كتاب فرنسيون وعرب يتحدثون عن «تمائم» عزلة هيمت محمد علي

TT

تفتقر المكتبة العربية، وبشكل كبير الى الكتب التي تبحث في الفنون البصرية الحديثة، وان وجدت مثل هذه الكتب، فباخراج وطباعة سيئة تشوه الصورة الحقيقية للاعمال الفنية المنشورة في الكتاب.

الفنان الكردي الشاب هيمت محمد علي (كركوك ـ العراق 1960) حقق كتابا عن تجربته الفنية على قدر كبير من الحرفية والاتقان. وصدر كتاب هيمت اخيرا في باريس، حيث يقيم الفنان، ويتفرغ لعمله الفني.

ويتضمن الكتاب، وهو من القطع الكبير عددا من المقالات لكتاب عراقيين شاكر حسن آل سعيد و فاروق يوسف ، وعرب ادونيس ، وفرنسيين برنارد نويل و ميشيل بوتور ، بالاضافة الى سيرة شخصية للفنان، وعدد كبير من الصور الفوتوغرافية التي تؤرخ حياة الفنان في طفولته، وفي مراحل لاحقة في كركوك، وبغداد، وباريس، وطوكيو.

هذا بالاضافة الى لوحاته الملونة التي غطت صفحات كاملة من الكتاب، وفرشت صفحات كثيرة اخرى، سواء مع سيرته الفنية التي رواها بلغة رائعة الناقد الشاعر فاروق يوسف او بشكل مستقل، خاصة مجموعات دفاتره الشعرية ذات النسخة الواحدة التي وضع رسومها لقصائد عدد من الشعراء العرب والفرنسيين (ادونيس، اندريه فلتير، كوتارو جنازومي، بيرنارد نويل).

يعكس الكتاب فعالية الفنان هيمت ونشاطه الدؤوب لتأسيس تجربته والانفتاح على الثقافات العالمية شرقا وغربا. وفي الكتاب قصيدة لأدونيس الذي يخوض مع هيمت تجربة ابداعية بعنوان «البرزخ» وهي عبارة عن رسم وشعر، ومن المؤمل ان يعرض قريبا في باريس، بعد ان تجول في عدد من دول الخليج العربية، وبيروت.

حملت قصيدة ادونيس اسم «رسالة ـ غيمة» كتبها الشاعر على شكل قراءة للوحات الفنان وتجربته، ويقول في مقطعها الاول:

«هيمت

مرة، فيما كنت اتأمل احد اعمالك

شعرت كأنني اتشرد محمولا على غيم آخر ـ

غيم اغواد

لا غيم اعال».

ويكمل في مقطع آخر:

«وامس، عندما رأيت «رغبة مطلقة»

عملك الاخير المشترك

مع «اندريه فلتير»

رأيت للفجر ثديين،

وقلت: ذلك تأويل طيب لايامنا

ولا اعرف

لماذا شعرت كأنني انحني

على غيومه ـ اوشوشها:

تعقلي في تأويلك

هيمني على جنونك الكريم

الذي يعلمك الا ترى في صحرائنا

غير البحر

وربما لهذا كله،

لا يفرح الغيم الا باكيا،

ولا تأخذ الغيمة معناها الا راحلة».

لم يدرس هيمت الفن اكاديميا، وكان شاكر حسن آل سعيد اتخذ بالنسبة له صفة الاستاذ الروحي الذي انتبه الى خطوات هيمت الابداعية الاولى في بغداد خلال الثمانينات من القرن الماضي، وكتب عنه بحماس.

«كان وقتئذ يرسم بعفوية مثلما يتحدث، او يعبر عن نفسه، كاد يبدو «نقيا»، سواء برسومه نصف التشخيصية، او ببراءته وشجاعته من اجل ان يمثل ذاته كانسان، فحسب، واحببت فيه ذلك كله».

«تمائم العزلة» عنوان القسم العربي من الكتاب، قراءة مفصلة لتجربة هيمت التصويرية كتبها فاروق يوسف الذي رافق كشاكر حسن التجارب الاولى للفنان، لكن وبعكس شاكر حسن الذي اعتكف واعتزل الفن منذ سنين يواصل يوسف مشاهداته لمنجز هيمت ويزوره في باريس ليطلع على تجاربه الاخيرة لتكتمل رؤيته لمنجز الفنان، ويكتب:

«يبدأ الرسم لدى هيمت محمد علي من لحظة الهام بصري، ليفارقها، ولا ينتهي اليها، ذلك لأن هذا الرسام لا يلتفت الى الوراء، لانه يدرك ان ما علق بروحه من الطبيعة يكفي يده غذاء تلتهمه في الاوقات العصية، ففي رحلته الاولى التي اوصلته الى اليابان شعر وكأنه يعيش حلما مستعادا، ذلك لان مرجل الطبيعة اعاده الى رسومه، وكأنه كان يحلم بهذه الطبيعة قبل ان يلتقيها».

وعن اسلوبه في الرسم يكتب يوسف «اسلوبه في العمل يكشف عن طريقته في النظر الى مصادره البصرية، ذلك لأن هذا الاسلوب يهدف الى تفكيك المشهد وتجزئته، ومن ثم اعادة بنائه وفق مشهدية متخيلة، مخملية البناء لا تبدأ من لحظة بياض، بل من ركام من الصدمات البصرية».

وعن حياته في باريس، يقول يوسف «في بيته الباريسي الصغير، محترفه الضيق يقطع هيمت صلته بالعالم الخارجي، وهو على اية حال لا يغادر بيته الا قليلا، للتسوق او لرؤية صديق نادر، او لشراء مواد وادوات الرسم. هناك حيث يقيم عالمه الذي يستأنف سعته مع كل نظرة. عزلته هذه هي المكان الامثل الذي يساعده على استدراج كل الجنات المفقودة: الوطن، الطفولة، الاصدقاء، الطمأنينة، المسرات، العائلة. هذا الغريب وجد في الرسم القوة التي تملي عليه معنى افتراضيا لكل فتنة عصية على الحضور المباشر».

احتوى القسم الفرنسي من الكتاب على نصين: نص يعرف بتجربة الفنان للشاعر بيرنارد نويل بعنوان «احتراما لهيمت» وقصيدة مهداة لهيمت لميشيل بوتور بعنوان «زقورة الجمرات».