مستعربون غربيون يتحدثون عن تجاربهم في ترجمة الأدب العربي

واقع الأدب العربي وصورة العرب الحقيقية في شهادات مترجمين من بلدان غربية مختلفة

TT

* انجليكا نيورث*: النفس النقدي والقيمة الفنية

* ترجمت عملين أدبيين، الأول مسرحية «ليلى والمجنون» لصلاح عبد الصبور، وهي واحدة من أعماله المهمة، وقد اعجبت بها كثيرا وما دفعني لترجمتها تطويعه لقصة قديمة اسطورية للتعبير عن مسائل ايديولوجية وسياسية حديثة. واعتقد ان صلاح عبد الصبور بمسرحياته ودواوينه الشعرية التي كتبها بعد النكسة كان أول مؤلف مصري ينتقد بأعماله الفنية التفكير التقليدي الذي أدى الى حدوثها، وهو نقد ذاتي نادر عند الأدباء، خاصة في حالة حدوث مثل هذه التجارب المؤلمة.

أما العمل الآخر فهو رواية «الوقائع الغريبة لاختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» للكاتب الفلسطيني إميل حبيبي. وتتسم هذه الرواية أيضا بكونها تنتقد الدور الذي لعبه الفلسطينيون عندما رفعوا شعارات تحرير الأرض كاملة من اسرائيل، وتدور الرواية حول شخص عاش في فلسطين خلال الفترة من النكبة حتى 1972 ولم يقدر أن يصنع شيئا لمصلحة شعبه بسبب تخيلاته الضارة جدا بقضيته. وهذه التخيلات شارك فيها كل شعب فلسطين عندما لم يغتنموا الفرصة لانشاء دولتهم حسب قرار التقسيم، ولم يتعاملوا مع التحديات الحقيقية التي هم بإزائها.

وقد وجدت في الحالتين نقدا ذاتيا وهذا ما حركني لترجمة العملين، كما ان العملين على درجة فنية عالية، وهذا مهم أيضا من أجل اختيار الأعمال واتخاذ قرار ترجمتها من العربية الى الألمانية، وأنا اعتقد انني عندما أقرر ترجمة عمل أدبي ما لا بد أن يكون عملا ذا قيمة فنية ومهما في لغته الأصلية، من هنا اتخذ القرار لأقول للقراء الالمان: هذا ما يناقشه القراء العرب في هذه الآونة.

* أستاذة الأدب العربي الحديث بجامعة برلين

* روديكا فيرانيسكو*: الناشرون الرومانيون لا يهتمون بالأدب العربي

* منذ عدة سنوات جئت الى مصر لدراسة الأدب العربي والتمهيد لنيل درجة الدكتوراه وعدت إليها بعد ذلك عدة مرات. وقد أتاح لي ذلك فرصة كبيرة للتعرف على الأدب العربي الحديث والكتاب المهمين الذين يقدمون أدبا راقيا في مصر، وساعدتني في ذلك دراستي في مجال اللسانيات والأدب في المجالات التطبيقية، وقد قمت بعد ذلك بتطبيق نظريات براغماتية على النصوص الأدبية التي قمت بتحليلها، وكانت النصوص موضع التحليل لنجيب محفوظ وجبران خليل جبران، وقررت ترجمة نصوص الأخير النثرية العربية بعد ذلك الى اللغة الرومانية، بالاضافة الى ترجمة مختارات من نصوص جمال الغيطاني القصصية ورواية ميرال الطحاوي «الباذنجانة الزرقاء» وصلاح عبد الصبور ونصوص لابن عربي وصدر الأخير بالتعاون مع ناشر اشترط ان نساهم معه في تكلفة الكتاب، وهذا يشير الى حال الأدب العربي في رومانيا وهو يحتل موقعا متأخرا لدى الناشرين الذين يركزون على الأدب الغربي تمهيدا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، لكني في هذا الوقت أحاول التعريف بالأدب العربي في كبريات الصحف الرومانية.

ومن أجل نشر الأعمال العربية بعد ترجمتها الى الرومانية هناك شروط تسويقية ضرورية يضعها الناشرون نصب أعينهم قبل اتخاذ قرار النشر، وقد كان نشر نصوص لابن عربي بسبب كونه كاتبا كلاسيكيا معروفا في كل العالم.

