سينما فلسطينية جديدة بلا صراخ

يحق لتوفيق أبو وائل أن يقدم سينما إنسانية بعيدة عن الخطابية والمزايدات والبطولة الكاذبة

TT

في 17 ايار (مايو) نشرت «الشرق الاوسط» وضمن تغطيتها لفعاليات مهرجان كان، عرضا كتبه الزميل عثمان تزغارت لفيلم «عطش» للمخرج الفلسطيني توفيق ابو وائل، اشاد فيه الكاتب بالقيمة الفنية للفيلم وانتقد رسالته السياسية. هنا رد من كاتب فلسطيني حول الموضوع المذكور:

حياة وموسيقى، ماء وحرية، ثنائيات العلاقة بين الموت والحياة، رجل وامرأة، أب وابن، غياب البلد والهروب منها الى فضلات العسكر، احتلال يعشش في نفوس الخائفين من الفضيحة ومحاصرة الشرف وكتمان السر و«صراخ حقيقي في البرية».. شجاعة كاذبة ومهزوزة وتظاهر بطولي مصطنع تجسدت في شخصية «البطل» مقتل الاب الدكتاتور وثورة بدون وعي. هذه هي موضوعات فيلم «عطش» لتوفيق ابو وائل الحائز جائزة تقديرية من النقاد السينمائيين العالميين في مهرجان كان الأخير وهو الفيلم الفلسطيني الوحيد الذي شارك هناك.

تم تصوير الفيلم في منطقة عسكرية مهجورة بالقرب من اراضي «الروحة» التابعة لاهالي أم الفحم. وهي حكاية ابوشكري الذي فضّل ان يهرب مع عائلته الفحماوية الى ارضه المصادرة بعيدا عن البلد والناس لأن ابنته عاشت قصة حب. وهناك حيث يهرب ابو شكري يفتح المخرج الجرح ويخوض محاولة لفك التناقضات التي تعيشها العائلة العربية ويتطرق للخوف من القادم.

توفيق ابو وائل هو مخرج شاب وواعد، وهو من الجيل الذي ولد عشية يوم الارض الاول في العام 1976، من مواليد ام الفحم وما أن تفتحت عيناه على الدنيا واذا بالأسرلة التي غيرّت المعاني والمفاهيم قد اجتاحت عقولا من الشباب الا انها لم تستطع ان تمس ابو وائل الذي تربى في بيت على الهوية الوطنية والمفاهيم التنويرية، ولقد اخترنا التطرق لفيلمه بعد أن قرأنا ما كتب الزميل عثمان تزغارت في جريدة «الشرق الاوسط» في 17 ايار (مايو) 2004 بعنوان فيلم «توفيق ابو وائل يتجاهل الاحتلال ويسخر من المقاومة».

يكتب تزغارت «رغم جودة الفيلم فنيا وتقنيا الا ان خطابه ينطوي على مطبات غريبة حيث يتجاهل الاحتلال» ومن ثم يتابع تزغارت ويقول ان الفيلم يتناول الوضع المعيشي المزري الذي تعيشه عائلة فلسطينية تجد نفسها في منطقة جرداء (منطقة عسكرية مهجورة ومصادرة) حيث يتمسك رب العائلة بأرضه رغم انها صودرت، وحين يسمع ازيز طائرة الهليكوبتر يتبول في سرواله من شدة الخوف رغم انه يدّعي المقاومة. ويهاجم الفيلم دون معرفة هوية المخرج الوطنية والسياسية ويكتب ان الفيلم هو من «تمويل اسرائيلي». وفي المقابل يحاول دق الاسفين عن قصد او غير قصد بينه وبين محمد بكري عندما يذكر تزغارت ان بكري «صديقه العزيز» قد أكد استبعاده وانه مورست ضغوط واملاءات على المخرج بسبب قضية التمويل لمعرفته أن كل الافلام الفلسطينية في الداخل لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بالاسرائيليين سواء كان في التصوير او الانتاج او التمويل. واضاف تزغارت أن فيلم «جنين جنين» ممنوع في اسرائيل على حد قوله دون ان يذكر ان فيلم بكري يعرض في دور السينما الاسرائيلية.

لقد وردت الكثير من المغالطات في مقالة الزميل عثمان تزغارت أولها انه لم يحاول ان يفهم وضعية العرب الفلسطينيين في الداخل ومعتقدا ان شخصية الفلسطيني تتجسد في البندقية او مشهد الجنود الاسرائيليين مما جعله يصدر حكما ظالما ضد الفيلم ومتناسيا ان معظم الممثلين الذين اختارهم المخرج فلسطينيون من سكان ام الفحم وليس لهم اي علاقة من قبل مع التمثيل ولم يدخل احد منهم دار سينما في حياته وقدموا تمثيلا فاجأ كل من شاهد الفيلم.

انه فيلم لا يستعمل اسرائيل كغطاء ليروي حكاية فلسطينية عادية، ترفض بجرأة ان تتعامل مع حكايات الناس باعتبار الفلسطيني في كل شيء «ضحية» أو «بندقية» مثلما يريد تزغارت، لكن ابو وائل يبحث عن الذات والخطأ ويرفض الصراخ على طريقة «نحن الذين بقينا هنا نجلس على الخازوق اما أخواننا فقد هربوا خوفا ان يجلسوا على الخازوق ولم يسمعوا بنصيحتنا».

يرفض توفيق ابو وائل التلاعب والمتاجرة بالشعارات، والكلام الفارغ والكذب على طريقة الممثلين العرب (الاسرائيليون في اسرائيل والفلسطينيون امام العرب).

يحق لتوفيق ابو وائل ان يقدم سينما انسانية هادفة بعيدة عن الخطابية السياسية المباشرة المليئة بالمهاترات والمزايدات والبطولة الكاذبة، مثلما يحق للبوسني امير كوستريكا والكوري ايد هيروكازو والمصري يسري نصرالله.

لعل دعوة ابوائل الى «كان» كافية للمعنيين ومحبي الفن والثقافة في العالم العربي للالتفات اليه.

* كاتب فلسطيني