حركة طالبان بين العمائم والمدافع والأفيون

كتاب جديد يرصد تحولات الحركة من داخلها

TT

يعد هذا الكتاب حصيلة رحلة ميدانية قام بها مؤلفه الصحافي عبدالحليم غزالي الى أفغانستان في محاولة لرصد ظاهرة طالبان على صعيد الواقع: من هم؟ وكيف حققوا هذا الصعود السريع؟ وماهي أفكارهم ومبادؤهم الدينية والسياسية وطبيعة علاقتهم بالدول المجاورة لهم، خاصة باكستان وإيران، وصلتهم باسامة بن لادن، ومصادر تمويلهم وعلاقتهم بتجارة الأفيون وسوق المخدرات العالمية، وموقفهم من الحياة الانسانية بعامة وقضايا المرأة بخاصة، كما يقدم رؤية واقعية لطالبان وأفكارهم وسلوكهم وأسلوب حكمهم ومستقبل هذه الحركة.

يؤصل الكاتب لجذور الوضع المعقد في أفغانستان بدءاً من سقوط حكومة نجيب الله الشيوعية ودخول المجاهدين كابول في ابريل (نيسان) 1992 حيث كان الأفغان ومعهم المسلمون في أنحاء العالم يتمنون أن يطبقوا الاسلام ويعم الأمن والاستقرار البلاد، ولكن بعد 14 عاماً لم يتحقق، بل حدثت حروب بين المجاهدين في كابول، وكان الملا محمد عمر ـ مؤسس الحركة ـ يعمل مديراً لمدرسة في «مايوان» إحدى مناطق قندهار، وفي 24 يونيو (حزيران) 1994 جمع الملا عمر رفاقه في قرية «كشك نخوذ» وأعلن قيام الحركة، وفي هذا اليوم تم رفع العلم الأبيض وعليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله» الذي أصبح رمزاً لطالبان.

ويرى المؤلف ان النتائج الإيجابية للجهاد الأفغاني تقلصت حين انحرف قادة الجهاد فقتلوا الأبرياء وسفكوا دماءهم بهدف الوصول الى السلطة وتقليد المناصب، وقد شارك الطلبة في الجهاد وهم «الجماعة الطيبة» التي تريد تحكيم شرع الله واقامة حكمه، كانوا كذلك ولايزالون، وعندما رأى علماء أفغانستان ومعهم الطلبة انحراف المجاهدين وفسادهم فكروا في تأسيس حركة جديدة من الجانبين، وتم تعيين أمير لهذه الحركة وهو «الملا محمد عمر»، وكان الهدف من نشأة طالبان هو توفير الأمن والأمان والاصلاح وحماية حدود أفغانستان وإعمارها من جديد.

ويرصد الكاتب وجود مجلس شورى موسع لطالبان أو كما يسمونه «أهل العقد والحل» حيث يضم حوالي 1500 عالم دين من معظم الولايات الأفغانية، وتتراوح أعمارهم ما بين 25 و85 عاماً، والكل يمثلون «الهيئة الانتخابية لطالبان» وقراراتهم بمثابة أحكام قطعية، ونظرياً، فإن هذا المجلس أعلى سلطة من الملا محمد عمر وهو الذي اختاره في الأصل لمنصب «أمير المؤمنين» في الثالث من ابريل عام 1996، وهذا الاختيار كان عن طريق البيعة.

أما من الناحية الاقتصادية في افغانستان فهي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة وتعتبر دولة مصدرة للمنتجات الزراعية بما في ذلك الفواكه بأنواعها، فضلا عن التجارة ومعظمها مع باكستان وتركمنستان، وهناك أيضاً مصانع للمنتجات الجلدية والأسمنت وتجفيف الفواكه، بالاضافة الى نشاط تعديني، حيث تصدر أفغانستان بعض الأحجار الكريمة، وتحصل حكومة طالبان على جمارك مقابل البضائع التي يتم استيرادها، وعلى رسوم خدمات من السكان، كما تحصل طالبان على بعض المساعدات من الخارج. كما تتوافر الكهرباء في المدن الأفغانية الكبيرة، فهناك 80 شركة تدير الشبكات الكهربائية وهي تابعة لحكومة طالبان، وفي ما يخص الروبية ـ عملة أفغانستان ـ فإن طالبان لا تتدخل في سعرها وتتركه للسوق، وأغلب الروبيات التي في السوق هي من عهد «المجاهدين».

