مسيلمة الكذاب يروي مسرحيا سقوط الأعراب

TT

إذا أردتم النقد اللاذع الجريء في قالب هزلي بارع عليكم التوجه إلى دمشق، حيث بدأ عرض مسرحية «ليلة سقوط بغداد» بطولة واخراج همام حوت. وقد أنتج «المهندسون المتحدون» في حلب هذا العمل الناجح بعد شهرتهم في

مسرحية «طاب الموت يا عرب» منذ ثلاثة أعوام و«ضد الحكومة» منذ عامين وها هم الآن يتحدون كافة الانظمة العربية من دون استثناء لأنهم يقدمون المسرح السياسي وكأن السياسة العربية مسرح وتمثيل أو كأن الجمهور قد كتب الحوار الذي ألفه فعلا المهندس مازن طه والمهندس عمر خشروم.

واختار المخرج مسيلمة الكذاب كراوية وشاهد على العصر بين 7 لوحات مختلفة أدت الى سقوط بغداد: الاعلام ـ الانظمة ـ البيت ـ المعارضة ـ الاخلاق ـ الاستعمار، ويأتي الحل في اللوحة الاخيرة وهي ان الشعب لا يسقط ولا ينهزم اذا كان متلاحما وهكذا تنتهي المسرحية الكوميدية بخطاب حماسي. وكان التلاعب بالكلمات والنكات الذكية محور النص المسرحي الذي يلسع ويضحك ويسقط أوراق التوت عن الجميع، ولتبدو الازدواجية في الشخصية العربية التي قادت الى الهزيمة اذ تروي لوحة الاعلام كيف عرضت الفضائيات العربية والاسرائيلية والاميركية خبر سقوط بغداد كل على هواه ـ فالتلفزيون العراقي يكرر «دبحناهم بنهديبنا» والكويتي لا يخفي فرحته ولا نرى التلفزيون السوري الا في آخر الفصل حين تسلط الاضواء على المذيع النائم الذي ينفض الغبار عن نشرة الاخبار ويعلن عن سقوط بغداد بعد شهر من وقوع الحدث. أما لوحة الانظمة فتروي كيف ينقلب الحاكم من طاغية متجبر ـ حتى في بيته ـ إلى متحلل ناعم كي يضمن استمرار حكمه ويشتري كرسيه من المستعمر لان «كل شيء مسموح ما عدا الاقتراب من الكرسي» ونرى الليبي يكرر «يا سبحان الله» ثم يدخل في التناقضات التي لا يقوى على حلها سوى مسيلمة الكذاب أما المصري فإنه «لا يفهم شيئا» رغم وضوح الاحداث لأن الديمقراطية التقليدية العربية مؤلفة من كلمتين «ديمو» و«قراط» والدعاء للحاكم هو: «الله يديمه علينا وهو نازل قرط فينا» وتروي لوحة المعارضة العراقية كيف يتصل احد المعارضين هاتفيا بصديقه في بغداد ليلة السقوط وهو يتجرع المشروبات في حانات الغرب ويعلن بكاءه وغيرته على الوطن بينما يدعوه زميله في الحانة الى التبرع بمال الخيانة على أقدام الراقصات.

لا شك ان همام حوت ممثل موهوب، فهو يتحرك ويتكلم بشكل طبيعي وكأنه لا يمثل ولا يقرأ نصا مكتوبا وتعابيره ـ خاصة حين تقمص شخصية الكردي السوري ـ في اللوحة الاخيرة تجرف المشاهد معها وتضعه في جو واقعي محبوب دون أي تصنع أو مبالغة. ومجموعة الممثلين في أسرة العمل معه كانوا على المستوى المطلوب وقد برز منهم صفوان عقاد ومحمد جعفر ودينا خانكان وحسن شيبان وليندا حمود وسمير الطويل. أما الديكور فكان مقبولا وعاديا على طريقة المسرحيات السورية التي تحاول اختصار النفقات قدر الامكان.

قابلت همام حوت قبل بدء المسرحية وشرح لي ان فكرته نبعت من ألمه وان بغداد سقطت لأن العرب سقطوا جميعا في الامتحان ورغم عامل «جلد النفس» الذي يقوم به العرب اخيراً دون ان يصلحوا انفسهم فإن المسرحية السياسية الصريحة تلعب دورا مهما في نفوس المشاهدين لانها تعبر عن «فشة خلق».

ويتنبأ همام حوت بخروج الاميركان من العراق بعد عامين مثلما فعل هولاكو عام 1258 وقد وعد ابنه الصغير بذلك. ومسرح الاحداث الحقيقي ـ لا مسرح سينما راميتا في دمشق ـ الآن سيثبت إن كانت هذه نبوءة صحيحة أم لا؟