الحكم على المثقف السعودي انطباعي تغشاه الاتهامات والظنون

محمد بن عبد الوهاب الطريري*

TT

تسود الساحة الثقافية السعودية حالياً نعوت متعددة، ترمز لانتماء المثقف الفكري، وتشي بطبيعة الدور الذي ينشده لمجتمعه، والغالب في هذه النعوت أن دلالتها مجازية وليست حقيقية، أي ما بين غائم إلى غائم جزئيا، فوصف الليبرالي مثلاً لو أردنا تطبيقه كما في وصفه العلمي (وهو أنه مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين السياسي والاقتصادي)، ففي الميدان السياسي وعلى النطاق الفردي: يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير وأفعالهم حتى لو كانت متعارضة مع المذهب بشرط المعاملة بالمثل.

وعلى النطاق الجماعي: هو النظام السياسي المبني على أساس فصل الدين عن الدولة، وعلى أساس التعددية الآيديولوجية والتنظيمية الحزبية والنقابية من خلال النظام البرلماني.

فلو أطلقنا هذا الوصف على مثقف ما، لوجدنا أن الوصف فيه ما فيه من التعسف والتمحل، من حيث كونه حقيقة كاملة في المثقف الموصوف بالليبرالية، وعلى هذا النعت تقاس باقي النعوت كالحداثة والعلمانية وغيرها.

والحديث هنا عن الساحة الثقافية المحلية، خلافاً لغيرها حيث تحمل النعوت دلالة مباشرة على التوجه الفكري للمثقف، ولهذا الفرق أسباب متعددة، من أبرزها حرية التعبير للمثقف في الإفصاح عن أفكاره بوضوح لا يخشى معه أي سلطة سواء كانت دينية أو سياسية أو مجتمعية، وقبول المجتمع للرأي الآخر، وغياب الإرهاب الفكري، وغيرها مما يسهل عملية الحكم عليه وتحديد التوجه الثقافي له.

أما المثقف المحلي فقليلاً ما تواتيه الشجاعة للتصريح بأفكاره، فإن أراد الخروج لغزوة ورّى بغيرها، تفادياً للاصطدام بالزوايا الحادة، سواء كانت هذه الزوايا حقيقية أم وهمية.

فإذا كانت الحال بهذه الصورة من الضبابية، فإن الحكم على المثقف في ساحتنا المحلية لا يكون حكماً علمياً، بل الغالب عليه أن يكون حكماً انطباعياً مسبقاً، وقد يكون مرفقاً ببعض الاتهامات والظنون، التي تفترض سوء القصد وفساد الفكر، وتحمل فكر المثقف على أسوأ المحامل، حيث تفعل العقلية التآمرية فعلها، في توجيه الأحكام، في مخالفة صريحة لقول الله عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم».

إن هذه الضبابية في المصطلحات أثرت على العقل الثقافي، في تحديده للتمايز بين التيارات المختلفة، فلا يفرق بين الليبرالية والحداثة، وبين القومية والعلمانية.

وهذه الضبابية ليست إلا نتيجة لثقافتنا المحلية بسائر مكوناتها، وكما قيل: شبيه الشيء منجذب إليه.

* كاتب سعودي ـ [email protected]