مشروع طه حسين النقدي لا يزال قادرا على إثارة الأسئلة والدهشة

المجلس الأعلى للثقافة بمصر يحتفل بمرور ثلاثة عقود على رحيل عميد الأدب العربي

TT

هل تحقق المشروع النقدي لطه حسين؟ وهل تحقق طموحه لأن يصبح التعليم كالماء والهواء؟ وهل رسخت القيم الفكرية التي كان يسعى جاهدا لتثبيتها؟ والى أين وصلت ثورته المنهجية على الأفكار السلفية؟ واذا قارنا أفكاره بما يجري الآن فهل ما حدث كان طموح طه حسين؟

كل هذه الأسئلة، وغيرها كانت على مدار النقاش في الندوة التي أقامها المجلس الأعلى للثقافة لمدة ثلاثة أيام بالقاهرة للاحتفال بمرور ثلاثة عقود على رحيل عميد الأدب العربي د. طه حسين.

في الجلسة الافتتاحية أكد د. صلاح فضل أن طه حسين هو أكبر محور رمزي تلتف حوله عيون المثقفين العرب وتتجلى فيه القيم العليا من الفكر والأدب والعلم والثقافة، ذلك ان طه حسين ليس بنفسه فقط وانما بما يمثله ونيابة عنه أبناء جيله، وهو ما يؤكد ان النهضة العربية بدأت تصنع تاريخها وتجسد رموزها، وتشكل تراثها الفكري وان طه حسين رمز لهذا الجيل الذي استيقظ وعيه بثورة 1919 واستعادة الوجه المضيء من التراث العربي القديم واستحضار الروح العلمية المشتعلة التي بدونها لا يمكن ايقاد جذوة البعث الحضاري!

وتناول د. جابر عصفور في كلمته دور طه حسين في استقلال الجامعة، وأشار الى أنه كان يسعى من خلال هذا الاستقلال الى استقلال الذات الجامعية التي لا معيار لها الا العلم، وحرية البحث العلمي، ويعني انه لا توجد جهات تصادر على بحث الاستاذ الجامعي، وهو ما يعكس النظرة المستقبلية لطه حسين، ويعني استقلال المجتمع، ولا معنى لاستقلال الجامعة بدون استقلال المجتمع.

وفي مداخلته لمح د. مصطفى عبد الغني الى دور السياسة في حياة طه حسين حيث يرجع هذا الدور الى فرضية أساسية مؤادها ان البعد السياسي عند طه حسين يذهب الى رؤية أو فلسفة للتغيير لا تخرج عن الاطار العملي.

وقال عبد الغني ان البعد السياسي عند طه حسين ليس كادرا تقليديا في الواقع، ذلك ان طه حسين كان واعيا لدوره السياسي وفي الوقت نفسه كان واعيا للدور الذي يمكن ان يلعبه الكادر السياسي في الحياة العملية، فقد كان منتميا الى الطبقة الوسطى بشريحتها الأدنى ورغم انه انصرف في بعثته للتعليم في الغرب فإن الانسلاخ من الواقع الاجتماعي على المستوى الثقافي هو الذي حدد رؤيته ووعيه وممارساته.

وأكد عبد الغني أن التأثير لدى طه حسين اتخذ معنى واعيا لا مباشرا كما انصرف الى الواقع الذي يقترب من الرؤية الفكرية بالقدر الذي انتمى فيه لطبقته الوسطى أو الى كاتب شعبي النشأة أكثر مما انتمى للطبقة الارستقراطية وهو ما تتحدد معه قضية الادراك السياسي العلمي والتغير الفكري الأدبي، ونستطيع معه ـ يضيف عبدالغني ـ فهم المواقف السياسية لديه عبر هذا المستوى في العديد من الأنماط التي تتعدد وتتحدد عند تصنيف المثقف. اذ يمكن تطوير المثقف المتمرد قبل ثورة يوليو الى المهادن والمؤيد بعدها وهو ما نتمهل عنده عند رصد موقفه العملي من قضايا عصره، وهو ما يكشف ان طه حسين لم يكن يقع في براثن السلطة بقدر ما كان وعيه متنقلا بين الرؤى الفكرية، مقترنا بالبعد السياسي، مرتبطا بالواقع العملي، متحولا في قضاياه الى الوعي بموقف المثقف حين يصبح في موقع السياسي، وهو ما حدث حين أصبح وزيرا للتعليم في نهاية النصف الثاني من القرن العشرين.

