ندوة في ملتقى البحرين ـ أصيلة تبحث خصوصية الفن التشكيلي العربي المعاصر

TT

قارب المشاركون في ندوة «أي خصوصية للفن العربي المعاصر»، التي نظمت خلال اليومين الماضيين ضمن فعاليات ملتقى البحرين ـ أصيلة للثقافة والفنون، واقع الفن العربي من زاوية الخصوصية التي يمكن ان تحملها رؤى الفنانين العرب في سياق تفاعلها مع خصوصية الفن العالمي، خاصة في الغرب.

وقدمت الفنانة البحرينية بلقيس فخرو ملاحظات دونتها أثناء تجوالها في معارض وبينالات عالمية، تتعلق بوسائل العمل الفنية التي يتم طرحها هناك، وايضا الندوات الموازية لتلك المعارض والبينالات، التي تناقش قضايا مختلفة مثل العولمة والعنف والهوية وحقوق الانسان. وتناولت فخرو بالحديث التطور الذي طال طرق التعبير الفني وكيفية انتقال اللوحة التشكيلية قبل عقد من الزمان الى مرحلة ما بعد اللوحة، في سياق موجة بعد الحداثة، وبدء تشكل مفهوم جديد للوحة قائم على الثقافة البصرية التي تشمل اللوحة الفوتوغرافية، والفيلم السينمائي، وافلام الفيديو، وغيرها من الفنون الانشائية المختلفة.

ومن خلال هذه البانوراما السريعة، رأت فخرو أن خصوصية الفن العربي تتشكل وتتعمق، بقدر انخراط الفنانين العرب في الاتجاهات الفنية الجديدة، التي القت العولمة بظلالها عليها، ولم يعد ممكنا احتكارها في رقعة جغرافية محدودة.

وفي سياق ذلك، اشادت فخرو بتجربة الفنان البحريني أنس الشيخ التي رأت فيه مثالا لتلك الخصوصية نظراً لانفتاحه على مفاهيم الفن الحديثة، وتقديمه تجارب ناضحة في هذا المجال، مشيرة الى تجربة معرضه «مزيداً من العتمة.. مزيداً من النور»، الذي شارك فيه بعمل تركيب اسمه «تشويش».

وتحدث الفنان السوري طلال المعلا عن اشكالية الفن العالمي وقال انها تصدر عن مركزية غربية متعالية على الآخر، وتبخس ما عنده من تجارب، بيد انه انتقد انفلات الفنان العربي على ذاته، رابطا مسألة اسهامه في العالمية، بقدرته على التعرف على نفسه وذاته قبل أي شيء آخر.

وعدد المعلا اشكاليات الفن العربي، التي تعيق تحقيق اهدافه، مثل عدم قدرته على تجسير الهوة بينه وبين المجتمع الاهلي، كما في فنون التعبير الاخرى، وكذلك اقتصاره على استهلاك دون انتاج، التقنيات التكنولوجية التي دخلت في صناعة اللوحة على صعيد التشكيل في الغرب.

وتساءل المعلا قائلاً: «ماذا يفعل الفنان العربي اذا كان يستهلك هذه التقنيات ولا ينتجها؟». بيد انه أشاد بالانجاز الابداعي للفنان العربي رغم الاشكاليات التي طرحها. وقال ان انجاز الفنان العربي خلال القرن الماضي كان مواكبا لما كان يجري في العالم على صعيد الفن، الا انه ابتلي بموقف المركزية الغربية منه، لكنه اشار الى ان هذا العائق أخد تأثيره يتضاءل ويتحجم، لا سيما مع انتقال التنظير من أوروبا لاميركا التي بدأت تسهم بقوة في مجال النقد والممارسة الفلسفية.

ومن جهته، تحدث الناقد البلجيكي جين يرد تيجام عن تجربة مواسم أصيلة التي شكلت بداية انفتاحه على الفن في العالم العربي والخروج على مركزية المشغل «الورش» الغربي الذي شغل جزءاً غير يسير من حياته.

واعتبر تيجام تجربته في أصيلة بأنها وراء معرفته بالفن التشكيلي الغربي والعربي بمجمل التفاصيل.

وأشار تيجام الى بعض الفروقات التي تميز الفن العربي عن الفن الغربي، خصوصا على الصعيد الانطولوجي وعلى صعيد نقد الحياة اليومية، التي قال انه رأى فيها اختلافا بينا وكبيراً على مستوى التجربتين.

