة العربية هي لغة التفاهم سواء بين الشماليين والجنوبيين أو بين الجنوبيين انفسهم، لأن بعضهم غير ملم بلهجة أو لغة القبائل الأخرى فيستخدم اللغة العربية باعتبارها لغة التفاهم المشتركة، كذلك استوعبت الاسواق في الشمال الاذواق والمعارف والصناعات اليدوية ذات الخلفية الافريقية، واسفر التمازج الى تبادل العادات والتقاليد في المناسبات الاجتماعية في الافراح والاتراح، فأصبح مهر الزواج بالنسبة لبعض القبائل بالنقد وليس بالبقر كما كان الحال قبل الحرب في الجنوب. وبدأ الشماليون يتذوقون الغناء الافريقي والفولكلور وكذلك تذوق الجنوبيون الفنون الشمالية، وقد استمعت لفنان جنوبي اسمه ابراهيم دينج يغني بالطمبور اغاني للفنان النعام آدم في دمشق وهي اغان للشايقية في الشمال، وكذلك تقدم فرق فنية شمالية اغاني «يعربي جوبا»، اي تلك اللغة التي تجمع بين اللهجة المحلية واللغة العربية.

هذا التزاوج الثقافي هو نتيجة ايجابية تفضي الى دعم التواصل الثقافي والانساني بين اهل الشمال والجنوب في السودان.

* كيف جاء مشروع الخرطوم عاصمة الثقافة العربية؟

ـ اطلاق هذا المشروع جاء من المنظمة العربية للتربية والآداب والعلوم التابعة للجامعة العربية، وقد سبقتنا مجموعة من العواصم، وهي القاهرة والرياض وتونس وبيروت والشارقة والكويت في تنظيمه وهذا العام 2004 فإن صنعاء هي عاصمة الثقافة العربية، أما الخرطوم فسيكون دورها لعام 2005، والمهرجانات الثقافية التي نظمت في العواصم العربية جاءت ذات بعد أو لون واحد أي انها قاصرة على الثقافة والفنون والآداب العربية، لكن مهرجان الخرطوم الثقافي العربي سيعمل على ابراز الثقافة العربية والافريقية على حد سواء، اي تقديم الثقافة العربية في تأثيرها وتأثرها بواقع المكان والتنوع الذي يزخر به السودان، وتقديم النتاج الثقافي المشترك والمتداخل بين العربية والافريقية أو القواسم المشتركة التي تجمع بينهما.

* ما هو المفهوم وراء تسمية العواصم العربية الثقافية؟

ـ مفهوم العواصم الثقافية يرتكز على ان تسمية العاصمة العربية رمز لكل المنطقة، وعندما نقول العاصمة الثقافية الخرطوم، نعني بذلك عرض ثقافة السودان في الخرطوم، وهي بؤرة لعكس هذا الشعاع بالخارج، وليس هنالك تعارض بين العربية والافريقية (صراع الهوية) في العاصمة الافريقية وعرضها من خلال تأثيرها وتأثرها، فهنالك مكون افريقي في شخصيتنا العربية.

* وماذا يمكن ان تقدم الخرطوم عاصمة الثقافة العربية؟

ـ ابراز قيم الثقافة السودانية، والتنوع في النسيج الثقافي والاجتماعي في ظل تعايش الثقافات والاديان والعادات والتقاليد، والكشف عن اسهام السودان في التراث العربي والعالمي بالتعرف مباشرة على مكنونات ومحصلات الثقافة والفنون والآداب، وستكون هنالك معارض الكتب وعروض مسرحية من مختلف المناطق السودانية، بالاضافة الى مراكز للفنون التشكيلية ومجمع الموسيقى السودانية والمركز القومي للفيلم السوداني وعروض فرق الفنون الشعبية والاوكروبات التي تعتبر الاقدم في المنطقة العربية والافريقية، والقرية التراثية التي ستجمع نماذج وتراث كافة مناطق السودان.

* ومن سيشارك في برنامج أو مشروع الخرطوم عاصمة الثقافة العربية؟

ـ العواصم العربية كافة ستشارك في مهرجانات الخرطوم بتقديم اسهاماتها الثقافية والفنية وستكون لكل عاصمة نشاطها، واسبوعها أو ايامها الذي تقدم فيه ملامح من حراكها الثقافي والفكري والفني والابداعي.

* وماذا يتحقق للخرطوم من وراء ذلك؟

ـ سيتحقق لها الكثير من الحضور العربي الكثيف للمشاركة والمساهمة في المهرجان الثقافي والفني الكبير، وادارة حوارات عربية في مواجهة صراع الحضارات لتوحيد الرؤى الثقافية العربية حول المرتكزات الاساسية للأمة العربية والاستفادة من المثقفين والمفكرين والأدباء والفنانين بتنظيم برامج في المنطقة العربية والافريقية وبناء القدرات وانشاء البنية الثقافية والتحتية.

* كيف يتيسر التأمين أو الأمن الثقافي للسودان أو الدول العربية في ظل الفضائيات المفتوحة؟

ـ إن الأمن الثقافي أو التأمين الثقافي لا يتأتى بالحظر أو الحجر أو الانغلاق أو الحواجز، ففي ظل الفضائيات المفتوحة تصعب العزلة ويتعذر الانغلاق، وفي نفس الوقت هنالك ضرورة للمحافظة على الهوية الثقافية للأمة وتنوعها الثقافي من الاستلاب والذوبان في الآخر، ومن هنا يتعين التعامل بالحوار الثقافي أخذا وعطاء واتقاء ورفضا لما هو متطرف وحاد مع الحرص على تحصين التراث واعلاء شأن القيم العليا والنشأة أو التربية السليمة.

إن التطور المذهل الماثل أمامنا وثورة الاتصالات والمعلومات جعلت أي نوع من الرقابة أو الحظر غير مجدية، وغير واردة وتؤمن بالتحصين عبر اعلاء القيم والمثل العليا والتربية السليمة.