كتّاب وفنانون يبحثون عن الحقائق الضائعة

حسونة المصباحي

TT

يواصل الكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز، او «جابو» كما يسميه اصدقاؤه، منذ فترة كتابة سيرته الذاتية، التي ستكون في ثلاثة أجزاء. وهو يقول عن ذلك: «لقد انتهيت منذ وقت قصير من كتابة الجزء الأول، الذي يحتوي على 1200 صفحة. وهو يبدأ بحياة جديّ من الأم وقصة الحب التي عاشها والدي بداية القرن العشرين، وينتهي عام 1955، أي في العام نفسه الذي صدرت فيه روايتي الأولى، ثم انطلقت إلى أوروبا لكي أعمل مراسلاً لإحدى الصحف الكولومبية. أما الجزء الثاني، فسوف أخصصه للفترة الفاصلة بين عام 1955، والعام الذي صدرت فيه روايتي «مائة سنة من العزلة». وسوف يكون الجزء الثالث، مختلفا، إذ أني سأجمع فيه ذكرياتي المتصلة بعلاقتي الشخصية مع ستة أو سبعة رؤساء دول». وعن النص الذي نسب إليه والذي روّج عبر الإنترنت، يقول ماركيز: «الشيء الوحيد الذي يشغلني هو الخزي الذي بإمكان القارئ أن يشعر به، حين يتصور أنني كتبت نصاً سيئاً كهذا النص. وقد قرأت أخيراً هذا النص والشيء الذي أدهشني كثيرا، هو أن القرّاء اعتقدوا فعلا أنني كاتبه!. واعتقد أن هناك أحداً حصل على مبلغ مالي كبير لكي يقوم بترويجه. وبالإضافة إلى ذلك، فهو نص مسروق، إذ ان كاتبه الحقيقي لم يقم بترويجه على الإنترنت. غير أنني مدين لهذا النص لأنه أعاد لي الأمان، ووفّر لي الوقت اللازم لعملي الأساسي، ألا وهو الكتابة، وهما شيئان فقدتهما بسبب شهرتي».

وعن الفحوص الطبية التي خضع لها خلال العام الماضي، قال ماركيز: «قبل أكثر من عام، خضعت على مدى ثلاثة أشهر تقريباً للعلاج، وكان خوفي الكبير هو ألا أكون قادراً على إنهاء الأجزاء الثلاثة المخصصة لسيرتي الذاتية، ولا المجموعتين القصصيتين اللتين كنت أخطط لكتابتهما. لذا كان عليّ أن أقلّل من العلاقات، ومن الأسفار واللقاءات لكي أتفرغ لعملي يومياً من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثانية ظهراً. كما أنني عدت إلى الصحافة ونشرت العديد من المقالات والتحقيقات. وأما بقية الأوقات، فقد خصصتها للاستماع إلى الموسيقى والقراءة».

معركة جون لوكريه الجديدة شنّ الكاتب البريطاني جون لوكريه، هجوماً عنيفاً على الحكومات الغربية، وفي مقال حاد اللهجة، نشرته «ديلي تلجراف»، كتب يقول: «أشياء كثيرة تغيّرت منذ الحرب الباردة، لكن ليس بالصفة التي نبتغيها ونتمناها. فلقد كانت الحرب الباردة تمنح الحكومات الغربية العذر الكامل لكي تقوم بنهب واستغلال العالم الثالث باسم الحرية، ولكي تزور عمليات الانتخاب التي تتم في بلدانه، وتفسد حكامه، وتفرض طغاة في السلطة. وبوسائل التدخل الأشد خبثاً، تحاول أن تصنع أنظمة ديمقراطية فيه، وذلك باسم حماية الديمقراطية!. وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الحكومات تقوم بمثل هذه الأعمال الشنيعة، سواء في جنوب شرقي آسيا أو في أميركا اللاتينية أو في أفريقيا، راحت فكرة عبثية تبرز شيئاً فشيئاً، واليوم أصبحت هذه الفكرة جد محببة للمحافظين. كما أنها جعلت كلا من توني بلير ومارجريت تاتشر ورونالد ريجان وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش وآل غور، اخوة توائم. هذه الفكرة هي الاقتناع بأنه مهما كان نوع الأعمال التي تقوم بها المؤسسات الصغيرة، فإن هناك مصلحة عليا تحركها، لذا فإن تأثيرها على العالم جد مفيد.

