ماضي ومستقبل أفريقيا السوداء في كتاب ألماني

TT

صدر عن دار نشر «داس برلمانت» الألمانية في بون، كتاب جديد للباحث الألماني «هيلموت هاينز ماير» يحمل عنوان «افريقيا.. التاريخ والحاضر والمستقبل المجهول»، يتناول فيه تاريخ القارة السمراء وقصة الاستعمار الأوروبي فيها والصراعات الدائرة فيها حالياً ويحلل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها منذ القرن الثامن عشر حتى الآن، خاصة الحروب الأهلية والاقليمية والقبلية التي شهدتها افريقيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ومستقبلها الذي يصفه المؤلف بأنه «مستقبل مجهول». كما يفرد فصلاً خاصاً عن الظروف المحيطة بالتنمية فيها والتطورات المتوقعة فيها في الألفية الثالثة.

ويصف مؤلف الكتاب افريقيا بأنها القارة الوحيدة في العالم التي ما زال الفقر والجوع والتخلف الاقتصادي والاجتماعي يسود فيها بشكل كبير، مشيراً إلى ان عدد سكان افريقيا يصل حالياً إلى حوالي 700 مليون شخص، لكن الناتج الاجمالي فيها لا يزيد عن الموجود حالياً في دولة أوروبية صغيرة هي سويسرا التي لا يتجاوز عدد سكانها أكثر من سبعة ملايين نسمة فقط، وهذا الوضع السلبي لن يتغير في نظره خلال الفترة القريبة المقبلة لاسباب عديدة، منها النمو السكاني الكبير والمتزايد فيها، اذ ان عدد سكانها سوف يتجاوز خلال القرن الحالي المليار نسمة، الامر الذي سينعكس بدوره على الاحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية فيها. لقد ظلت القارة الافريقية، منذ مطلع القرن العشرين بعيداً عن العالم المتحضر، كما انها ما زالت، مع بداية القرن الحادي والعشرين، بعيداً عن مضمار التجارة العالمية والتنمية الاقتصادية والتطور التقني والعلمي. ويعلق المؤلف على ذلك بقوله: في حال زوال القارة الافريقية عن خريطة العالم، فأن احداً لن يلاحظ ذلك، مشيراً إلى حركة النزوح الواسعة من القارة الافريقية إلى الخارج، خاصة بين المتخصصين، وان نصف عدد الذين يحملون شهادة الدكتوراه، من الافارقة، يعيشون اليوم خارج القارة السمراء.

ويتابع المؤلف حديثه حول الاستعمار الغربي للقارة الافريقية، الذي كانت تمثله دول اوروبا الكبيرة كبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال، واستيطان «الرجل الابيض» فيها، مشيراً إلى ان عدد البيض الذين كانوا يقطنون القارة الافريقية في مطلع القرن التاسع عشر، لم يكن يتجاوز اكثر من 25 الف شخص، بينهم حوالي 20 ألفاً استوطنوا في جنوب افريقيا، بينما توزع الباقون في مختلف انحاء القارة الواسعة، ذلك ان «الرجل الابيض» كان يخشى المجهول الذي يلف افريقيا، والاوبئة والامراض التي كانت سائدة فيها، وذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، حيث ازداد اهتمام دول القارة الاوروبية المتنافسة داخل القارة نفسها، للحصول على مكاسب اقليمية واقتصادية وعسكرية خارجها، ساعدها على ذلك تطور القوى العسكرية ووسائل النقل والادوية الطبية، وتشجيع الحملات التبشيرية والاكتشافات التاريخية والعلمية، التي مهدت للسيطرة الاجنبية على القارة المجهولة، التي ظهرت بشكل واضح، وبصورة خاصة، بين بريطانيا وفرنسا المتنافستين، والتي سعت المانيا القيصرية إلى المشاركة فيها، وبلغت قمتها في انعقاد «مؤتمر برلين» الذي شاركت فيه 14 دولة في عام 1884، لتتقاسم النفوذ والاراضي والثروات في افريقيا، بعيداً عن ارادة سكانها انفسهم، حيث حصلت بريطانيا وفرنسا، لوحدهما، على ما يزيد على ثلاثة ارباع القارة، ورافق التقدم والرفاه اللذان سادا القارة الاوروبية، البؤس والفقر والتخلف في القارة الحزينة.

ديالكتيك الاستعمار الكولونيالي وفي فصل خاص يحمل عنوان «استغلال القارة الافريقية» تناول المؤلف بالتحليل والارقام والاحصائيات، موضوع الاستغلال المخيف الذي تعرضت له افريقيا خلال القرن العشرين في مختلف الميادين، خاصة الاقتصادية، عندما حول الاوروبيون هذه القارة إلى مصدر لا ينضب للمواد الخام، وكسوق واسعة لتصريف منتجاتهم الصناعية التي تعتمد، اصلاً، على المواد الأولية المستوردة من الخارج.. كل ذلك على شكل دوامة كبيرة عملاقة من استغلال الشعوب والثروات والموارد الطبيعية.

ويفسر مؤلف كتاب «افريقيا.. التاريخ والحاضر والمستقبل المجهول»، التناقض الذي حمله «الديالكتيك الكولونيالي» إلى القارة الافريقية، مشيرا إلى أن اتساع استغلال الاستعمار الغربي للموارد الطبيعية والبشرية والأولية في افريقيا، أجبر المستعمرين، في الوقت نفسه، على شق الطرق وإنشاء الخطوط الحديدية لنقل ثروات القارة إلى الخارج، وكذلك إنشاء أنظمة تعليمية وإدارية لضبط عملية الاستغلال هذه بأفضل وجه، وتخريج كوادر معينة من الأفارقة يساهمون فيها بصورة غير مباشرة، لم تلبث هذه الكوادر نفسها، ان حملت لواء التحرر من الاستعمار والتخلص من الاستغلال، مما قاد إلى وصول افريقيا ودولها إلى الاستقلال تدريجيا.

ومن صور هذا التناقض، ايضا، الحملات الصحية التي رافقت الاستعمار الأوروبي للقارة الافريقية، ومكافحة الاوروبيين للامراض والأوبئة خوفا على حياتهم وضمانا لمتابعة استغلالهم المادي والبشري، إذ ان هذه الحملات التي رافقتها بعض الخدمات الصحية والاجتماعية في كثير من المناطق الافريقية، أدّت إلى زيادة كبيرة في النمو السكاني وإلى التنازع على المياه والأراضي والثروات الطبيعية بين السكان المحليين، الأمر الذي قاد إلى حروب أهلية ومحلية وإقليمية بين دول القارة غير المستقرة، يصعب تفسيرها بعيدا عن التناقض الديالكتيكي المشار إليه.

الكتاب: افريقيا.. التاريخ والحاضر والمستقبل المجهول دار النشر «داس برلمانت» ـ بون ـ ألمانيا المؤلف: هيلموت هاينز ماير