شاعر في السياسة وسياسي في الشعر

تكريم مصري للشاعر كمال عبد الحليم

TT

دعت ندوة عقدها المجلس الأعلى للثقافة لتأبين الشاعر المصري الراحل كمال عبدالحليم الى طبع أعماله الكاملة وأعماله التي لم ينشرها منذ خمسين عاما.

قدم الندوة الشاعر حلمي سالم بقوله إن كمال عبدالحليم شاعر وقائد ورائد حركة التحرر الوطني الديمقراطي المصرية والعربية، وقائد حركة الشعر أيضا اذا نظرنا للحظة التاريخية التي أطلق فيها صيحاته وصرخاته، كما لعبدالحليم قائد حركة التحرر في الشعر، وهو شاعر في السياسة، وسياسي في الشعر، وربما كان واحدا من المثقفين المصريين القلائل الذين نجحوا في التوحيد بين النظر والعمل، بين الشعر والواقع، تلك المعادلة التي تضني الشعراء في كل العصور، وربما يختلف البعض على دوره السياسي وعلى شعره، ولكن أحدا لن يختلف على أن مصر فقدت منذ اسابيع قليلة نموذجا للمثقف العضوي.

وأشار الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الى أن القيمة العظيمة لا يمكن ان تتجاهل أو تنسى الى الأبد، وكمال عبدالحليم في حياته لم يذق هذه الطمأنينة ولعله كان يملأه شعور بالقهر وبالصبر وبالاحتمال، ولم يكن وجهه قادرا على أن يعبر عن يأس أو قهر، انما كان قادرا على أن يحتمل وأن يستشعر الحب وهو مقهور لأنه كان قد أعد نفسه لأن يكون شاعرا للمصريين يحيطه المصريون بحب ويستمعون اليه وهو ينشد ويغير لغة الشعر، وهو يدعو الشعراء الى أن يخفظوا أجنحتهم ليقعوا على الأرض ويصبحوا من أهلها كما قال في قصيدة الشاعر التائه التي وجهها لعلي محمود طه «الملاح التائه». وقال حجازي ان كمال عبدالحليم الذي لم يقدر له أن يمجد وأن يعرف كشاعر لأنه انتمى للطبقة التي لا تقرأ الشعر، ولم يبحث عن مقابل وهو ممتلئ بموهبته المبكرة، وذهب الى الذين لا يقرءون ليعطيهم الشعر، قدم الأمثولة في الشعراء العرب الذين تعودنا أن نقرأ عنهم، وأنهم مداحون له وانهم لا يطيقون صبرا على العزلة أو الصمت، أو القطيعة.

وأكد حجازي أن عبدالحليم كان يعمل في السر، وهو الشاعر الممتلئ بالايقاعات، التي تدفعه دفعا الى أن يغني، ومصر لن تضيع أبناءها لأننا نلتف حول كمال عبدالحليم اليوم الذي عاصر الثلاثينيات الزاهرة والاربعينيات المتلألئة، الذي عاصر لوركا، وعاصر شعراء المقاومة الفرنسيين وتعلم من ايلوار وأراجون، وهذا الشاعر الجميل الذي لم أقرأ له للأسف الا ديوانا واحدا هو اصرار ـ يقول حجازي ـ وهو الديوان الذي نظمه في سن 18 ـ 24 سنة، وكنت دائما أسأل نفسي عن قصائده منذ ذلك الحين وحتى الآن، والتي تستغرق أكثر من نصف قرن من الشعر.

وأكد الناقد محمود أمين العالم في كلمته ان كمال عبدالحليم ليس شاعرا فحسب فشعره كل حياته، وكل حياة المصريين، بل كان أحد رموز التجلي الثقافي والسياسي والفكري والاجتماعي والقيمي عامة في مصر، فلا يذكر اسمه الا وتتداعى الى الذاكره مواقفه النضالية المبهرة، وقصائده البديعة في وقت كانت السلطة فيه بالغة الهشاشة وتسعى أن تسيطر على الزلزال الاجتماعي، وكانت على وشك سقوطها وتنتظر من يتلقفها، فنا وثقافة وسياسة.

واضاف العالم ان عبدالحليم كان هو الشاعر والمفكر والمناضل صاحب الموقف الأكثر صلابة والأوضح رؤية وفاعلية، وظل مؤمنا بسلامة التحالف التوحيدي منذ الخمسينيات حتى آخر لحظة في حياته للتقريب بين القوى التقدمية خاصة بين الناصريين والشيوعيين.

وأشار العالم الى انه زامل عبدالحليم في تنظيم «حدتو» قبل الثورة من دون ان يعرف انه هو كاتب القصائد التي كان يحفظها، الى جانب كوكبة صاعدة من الكتاب الشباب مثل علي الراعي وحسن فؤاد ولطيفة الزيات وطارق البشري وأحمد بهاء الدين وابراهيم عبدالحليم وأنور عبدالمك وأخرين حملوا العبء معا في تلك الفترة في مواجهة الملك والسلطة الظالم طوال الاربعينيات وبداية الخمسينيات كل بفنه.