ويواصل جون لوكريه مقاله قائلا: «حتى الآن، وبسبب هذه النظرة المجنونة، نقف بلا قوة أمام تدمير الغابات الاستوائية، والتفقير المنهجي للفلاحين الصغار الذين نحرمهم من أدنى أدوات المعيشة، وأيضا من جذورهم الثقافية وحتى من منازلهم، وإعدام المعارضين أو سحلهم في الساحات العامة، وإلى غزو أجمل المناطق في العالم لإفراغ الفضلات فيها، وإلى تحول المدن إلى غابات بشعة من الاسمنت يموت فيها الناس بالآلاف جرّاء الأمراض الخطيرة المنجرة عن التلوث وعن أشياء أخرى لا تحصى ولا تعد».

ويرى جون لوكريه، ان مصانع الأدوية هي أحد أهم رموز الرأسمالية الجديدة، التي تدوس على القيم والأخلاق، لكي تحقق الأرباح المادية. ولم يتردد الكاتب البريطاني الكبير في نعت أصحاب هذه المصانع بـ «القتلة» و«المجرمين».

رسام الضحك تقول الأسطورة «إن الكاهن كيوجن كان يطمح إلى بلوغ الاشراق الروحي، لذا كان يتنقل بين الكهنة الكبار ذوي الخبرة طالبا منهم مساعدته على بلوغ مثل هذا الهدف. غير أن الأيام كانت تمر من دون أن يحصل على مبتغاه، الشيء الذي أغرقه في الحزن واليأس. ويوم ذهب إلى مشتلة من الخيزران ليرمي منها ببعض الأوساخ سمع صوت ارتطام حصاة بخيزران. وفي هذه اللحظة بالذات، احس كما لو أن العالم على وشك ابتلاعه، كما أحس أن الظلمات المتراكمة في أعماقه أخذت تنجلي. وإذا به ينفجر ضاحكاً، وظل يضحك ويضحك إلى أن بلغ الاشراق الروحي الذي ظلّ يبتغيه على مدى سنوات طويلة».

يعود الرسام الاندونيسي الكبير هيري دونو، إلى هذه الأسطورة دائما، لأنها الطبع الأساسي لفنه. فالضحك عنده هو باب الاشراق الروحي، وهو ايضا الوسيلة الوحيدة التي تساعدنا على مقاومة كآبة العالم، وعلى تحدي القواعد الصارمة، والأخلاق الزائفة.

ولد هيري دونو في العاصمة الاندونيسية جاكارتا عام 1960، ويعيش الآن في جوججارتكا عاصمة الحضارة الاندونيسية القديمة، الواقعة في قلب جزيرة جافا. وهو يقول: «وحده الذي هو قادر على الضحك وعلى السخرية من نفسه، يمكن أن يعرف جوهر ذاته. بمعنى آخر، السخرية من أنفسنا هي الطريقة الوحيدة التي تبعدنا عن المثالية الزائفة، عندئذ لا نحلم بذاتنا. من هنا فإن الضحك ينتسب إلى الواقعية. لذا، أنا اعتقد أنني رسّام واقعي». في لوحات دونو، يبدو الإنسان شبيها بالحيوان، أحيانا يكون للإنسان رأس حيوان، وأحيانا يكون نصفه حيوانا ونصفه إنسانا. مثل هذه الكائنات تبدو مخيفة لكنها تضحك دائماً. وبالنسبة لدونو، الحقيقة متعددة الوجوه دائما، وهو يقول: «أحب أن أبحث عن الخطأ أو الحقيقة الخاطئة، ذلك أنهما يمكن أن يكونا الحقيقة التي نبحث عنها».

سنوات سولاج الضوئية ينتمي الرسام الفرنسي بيار سولاج، البالغ من العمر 81 سنة، إلى الجنوب، لذا فإن لوحاته مسكونة بالضوء والبحر. ويقوم متحف مدينة تولوز الجديد، بعرض أعماله منذ عام 1947 حتى هذه الساعة، متيحا بذلك لمحبيه الوقوف على مسيرته الفنية الطويلة. وفي مدينة روديز حيث ولد، يتذكر سولاج انه يحرص وهو عائد من المدرسة على الوقوف أمام محلات النجارين والحدادين للتفرج عليهم وهم يعملون. وهو يقول إنه تعلم من هؤلاء ما يفوق ما تعلمه من معهد الفنون الجميلة. وبعد الحرب الكونية الثانية، غادر إلى باريس، غير أنه كان يؤثر العودة دائما إلى الجنوب ليعيش بين الحرفيين البسطاء وصيادي الأسماك وعمال البناء.

