لم تتعود غالبية سكان العاصمة الافغانية كابل على ادارة طالبان لشؤون حياتهم اليومية. فعلى الرغم من معاناة عقدين تقريبا من الحرب، لم يكن سكان كابل على استعداد لقبول المنهج الديني المتشدد الذي فرضته عليهم حركة طالبان خلال فترة حكمها للبلاد. وقد أسفرت الأحكام والإجراءات المتشددة التي كانت مفروضة على النساء الى إسكات اصواتهن تماما، وكن عرضة للجلد والضرب عقابا على ما يراه افراد طالبان مخالفا من جانب النساء. إلا ان الامر لم يقتصر على النساء فحسب، اذ ان الرجال ايضا كانوا عرضة للعقاب وحتى الإعدام.
ولتقريب الفكرة دعونا نتخيل ان جماعة مسيحية متشددة استولت على مانهاتن لبضع سنوات. ربما لا يثير ذلك اضطرابا يذكر في منطقة «حزام الانجيل» في الجنوب والغرب الاوسط الاميركي بسبب انتشار نزعة التدين في ذلك الجزء من الولايات المتحدة وعلى وجه الخصوص انتشار النزعة الاصولية البروتستانتية، إلا انها ستثير بالتأكيد رفضا عنيفا في مناطق مثل بارك آفينيو، حيث الالتزام بالتدين اقل نسبيا مقارنة بمنطقة «حزام الانجيل».
صور الكاتب ياسمينا خضرا الاوضاع السائدة تحت ظل نظام طالبان السابق في روايته «إبتلاع كابول» من خلال تصوير مآسي الكثير من الاسر التي دفعتها تلك الاوضاع الى حافة الجنون واليأس مثل حارس السجن عتيق شوكت وزوجته مسرة وزوج آخر يدعى محسن وزوجته زنيرة.
فقد محسن وزوجته زنيرة منزلهما ووظيفتيهما بفعل الاحكام والعقوبات المتشددة التي كان يفرضها أفراد حركة طالبان الحاكمة على السكان بصرف النظر عن مدى تدينهم. وطبقا للرواية، فإن كلا من محسن وعتيق وزوجتيهما من المسلمين المتدينين ولكن ليس بالمستوى الذي حاولت ان تفرضه حركة طالبان على سكان افغانستان كافة.
كان عتيق ينقل في بعض الاحيان المساجين الى استاد مدينة كابل حيث تجري عقوبة الرجم او الاعدام. وشاءت الاقدار ان تكون زنيرة في عنبر السجن المسؤول عتيق عن حراسته. كانت زنيرة تنتظر تنفيذ حكم الإعدام، إلا ان عرضا قدم لثلاث من الشخصيات بالتخلص من الخطايا، لكنه كان انتصارا مكلفا لأنه كان قائما على اساس استبدال حياة بأخرى، ولكن حتى ذلك الاحتمال تلاشى مع وصول الشخصيات الى ذروة الاحداث الدرامية في الرواية. وتبدو هذه نقطة خضرا الرئيسية، أي ان التحولات الصغيرة عندما يبتسم الحظ من الممكن ان تتحول الى مأساة عندما يسود الخوف والتطرف.
مخاطر التطرف الاسلامي هو المحور الذي تدور حوله اعمال خضرا (الكنية التي يكتب بها الضابط الجزائري المتقاعد محمد مولسحول الذي يعيش حاليا في فرنسا)، اذ تتناول روايتا مولسحول اللتان ترجمتا الى الانجليزية ـ «بسم الله» و«احلام الذئب» ـ نفس القضية ولكن في السياق الجزائري. يكتب خضرا بكفاءة ودون اسهاب ويظهر ذلك واضحا في ايراده الكثير من المعاني والمضامين باستخدام القليل من الكلام دون تطويل وتفصيل. ورغم ان كتابته تفتقر الى التفصيل الحسي، فإن النفاذ الى معانيها لا يتطلب جهدا كبيرا. فهو يصور صيف كابل بالقسوة والجفاف، إلا ان هذه الصفات تنسحب فيما يبدو على الجو العام بمختلف تفاصيله الاخرى. فهذه الصورة الكالحة قد تثير الكآبة والانقباض، وفي بعض الاحيان ربما يكون هناك من يبحث عن شخصيات تجسد الوضع الطبيعي المألوف وسط هذا الكم الهائل من الكآبة.
* خدمة «بولتيمور صان» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»