خمسون عاما على رحيل شاعر الأطلال والحب الشقي

TT

بمناسبة مرور خمسين عاما على رحيل الشاعر ابراهيم ناجي اقام المجلس الاعلى للثقافة حديثا احتفالية كبيرة شارك فيها اكثر من 20 ناقدا وشاعرا مصريا تحدثوا خلال جلسات وندوات عن عناصر التجربة الشعرية عند ناجي والبناء الشعري في قصائده وتأثره بالآداب الغربية، خاصة شعراء الرومانسية الكبار هناك وعلاقة القصيدة عنده بالموسيقى. وقد تناول الناقد الدكتور فتح الله سليمان الخصائص الفكرية والفنية للحركة الرومانسية التي كان ابراهيم ناجي من ابرز عناصرها في مصر وركز على قصائده التي أبدعها في الفترة من 1934 حتى وفاته في 1953. واشار الدكتور فتح الله خلال دراسته لقصائد ناجي الى انه ذو نزعة ذاتية في كتابة الشعر، وان قصائده اكتست بمسحة من الغربة والتعبير عن محنة الفرد، وتجلت فيها صورة مثالية للحبيب، نابعة من نظرة حالمة، كما تحدث عن قصائد ناجي الوطنية. وركز على العناصر الشعرية لدى ناجي، متمثلة في بنية الجملة الشعرية عنده ودور المجاز في التعبير عن عواطفه وخلجات نفسه.

وتحدثت الدكتورة كاميليا صبحي عن دور ابراهيم ناجي في ترجمة شعر بودلير، إذ قام بإعادة انتاج نص بودلير مترجما، وقدم دراسة سيكولوجية لشخصية بودلير انطلاقا من شعره وبعض رسائله التي كتبها. وكان هدف ناجي من ذلك توضيح الدوافع النفسية وراء كتابة بودلير وشعره الذي احدث دويا هائلا عند ظهوره. وذكرت المحاضرة أن ناجي ترجم مختارات من «أزهار الشر» تضمنت خمسين قصيدة من الديوان الأصلي الذي يحتوي على 120 قصيدة، وقد استفاد ابراهيم ناجي من كونه شاعرا في ترجمة بودلير، فنقل المعاني الشعرية نقلا شعريا لا يخل بالمعنى ولا ينتقص من خيال شاعر من نوعية بودلير.

وقدم الدكتور طه وادي قراءة في شعر ديوان ناجي «الطائر الجريح» بأجزائه الاربعة، مركزا على موسيقى القصيدة عنده باعتبارها أهم مبدأ جمالي في تشكيله الفني، وذكر وادي أن ابراهيم ناجي وأقرانه من شعراء الرومانسية ربطوا الشعر بالغناء والموسيقى، وهو ما يعني انهم ربطوا المعنى بالايقاع. وأوضح أن معظم قصائد ابراهيم ناجي جاءت على وزن بحر الكامل 70 قصيدة والرمل، 34 قصيدة، بينما جاءت قصيدتان من وزن السريع. وقد كان نصيب كل من المنسرح والمتدارك قصيدة، وبحر البسيط،21 قصيدة، والرجز مثلها، أما الوافر فكان من نصيبه 17 قصيدة، وكانت بحور الطويل متضمنة 11 قصيدة والمتقارب 9 قصائد والمجتث خمس قصائد.

واستخلص وادي من دراسته للأوزان الشعرية في قصائد ناجي انه كان يميل مثل غيره من شعراء الرومانسية الى توظيف الصافية منها ذات التفعيلة الواحدة، واستفاد من الموشحات لتحقيق وحدة عضوية فنية للقصيدة اكثر كمالا وأشد انسجاما، مما أثرى الجانب الموسيقي في بنية القصيدة لديه. وقد جاءت الفاظ القصيدة عنده قريبة من لغة الحياة التي كان يعيشها، مما جعلها وثيقة الصلة بتجربته الشعرية والعاطفية التي عبر بها عن ذاته وأوجاع قلبه واحزانه في الحب والحياة.

وذكر الشاعر الدكتور كمال نشأت ان عناصر التجربة الوجدانية في شعر ابراهيم ناجي كان إطارها الطبيعة التي احبها. وقد احصى نشأت في قصائده صورا كررها بذاتها ورأى انها تدلل على حساسية رومانسية، من مظاهرها ان أوهامه في تجربة الحب اكبر من واقعيته، وأنه أرجع اخفاقه في الحب الى القدر الذي يقف له بالمرصاد، كما انه كثيراً ما يكرر مفردات مثل القدر والري والظمأ والدموع والألم لتكون عناصر رئيسية اتكأ في تجربته الشعرية عليها.

وقال نشأت إن الاسس الفنية التي يقوم عليها شعر ناجي تتركز في ملاءمة الوزن للتجربة الشعرية، وان صوره الشعرية قامت اساسا على تجميده لما أصاب روحه من عذاب وفراق وضنى، في قصائد اعتمدت على وضوح الرؤية والانسيابية، بالاضافة الى وجود وحدة نفسية في شعره تخلو من التضاد والتناقض. وانصب حديث الناقد الدكتور ماهر شفيق فريد على علاقة ناجي بالآداب الغربية وتأثر رؤيته الشعرية بها، وخاصة بشعراء أمثال شيللي وبودلير وكيتس. وركز على ما نقله ناجي من آثار انجليزية تمثلت في قصائد لشيللي وتوماس مور، وقصائد مترجمة لم ينشرها تضم بعض سوناتات شكسبير، كما نقل قصائد لتوماس هاردي، وترجم آثارا شعرية اخرى عن اللغات الفرنسية والالمانية والايطالية والروسية تمثلت في أشعار لغوته وهايني ورواية لدوستويفسكي. وقال فريد ان مساهمات ناجي الابداعية لم تتوقف عند حدود ترجمة الشعر والرواية والمسرح الغربي فقط، لكنه كتب عدة مقالات للتعريف برموز ذلك الأدب ظهرت في مجلة «ابولو» وفي كتاببيه «رسالة الحياة» و«قراءات أحببتها» بالاضافة الى مقدماته لكتب عدد من معاصريه من الادباء.