وذكر تيجام ان رواداً في المغرب قدموا لوحات في الستينات يمكن من خلالها ملاحظة الفرق الكبير بين رواد الفن العصري في اوروبا واميركا والبلاد العربية، مشيراً الى انهم قدموا مساهمة كبيرة في رسم الجرافيك، الذي يعتبر احد مفاتيح هذه الخصوصية، اذ وجدت اعمال تضع الكأس في اشكال متعددة وبنوع مختلف من الموسيقى المتكررة كما وجدت علاقة رائعة بين الفن والشعر.

أما الجلسة الثانية للندوة فقد أجمع المشاركون فيها على ان الفن العربي اتخذ في الفترة الاخيرة خطوات اقتربت به من العالمية، بيد انهم اختلفوا في تفسير مفهوم الفن العربي، واللون الذي يجب ان يرتديه ليصبح عالميا. وفي سياق ذلك، قال الفنان البحريني أحمد باقر: ان هناك محاولات جادة لتقديم الاجابة على سؤال بخصوص الفن العربي وخصوصيته، مشيراً الى ان تلك المحاولات اتخذت جانبا نظريا وآخر عمليا واحيانا جمعت بين النظري والعملي، بيد أنها تظل محاولات قاصرة غير مكتملة. وعزا باقر ذلك الى ان الفنانين العرب ركبوا قطار الفنون التشكيلية بأفق وتصور أوروبي، وهو الأمر الذي جعل بعض الفنانين العرب يدعون الى الحفاظ على الهوية العربية مع مواكبة الفن العالمي لانتاج فن عربي معاصر وحديث.

وقال باقر «اننا نناقش في هذه الندوة موضوعاً لا نعرف حدوده، وان حاولنا الاجابة عليه فلا شك سنخلص الى نتائج عن الماهية والخصوصية وفقا لتجاربنا الشخصية»، مشيراً الى ان ما يزيد الامور تعقيداً هو ان السؤال عن الفن العربي وخصوصيته ارتبط بالسياسة، ومن ثم تعثر الفن حينما تعثرت السياسة.

ومن جهته، قدم الناقد المغربي فريد الزاهي ورقة قارب فيها قضية الخصوصية من خلال الأسئلة التي تتفتق عنها. وقال إن الحديث عن الفن العربي لا يمكن ان يكون الا بصيغة السؤال، وان أي متنطع للاجابة عن سؤال الفن العربي لا يمكن ان يجيب الا بأسئلة جديدة. واشار الزاهي الى ان المتتبع لسيرورة الفن العربي المعاصر من بداياته، يجد انه حاول ان يخلق لنفسه برزخا بين وجوده الذاتي كوريث لحضارة معينة (الذات)، وبين متطلبات المعارضة الفنية في العالم «الآخر». أوضح الزاهي ان هذا الصراع بين الذات والآخر لم تتم ترجمته في مدونات تاريخية يمكن الرجوع اليها. وانتقد الزاهي الخطاب الذي يتم انتاجه عن الفن العربي. وقال انه يحمل «استحالته الضرورية» نظراً لكونه خطابا يتحدث عن افراد لا عن ظواهر أو تيارات فنية.

وقال الزاهي ان الدليل على ذلك هو صعوبة ان يتحدث الناقد اليوم عن خصوصية للفن الاماراتي أو للفن البحريني.

ودعا الزاهي الفنان العربي الى اعادة طرح سؤال علاقته بالواقع بشكل متجدد، وايضا سؤال علاقته بالمتخيل الذي يحمله عن هذا الواقع، زيادة عن انخراطه الضروري في بيئته المحلية.

وقال الزاهي: «كلما كنا محليين جداً.. كنا عالميين جداً».

ومن جهته، عبر الناقد والفنان الفرنسي، جين لامبرت، عن قناعته بأن الفن العربي والفن المغربي بشكل خاص، يمتلكان من المقومات ما يجعلهما فنا عربيا ذا توجه عالمي. وعزا ذلك إلى النظرة الشبابية الجديدة للفن التي اعطت الفنان الشاب مساحة رحبة للمشاركة في المنتوج الفني العالمي وفق مواصفات عربية محلية.

وشدد لامبرت على ضرورة اعادة مفهوم الفن المعاصر، اذ ان هناك ظاهرة فنية عالمية تهم أميركا الشمالية وشمال افريقيا، هي ظاهرة تجاوز الفن. مشيراً الى ان الفنانين توقفوا عن انتاج منتوجات فنية متحولين الى اعمال فنية متحررة نوعا ما.

وقال «لقد اسست طريقة فنية جديدة شملت الفيديو والفن البصري، فلم يعد الفن حاليا عملا سياسيا أو دينيا صارما، بل أضحى ايضاً لعبا بالاشكال أو بالذاكرة، يمارسه الفنانون لأجل الولوج الى الحياة التي يرغب الفنانون الشباب في تغييرها، وذلك عن طريق افكار تمر من ذهن الفنان الى الجمهور».