ويشير الكتاب الى ان وضع التعليم قبل طالبان كان يمر بظروف سيئة وصلت الى حد إشاعة العقائد الكفرية والإلحادية، وقد كان هناك نوعان من المدارس ـ ليلية ونهارية ـ الليلية تدرس فيها العلوم الدينية، وهذه المدارس كانت عبارة عن حجرات عمرت في القرى بمعاونة الأهالي، أما المدارس النهارية فكانت عصرية، ولم تكن شهادات المدارس الدينية تقبل ولا يعترف بها من جانب الحكومة «الشيوعية»، وأيضاً كانت المدارس العصرية محرومة من العلوم الدينية والشرعية، أما الآن فيوجد منهج واحد من الصف الأول للسادس لهذين النوعين من المدارس، بحيث تدرس العلوم الدينية والعصرية معاً، ثم بعد ذلك يحدث فصل في المناهج، بحيث تدرس العلوم العصرية من الصف السادس حتى الثاني عشر، والعلوم الدينية من السادس وحتى السادس عشر، على أن تكون هناك بعض العلوم العصرية القليلة في المدارس الدينية، ويوجد في أفغانستان حالياً 24 مدرسة كبيرة وحوالي 1500 مدرسة صغيرة، أما المدارس العصرية فعددها 500 مدرسة كبيرة و4 آلاف مدرسة صغيرة، والمدارس العصرية كلها تقريباً انشئت قبل ظهور طالبان.

وحول تعليم المرأة، فهناك محاولة لإعادة تجديد تعليم النساء، فالمعلمات يجلسن في بيوتهن ويتقاضين رواتبهن، وينتظرن فتوى من العلماء في كيفية وطرق تعليم النساء والعلوم التي يتعلمنها، والأماكن التي يتعلمن فيها والسن المناسبة للتعليم! وعن الفرق بين النظم القضائية في عهود الشيوعيين والمجاهدين وطالبان، يشير الكتاب الى ان القوانين الوضعية سادت في عهد الشيوعيين، وفي عهد رباني كان هناك خليط من القوانين وأحكام الشريعة، أما في عهد طالبان فالأولوية لأحكام الشريعة على المذهب الحنفي وهي الأكثر تطبيقاً من القوانين الوضعية، كما ان هناك وزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» مهمتها دعوة الناس للامتثال لأحكام الشريعة الاسلامية في كل المناطق التي تسيطر عليها طالبان.

وحول صلة الحركة بباكستان فيراها الكاتب وطيدة ليس فقط باعتبارها أول دولة تعترف بحكومة الحركة بعد دخولها كابول عام 1996، ولكن من خلال الاعتماد الكبير الذي توليه طالبان على الحكومة الباكستانية، وتشير الحقائق التاريخية الى ان باكستان تريد دائماً حكومة صديقة في كابول تؤمن عمقاً استراتيجياً أفغانياً لهذه الجارة، وقد انتصرت طالبان في معاركها على خصومها، وتنفي باكستان المساعدة في نشأة طالبان «كغول» أفغاني اكتسح الساحة، ولكن الكثير من المعلومات تشير الى أن أحد العوامل الرئيسية وراء ظهور طالبان بتلك القوة الخارقة هو الدعم الباكستاني العسكري والسياسي وربما المالي. كما أن باكستان لعبت دوراً في منع نشوب حرب بين طالبان وإيران بعد مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار الشريف الشمالية الأفغانية في اغسطس (آب) عام 1998.

ويختتم الكاتب بالتطرق لملف صلة الحركة باسامة بن لادن مشيراً الى انه منذ يوم 13 ديسمبر (كانون الأول) 1998 والغموض يلف هذه الصلة، حيث عادت طالبان وأكدت أنه لايزال في أفغانستان، ولايزال بعض رجاله يقاتلون مع طالبان، ومسألة اختفائه كانت مجرد محاولة من الحركة للخلاص من عبء ثقيل، فالأميركان كانوا يعرفون أنه لايزال في أفغانستان وأن علاقته بطالبان لم تنقطع وأن مسألة اختفائه «مسلسل محلي» يفتقر الى أبسط درجات التماسك الدرامي لأن الرجل ليس إبرة تاهت في كومة قش، وفي كل الأحوال فالطريقة التي أخرج بها هذا المسلسل تشير الى قدرات طالبان المحدودة في الدراما السياسية حسب رأي الاميركان.

اسم الكتاب: «طالبان بين العمائم والمدافع والأفيون» المؤلف: عبدالحليم غزالي الناشر: دار الخيال بالقاهرة عام 2000