الكاتب التونسي الطاهر لبيب: ما يترجم لا يعبر عن الواقع وإنما عما يريده الغربي

TT

يعتبرالكاتب التونسي الطاهر لبيب، مدير «المنظمة العربية للترجمة» الناشطة في بيروت منذ ثلاث سنوات وأصدرت عدداً قيّماً من الكتب المنقولة إلى العربية، أن الأزمة موجودة في المؤلفات المترجمة إلى العربية وبالعكس، ولأسباب متشعبة وعديدة. ويضيف لبيب: «لا أبالغ لو قلت أن عشرة في الألف فقط من بين الكتب المنقولة إلى العربية يمكن أن أوصي طلابي باعتمادها. فالترجمة الشائعة لا يمكن الركون إليها لأنها مفرطة في التشويه، وأحياناً تنقصها فقرات أو صفحات كاملة، ولا يتردد المترجم في تجاهل المفردات أو المصطلحات الصعبة حين يصطدم بها، هذا إذا لم يعط ما هو ضد المعنى الأصل. وهكذا فإن الترجمة تلعب دوراً يسيء إلى المعرفة، ولو كنت مسؤولاً في بلد عربي ما لطالبت بسحب هذه الترجمات وبمحاكمة واضعيها لأنها تفتقد للأمانة العلمية والأخلاقية المعرفية. ومن خلال تجربتنا في المنظمة حيث يتصل بنا غربيون من جنسيات مختلفة أستطيع القول بأن ما يترجم يبقى محدوداً في ما يمكن أن يسمى بـ«الإبداع» من رواية وشعر وقصة وما إلى ذلك. أما الفكر فهو مهمل وكأنما ليس للعرب ما يقدمونه للفكر الغربي يمكن أن يرقى إلى علمي خارج الأدب. اقصد ان الترجمة عنيت لغاية الآن بالحيز الوجداني رغم وجود الفكر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيرها. ثمة طلب أوروبي على ترجمة هذه الوجدانيات الإبداعية. وفي المقابل العرب لا يتمسكون بترجمة الفكر، ولا يجدّون لتلافي هذا العيب في مستوى العرض والطلب، ويحاولون ادراج الفكر العلمي ضمن مشاريع الترجمة.

نقطة ثانية مهمة وهي ان ما يترجم لغاية الآن، على الأقل في حدود ما أعلمه شخصياً، لا يمثل الإبداع العربي لسبب بسيط هو أنه لا يعبر عن الواقع وإنما يعبّر عما يريده الغربي. الطاهر بن جلّون وهو صديق قديم لا يفكر بالقارئ العربي حين يكتب، وإنما بقارئه الفرنسي، لذلك نجده يتحدث عن الفتاة المقهورة والبطريركية والأسرة القامعة، ولو ذهبنا إلى المغرب العربي لوجدنا أن هذه الصورة اختلفت وهناك نماذج جديدة طلعت لا أحد يريد الالتفات لها. الترجمة الموجودة لا تمثل الفكر العربي لأنها انتقائية تماماً. والغربي يبحث عن «الإكزوتيسم» والصور التي يعرفها أو يريدها سلفاً وقبل ان يقرأ النص، وثمة بين كتابنا من أمعن في وصف هذه الحالات المطلوبة والمرغوبة وأفرط في ذلك، رغم أنها بعيدة عن حقيقة ما نعيش. ولو بحثنا عن مواصفات الكاتب الذي تتم ترجمته، لوجدنا إما ان توجهه يلامس ويقارب الأيديولوجيا السائدة غربياً ويرضي ذوق عامة القراء هناك، أو انه متواطئ ضمناً مع نظرة معينة ومواقف بعينها يريدها الغرب منا ويتم الترويج لمن يتبنونها، وهناك أيضاً المحسوبية والعلاقات العامة وهذه يصعب إسقاطها من الحسبان. من المفترض ان النص يترجم لخاصية له في نفسه لا سباب خارجة عنه كما نرى الآن. ولكن للأسف ما يترجم يعبّر عن حميمية مع الغرب قبل ان تكون حميمية مع الذات.

خلاصة القول ان الترجمة إلى اللغات الأخرى لن تكون ممثلة لنا إلا إذا كانت بمبادرة المعنيين بأمر المجتمع العربي، بحيث يتم اختيار القمم والفكر الأكثر تطوراً، لا أن أترك الفرنسي يقول لي ان أرقى ما فيك أو ما عندك هو زيد أو عمر. الترجمة بين أميركا وأوروبا، على سبيل المثال، تأخذ مسارها الطبيعي، بحيث أن أميركا تفرز كبار كتابها، ويذيع صيت الكتاب قبل ان تترجمه أوروبا. فالكاتب هنا هو الذي يفرضه مجتمعه وثقافته. أما عندنا فأوروبا هي التي تختار الكتّاب الذين تريدهم وتترجمهم ويذيع صيتهم هناك، وبالتالي نهتم بهم وبنتاجاتهم، أي ان الترجمة الأجنبية هي تأشيرة العربي ليقرأه العرب.