السلطات العربية لا تحب المثقف المستقل

هل يبقى المبدع العربي عالقا بين ثقافة السلطة وسلطة الثقافة او ما بينهما؟ (3)

TT

مثقفون عرب يواصلون اجاباتهم على اسئلة «الشرق الأوسط» حول ثقافة السلطة ام سلطة الثقافة في هذه الحلقة مواصلة لملف الشرق الاوسط عن استقلالية المثقف، واشكالية علاقته مع السلطة، وما يتفرع عنهما من قضايا تتعلق بطبيعة دوره الثقافي وعمله المهني وما ينشأ عنهما من تناقض في ظل انظمة اجتماعية تفرض احيانا ضرورة الخيار بينهما.

* جلال امين*

* ان استقلالية المثقف اشكالية كبيرة، وليس من السهل تناولها خاصة مع الوضع الراهن المتأزم للثقافة العربية، كما ان استقلالية المثقف العربي وفي ظل الانظمة العربية الحاكمة ليس ممكنا دائما، في كل الظروف وفي كل البلدان، لان هذا يتوقف على موقف السلطة من المثقف ومدى اهتمامها به أو تجاهلها له، ومدى ادراكها قيمة صوته وتأثيره من عدمه، وليس كل سلطة تأخذ نفس الموقف، فهناك سلطات لا تهتم بالثقافة اصلا وتراها عملا هامشيا، وهناك سلطات ترى ان الثقافة تؤثر في الناس لذا تضعها في اولى اهتماماتها وبالتالي تحاول استقطاب المثقف، واحيانا عندما تكون السلطة والمؤسسات الثقافية بها، ليست هوجاء فهي تسمح للمثقف بأن يمارس استقلاليته، وان يعمل فيها في نفس الوقت.

وعندما يمارس المثقف هذا الاستقلال فان السلطة عادة تعاقبه بأن تمنع معه أي تعاون، وبالتالي ينعزل المثقف عن المجتمع، ويخرس صوته، لان الاستقلال لا يعجب السلطة التي تحب ان تكون كل الاصوات تحت سيطرتها وخارجة عن طريقها، وفي هذه الاحوال يكون افضل التوقعات ان تسكت السلطات فقط عند هذا الحد والا تسارع بحبس هذا المستقل.

* مباحث مصري

* يوسف الشاروني*

* ليس هناك استقلال للمثقف ايا كان لان المثقف جزء منظومة العالم، ومعنى استقلاليته انه سينفصل عن احتياجاته التي ستعينه على الحياة، ولانه متأثر بعوامل زمنية ومكانية ومناخية وبيئية، لذا يمكن القول ان كلمة استقلالية كلمة غامضة وليس لها مدلول في هذا السياق، سواء كانت هذه الاستقلالية للمثقف أو لغير المثقف في القرن الـ 21 خاصة وانه يعتمد على اشياء خارجية كثيره تمنع استقلاليته.

ولو فرضنا ان المثقف ينتمي الى حزب من الاحزاب المعارضة فهو هنا لن يكون مستقلا ايضا، ولو كان خاضعا لمذهب ديني من المذاهب، والانسان ينتمي بطبيعته لاشياء معينة، ولا يوجد انسان مستقل، وغير خاضع لحدود، لا بد ان يكون خاضعا لعدة شروط في المجتمع حتى يستطيع ان يعيش، الاستقلالية بالمعنى المطلق مستحيلة أما بالمعنى النسبي فهي ممكنة اذا التف حول القيود، والاديب الذي يكتب رواية من الممكن ان يكون مستقلا في حدود لانه لو كتب وخرج عن الحدود التي اتاحها له المجتمع فلن يكون ذلك مسموحا له وسيصادر.

ان الكاتب مستقل عن السلطة بشروط، لكن لا توجد استقلالية مطلقة، بل تتسع وتضيق حسب الديمقراطية الموجودة في البلد، والكاتب يستطيع أن يستغل المسافة المتاحة ويكتب فيها، والكتاب الروس قبل الثورة الشيوعية مثل جوركي وتشيكوف وديستوفيسكي كتبوا افضل من الكتاب الذين كتبوا اثناء النظام الشيوعي رغم قيود المصادرة، وكانوا ثائرين على هذا النظام.

لا يوجد الآن ما يحمي المثقف سوى شهرته، فاذا كان مشهورا واخطأ فسوف تخاف السلطة من الاقتراب منه، وعلى سبيل المثال عندما ارادوا في فرنسا القبض على جان بول سارتر رفض ديجول وقال مقولته الشهيرة «ان فرنسا هي سارتر»، فلو كان الاديب مشهورا فستحميه هذه الشهرة لان القبض عليه سيكون مسألة معيبة في حق الحكومة والسلطة وليس في صالحها ان تضيق عليه، لكن الاديب العادي من السهل جدا القبض عليه والزج به الى خلف السجون ومحاكمته لانه لا يوجد من يدافع عن هذا المثقف.