وهو يقول: «اعتقد ان الفنان الحقيقي يمكنه ان يستفيد من الأشياء العادية والبسيطة. وشخصياً، تعلمت وما زلت أتعلم من محيط آخر غير محيط الفن، ومن أناس آخرين يمارسون مهناً وحرفاً قد تبدو للناس بعيدة عن الفن، غير أني اضعها في قلب الفن الحقيقي، إن النجار الذي يصنع بابا جميلا، هو فنان أيضا، أليس كذلك؟».

رسام من الصين في باريس تقع ايتيليه الرسام الصيني زاووكي في شارع صغير في الدائرة الرابعة عشرة في العاصمة الفرنسية باريس، ولأنها بلا نوافذ، فإن الضوء لا يأتيها إلا من سقفها البلوري. وعلى الجدران لوحات أنجزها في مراحل مختلفة من حياته الفنية. وهو يقول: «إنني لا استطيع أن أعمل من دون الموسيقى الكلاسيكية، على أنغامها أجد طريقي نحو الضوء، نحو الفن في جوهره الأصيل. لذا بإمكاني أن أقول إن الموسيقى تسكنني، وأكيد أنها تسكن كل لوحاتي ايضا». وقد جاء زاووكي إلى فرنسا عام 1948، وهو ينتسب إلى عائلة من النبلاء. ومبكرا عشق الرسم، واستهوته أعمال الانطباعيين بصفة خاصة، خصوصاً رينوار وسيزان وماتيس.وعنهم يقول: «من خلال هؤلاء الرسامين، اكتشفت الحرية». وفي عام 1985، دعته الحكومة الصينية للتدريس في معهد الفنون الجميلة في هانجسهو لمدة شهر، فأسعده ذلك كثيرا، إذ أنه أتاح له فرصة اكتشاف بلاده من جديد.

اليسار واليمين ولد جوزيف روت عام 1894، وهو ينتمي إلى عائلة يهودية كانت مستقرة في جاليسيا على أطراف روسيا. وكان طفلا لما انتقلت عائلته إلى فيينا، التي أكمل فيها دراسته. وعند اندلاع الحرب الكونية الأولى، جنّد وأرسل إلى الجبهة الروسية. بعدها عمل مراسلاً صحافياً، الشيء الذي سوف يسمح له بالتنقل عبر أوروبا التي كانت تموج بأحداث مثيرة. ولأنه حاد الذكاء، ودقيق الملاحظة، فإنه استكشف خلال زيارته لروسيا السوفياتية عام 1926، زيف الخطاب الاشتراكي، وفظاعة البيروقراطية الشيوعية التي سوف تجر ويلات كبيرة على العباد والبلاد في ما بعد. وعند انهيار امبراطورية الهاسبورج، انتقل للعيش في برلين، لأن فيينا أصبحت بالنسبة له «قبراً للارستقراطية النمساوية العسكرية والمدنية». غير أن برلين لم ترق له كثيرا، إذ وجدها «باردة، حتى ان الإنسان يمكن أن يتجمّد ولو كانت درجة الحرارة 15 درجة». مسلحا بشعاره الشهير: «المهم هو أن نراقب كل شيء»، راح جوزيف روت يتنقل بين المقاهي، عاكفاً على كتابة مقالاته، التي كان يرسل بها للصحف النمساوية والألمانية. وقد كتب يوما يقول: «أنا لا أعرف العالم إلا عندما أكتب، حين أضع قلمي، أحسّ أنني لا شيء». وفي عام 1929، عندما غرقت أوروبا في الأزمة الاقتصادية الخطيرة، اصدر روايته الشهيرة «اليمين واليسار»، التي ضمنها صورة متشائمة للوضع السياسي، لا في ألمانيا فحسب، وإنما في كامل أنحاء أوروبا. فمن خلال مقاهي وسط برلين، ومشوهي الحرب، والشحاذين الذين تمتلئ بهم الشوارع، نحن نسمع نواقيس الحرب القادمة، ونلمس الكوارث التي سوف تضرب أوروبا بعد حين.

عند تسلم النازيين السلطة عام 1933، ترك جوزيف روت ألمانيا وليس معه غير حقيبة صغيرة، وظل يتنقل بين الفنادق إلى أن فاجأه الموت في باريس وكان ذلك عام 1939.