وفي دراسته ركز مدحت الجيار، على طه حسين الشاعر، والذي رأى انه لم يتم تسليط الضوء عليه نظرا لقلة انتاجه الشعري. فقد كان طه حسين يسهم بالشعر في مناسبات سياسية بالدرجة الأولى، ثم شخصية في الدرجة الثانية. كما لم يتم حتى الآن جمع وتحقيق نصوصه الشعرية، احساسا بضآلة عددها وضآلة اسهامها في بنيته الفكرية ولهذا أصبح من الواجب الان جمعها.

وأشار د. فتحي عبد الفتاح الى أن مشروع النهضة الثقافي الذي طرحه طه حسين حول مستقبل الثقافة المصرية سنة 1938 لا يمكن ان يكون من أوراق الماضي التي انطوت، بل ربما اكتسب أهمية أكبر في ظل تلك الثورة الجامحة التي مازالت في حالة الفوران البركاني.

وأشار عبد الفتاح الى أن طه حسين ربط في مشروعه الثقافي بين البعد الاسلامي العربي للثقافة المصرية، وبعدها الأوروبي والمتوسطي بشكل خاص من خلال مفهوم الدوائر المتداخلة ذات الأثر والتأثير في الشخصية المصرية وفتح امام العقل المصري صيغا ومقولات تحولت ومازالت تتحول الى واقع واحداث جارية وناهضة يجري بلورتها.

ويبرز عبد الفتاح تأثر جمال عبد الناصر في كتابه «فلسفة الثورة» والذي كان بمثابة البيان التلقائي لرجال يوليو بأفكار ومقولات طه حسين عن تلك الدوائر المتداخلة، برغم الاختلاف في تحديد الدوائر وتسمياتها. ولكن الجديد هو الخروج عن النمط التقليدي السائد واستشعار المجالات المتعددة للحركة وللتأثير والتأثر.

وأكدت د. فاطمة موسى انه كلما كثر الحديث عن العولمة تذكرت طه حسين وحديثه عن الهيلينية التي كانت تمثل في منظوره المصدر الأول لعالمية الفكر في الأيام الغابرة وتتجلى في العصر الحديث في ثقافة البحر المتوسط التي دعا الى دعمها ثقافيا وعلميا، وعندما أصدر مجلة «الكاتب» المصري سنة 1945 قال في تقديمها ان مصر بلد من بلاد البحر المتوسط أتاح لها مركزها الجغرافي ان تمتاز بين بلاد الشرق الأدنى بثروتها وثقافتها وقوتها، وسبقت الى التعاون الثقافي مع الأمم المتحضرة القديمة ومع الأمة اليونانية خاصة ثم مضت في هذا التعاون مع روما كما مضت فيه مع اثينا من قبل، وهو ما جعل المجلة ترفع شعار الحرية الواسعة فيما تنشر وما تختار من آثار القدماء والمحدثين ومن آثار الشرقيين والغربيين.

وطرح عبد الرحمن أبو عوف ما تثيره محاولات طه حسين الابداعية في مجال الرواية من تساؤلات معقدة في الموضوع والرؤية والبناء الأسلوبي والجمالي، متسائلا: هل تنتسب هذه المحاولات الانشائية البلاغية لفنية الرواية بأبسط شروطها المستخلصة من اتجاهاتها ومدارسها المعروفة، وما موقع روايات طه حسين من ابداع جيله والأجيال التالية من الروائيين المصريين؟

وقارن أبو عوف بين رواية طه حسين ورواية هيكل والمازني ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم ويحيى حقي وهم الأقرب لجيله ليصل الى حقيقة مفادها ان هناك فارقا شاسعا في التعبير البنائي والتشكيلي وآليات السرد وبناء النماذج والتعبير بالصورة والمجاز والرمز ودرامية الحدث وادراك وحدة الموضوع والحدث واستخدام اللغة المباشرة والشاعرية الغنائية في الأسلوب، وأهم من ذلك الزمن الروائي والأسلوب الفني الذي يستفيد من فن الرسم والتصوير والموسيقى والسينما.

وخلص أبو عوف الى أن الرواية عند طه حسين غالبا ما تفتقد الوحدة الفنية والنسق البنائي للموضوع ويتبدى فيها الأسلوب الخبري اليقيني متعارضا مع شاعرية السرد.