*روائي مصري

* أحمد شراك:* - ضرورة المثقف المشاكس

* اسهاما منه في هذا الملف يقول الكاتب المغربي أحمد شراك، الذي يعد كتابا في نفس الموضوع بعنوان «المثقف والمؤسسة بين التنافس والتشاكس»، عن مسألة استقلالية أو عدم استقلالية المثقف «في الواقع يصعب الحديث عن استقلالية المثقف العربي في الوطن العربي واستقلاليته من المساهمة في الشأن العام، هاته المساهمة التي تنعكس على مستوى خطابه وابداعه. إلا أنه تجدر الاشارة، أن هذه العلاقة لا ينبغي النظر اليها على اعتبار المثقف قادراً على تغيير الواقع أو اصلاحه، لأن وظيفته في تغيير الفكر تجاه هذا الواقع باعتباره كائنا رمزيا له وظائف محددة. من جهة أخرى فإن عدم استقلالية المثقف لا تعني بأنني أدعو الى مثقف عضوي أو مثقف رسولي أو مثقف دعوي، بل الى مثقف مشاكس، وأقصد بهذا المصطلح أن المثقف يمارس دور النقد والميتا ـ نقد تجاه الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يحيى في إطارها والتي تشغل بال أمته، لأن في هذه الوظيفة تكمن استمراريته في الحضور ومواكبة أحوال أمته. ولعل هذا الفرق واضح بينه وبين المثقف العضوي أو الرسولي الذي قد تنتهي مهمته في مرحلة ما، كما كان الشأن بالنسبة للمثقف في العهد الناصري أو في أي مرحلة تاريخية، خاصة وأن عصر الحداثة، أفصد الحداثة السياسية، يرتكز على سلطة صناديق الاقتراع وعلى التناوب في تدبير الشأن العام. ومن هنا فالمثقف الرسولي الذي يكون ناطقا باسم حزب ما أو قبيلة ما، فإنه عندما تصعد هذه القبيلة أو الحزب الى السلطة يفقد بريقه. أما إذا كان هذا المثقف مشاكسا فإن وظيفته النقدية تستمر بغض النظر عن تقلبات الأحوال السياسية وبغض النظر عن ايقاع التناوب السياسي والانتخابي. ولذا فالمثقف العربي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بممارسة وظيفته النقدية، حتى يساهم في تقدم مجتمعه، وحتى يكون ناقدا للنخب السياسية، سواء التي في الدولة أو التي تكون في الأحزمة السياسية كالأحزاب السياسية مثلا. ولعل هذا الأمر يكرس عدم استقلالية المثقف، وإن كان مستقلا على مستوى الحزام السياسي، هذا بغض النظر عن انتماء المثقف السياسي كمواطن. ولهذا فإن الفرق واضح بين المثقف كمواطن وشخص وبين المثقف كوظيفة وشخصية».

وعن مسألة تواجد مؤسسات مستقلة قادرة على استيعاب المثقف العربي وحمايته من الاستيلاب والاستقطاب يقول أحمد شراك «أعتقد أن هذه المؤسسات نادرة الوجود، فكل اتحادات الكتاب ورابطات الكتاب في العالم العربي لها ارتباط مباشر بالدولة أو بمن يمثلها، ماعدا اتحاد كتاب المغرب الذي له استقلالية عن جهاز الدولة، من دون أن نزعم أن له استقلالية على الصعيد السياسي، فهو يمارس نشاطه انطلاقا من قناعات سياسية مستقلة ومخندقة في اطار التقدم والحداثة الديمقراطية».

وهو يرى أن دور المثقف هو أن « يمارس وظيفته النقدية، لأنها هي الوحيدة التي ستحصنه من الارتماء في أحضان الارتزاق بمختلف معانيه: الارتزاق السياسي والمادي والى غير ذلك. وفي هذا الصدد أشير الى أن المثقف قد يمارس الكتابة، وهذه الكتابة قد تدر عليه أموالا وتدر عليه مردودية اقتصادية معينة وهو في هذه الحالة يعبر عن كينونته. أما إذا كان المثقف يكتب من أجل التملق ومن أجل استعطاف الأنظمة مقابل لقمة العيش أو مقابل رصيد مالي، فأعتقد أنه قد فقد وظيفته وبالتالي يمكن نعته بالمثقف المرتزق الذي يبيع المواقف ويتاجر في كرامة هذه الأمة، خاصة أن مهمة المثقف مهمة استراتيجية وخطيرة. والى جانب هذا النوع من المثقفين بدأ يظهر في العالم العربي ما يمكن تسميته بـ«المثقف الكولونيالي»، وهو المثقف الذي أتى على ظهر الدبابة الأميركية من أجل اغتصاب السلطة والانتفاع السياسي، وهذا أمر مخجل لم يكن موجودا حتى في القرن 19. أما اليوم وفي اطار ما يسمى يالنظام العالمي الجديد، أصبحنا نلحظ هذه الظاهرة، وأصبح المثقف لا يخجل من نفسه، بدعوى أنه يحمل مشروعا سياسيا مغايرا، وهذا أمر له فيه الحق، لكن بشرط ألا يكون بوقا للأجنبي ومدعوما من طرف هذا الأجنبي جملة وتفصيلا، وهو مثقف ليس مرتزقا فقط، بل ما فوق المرتزق. ولذا ينبغي التنبيه الى هذه الظاهرة الثقافية التي يشهدها العالم العربي خاصة بعد غزو العراق».

* كاتب مغربي