جمهور غازي القصيبي في الكويت دفع ثمن أمسيته الشعرية غالياً

TT

حضور الأمسيات الشعرية في الغالب يكون مجانا، ولكن أمسية الشاعر الدكتور غازي القصيبي في الكويت لم تكن كذلك، فقد دفع جمهوره الذي حضر الأمسية ثمناً باهظاً لذلك الحضور، إذ تخلى الجمهور عن متعة الربيع الجميل في مخيمات البر في يوم عطلة إسبوعية هو يوم الجمعة الواقع بين عطلتين هما يوم الخميس، عطلة نهاية الإسبوع الرسمية، ويوم السبت، العطلة الرسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية. ولو لم يكن القصيبي هو محيي الأمسية لخلت القاعة من الحضور. فمن ذا الذي يقايض هذه الأيام جمال ربيع البر ومتعة الإجازة بجمال الكلمات الشعرية غير جمهور غازي القصيبي. لقد دفع الجمهور ثمن حضور أمسية الشاعر الوزير غالياً ولكنه خرج كاسباً.

ولم يكن الجمهور هو الكاسب الوحيد في تلك الأمسية، إذ لم تقل فرحة الجمهور بلقاء الشاعر عن فرحة الشاعر بلقاء جمهوره في الكويت. هذا ما أكده الشاعر القصيبي حينما بدأ أمسيته بالقول إن زوجته كلما رأته مهموماً تشير عليه بالذهاب إلى الكويت لأنها تراه كلما ذهب لذلك البلد يعود مسروراً وبروح معنوية مرتفعة. ويضيف «وأحسبها على حق، وأحسب أن السبب هو الحب الذي ألقاه من كل إنسان في الكويت، وهو حب ألقاه وأبادله وآخذه وأعطيه».

وأتبع الشاعر هذا القول بقصيدة «ولهانة» وهي كلمة دارجة بالكويت مشتقة من «الوله» وشدة الشوق، ولم ينس أن يعتذر لأهل مدينة «تكريت» العراقية مشيراً الى أنه كتب هذه القصيدة قبل عام تقريباً.

ومن القصيدة:

قل للكويتية الحسناءِ.. معذرةً

إذا فضحتُ الذي قد كان من خَبَرِ

تقول «ولهانة».. لو أنها صَدقتْ

أَكُنتُ وحديَ بين اليأس والضجرِ؟

أكنت أحمل همَ الناس قاطبةً

أكنتُ أتعسُ من بيدٍ بلا مطرِ ؟

أكنت أستعطف «الجوال».. ألثمه

وقلبهُ قطعةٌ صماءُ من حجرِ؟

تقول «ولهانة» لو أنها صَدقَتْ

أكان حِبريَ دمعي.. والأسى قَدَري؟

غفت على أذرع النعماء حالمةً

وخلفتني على الأشواك للسهر

وما طمعت بشيء.. غير ثانيةٍ

تجوب عيناي فيها طلعةَ القمرِ

* * *

قل للكويتية الحسناء.. معذرةً

إذا شكوتكِ للبدوانِ.. والحضرِ

أفي الكويت، بلاد الجود، تتركني

هذي البخيلة محروماً من النظر؟

أفي الكويت، بلاد العدل، تقتلني

هذي الجميلة مصلوباً على وتري؟

أفي الكويت، ملاذ الضيف، تهجرني

بلا وداعٍ.. بلا زوادة السَفَرِ؟

هل كان جفنُك من «تكريت» إنّ به

شوقاً إلى قتل من يلقى من البَشَرِ

*

تقول «ولهانة» ياحُلوه كَذباَ

أفديه بالعُمر الباقي من العُمرِ

ثم ألقى الشاعر قصيدة كتبها بعد عام من هزيمة «حزيران الأسود» عنوانها «بعد سنة» قال فيها:

مضغ القفل لساني

وأنا أحلم باليوم الذي أنطق فيهْ

دون أن أخشى رقيباً

*

ما الذي يفعله الشاعر في وجه البنادق ؟

وهو لا يملك إلاّ قلمه؟

وهو لا يحمل إلا ألمه؟

وهو ما ذاق لظى الحرب.. ولا زار الخنادقْ؟

وهو ما هام على سيناء ظمآن شريدا

وهو ما حارب في القدس ولا خرّ شهيدا؟

وهو لا يصنع إلا الكلمات؟

وهو مهما قال عن غضبته، يهوى الحياة؟

ما الذي يفعله الشاعر في وجه دموع الثاكلات؟

وهو في ذلّته بعض الجريمة؟

غير أن يكتب شعراً

زائفاً يخجل أن يلمس ذكرى الميتين؟

غير أن يسبح في الطين.. ويجتر الهزيمة؟

وبعد أن فضح الشاعر تزييف الإذاعات للحقائق ابان الحرب وحالة العرب بعدها، ختم هذه القصيدة بالقول:

إخوتي، لا تغضبوا إن قلت ما زلنا

صغارا

لم نزل نرضع نهد الأمس.. نمتص

شعاراً فشعارا

عندما نضحك من أنفسنا

عندما نقى على لمس الجراحِ

عندما نقتلع السور ونمشي في الرياحِ

سوف نرتد كبارا

وتوالت قصائد الشاعر، فألقى قصيدة كتبها بمناسبة زواج ابنته «يارا» من ابن عمها فواز، ثم قصيدة أخرى كتبها حينما أهدته يارا وزوجها الحفيد الأول «فهد» فجعلاه جداً للمرة الأولى، وقصيدة أخرى حينما أطلقا على حفيده الثاني اسم «غازي» رغم أن أمتنا العربية في زمن السلم.

وذكر الشاعر القصيبي أصدقاءه في بعض شعره الذي ألقاه في الأمسية، منها قصيدة «رقم الهاتف» التي كتبها في صديقه المرحوم عبد الوهاب العيسى، ثم اتبعها بقصيدة «في عامي الستين» وقصيدة «فياجرا» ختمها بقوله:

يا من صنعت بلسماً

قضى على مواجع الكهولة

وأيقظ الفحولة

أما لديك بلسمٌ

يعيد في أمتنا الرجولة؟

وأنهى الشاعر أمسيته بقصيدة كتبها يوم تحرير الكويت ختمها بقوله «أحبكِ.. ما دام هذا الخليج بهذا المكان»، وقصيدة أخرى في شهيد الكويت إبان الغزو العراقي للكويت الشيخ فهد الأحمد الصباح والمرتبط اسمه بعالم الرياضة الخليجية والعربية والعالمية.