لكن بالنسبة للكتاب العرب المعاصرين أو الراحلين الذين يكتبون أدبا حديثا فلا يمكن أن يجازف ناشر روماني ويقوم بنشر أعمالهم. الاعمال التي ترجمتها لكتاب أمثال جمال الغيطاني وميرال الطحاوي وغيرهما لم تصدر بعد، وذلك بسبب المرحلة الانتقالية التي تمر بها رومانيا.

وقد قمت بترجمة هؤلاء الكتاب اعتمادا على ذوقي الشخصي وكنت حريصة على أن أختار الأعمال ذات القيمة التي أشعر انها تحتوي في داخلها على سمات انسانية تخلدها. واعتقد ان انضمام رومانيا للاتحاد الاوروبي سوف يساعد كثيرا على وجود سوق للكتب الادبية العربية وسوف يحسن ظروف النشر بالنسبة لها، وسيجعل الناشرين رغما عنهم يقدرون دور المترجمين الذين يسرقون جهدهم ويقولون لهم يكفي اننا اصدرنا لكم كتابا، وقد حدث لي ذلك في كتاب أدب رحلات كتبت مقالاته خلال وجودي في مصر ونشر في رومانيا بمناسبة احتفالات رومانيا ومصر بمرور خمسين عاما على بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما، وقد رفض الناشر أن يعطيني حقي كمؤلفة للكتاب.

وهناك بالتأكيد أعمال إبداعية لها طابع ايديولوجي وسياسي تنشر بعد ترجمتها من العربية الى الرومانية وهي أعمال رديئة ولا تعيش ولا تترك أثرا لدى القارئ. وأنا لا أترجم مثل هذه الأعمال، وأعتقد انها لا تلفت نظر القراء الرومانيين إلا قليلا. أنا أراهن على القيمة الفنية وهي ما تدفعني للترجمة. وهناك سبب آخر لاختيار ما أترجم وهو أن تكون النصوص قابلة للترجمة وهي نقطة مهمة جدا في عمل المترجمين، إذ توجد أعمال غير قابلة للترجمة بسبب لغتها التي تقف عثرة أمام النقل الى اللغات الأخرى.

* أستاذة الأدب العربي في جامعة بوخارست الرومانية

* وليام جرانارا*: خطايا الاستشراق

* أدرس الأدب العربي والدراسات اللغوية للطلاب في اميركا، وهم يحتاجون سنوات طويلة قبل أن يستطيعوا القراءة باللغة العربية. ودورنا كباحثين ومدرسين متخصصين في الأدب العربي ان نترجم لهم أعمالا أدبية عربية كي يتعرفوا على الأدب في البلاد العربية والثقافات المتفاعلة هناك.

والأعمال الأدبية خير وسيلة للتعرف على ثقافات الشعوب وتقاليدها الشعبية وهي وسيلة تجعل القارئ أيضا يفكر في بعض النواحي الثقافية وكيف يفكر الفرد في المجتمعات العربية. وهذا ما لا يستطيع القارئ الاميركي معرفته إلا من خلال الاطلاع على الأعمال القصصية والابداعية العربية، من هنا تحتل الترجمة مكانة مهمة، وأنا اختار لتحقيق ذلك اعمالا ونصوصا أدبية جيدة تلبي حاجات القراء والطلاب الاميركيين، ونحاول أن نعرف هؤلاء بالكثير عن العائلة العربية، لاننا نعرف انها نواة المجتمع العربي وهذا مختلف عن المجتمع في أميركا الذي ينظر الى الفرد بوصفه الأساس وعصب المجتمع.

ونتابع من أجل ذلك كيف يفكر الفرد المتمرد داخل الأسرة العربية، وهذا سبب أساسي في احتفائنا بـ«موسم الهجرة الى الشمال» للطيب صالح، فبطله مصطفى سعيد مثال مهم على ذلك الفرد المتمرد، كما تعبر هذه الرواية عن الصدع الموجود بين الغرب والشرق.

ولهذه الأسباب أيضاً، ترجمت أعمالاً مثل «الزلزال» و«غرناطة» و«باب السحار» والأخيرة رواية عن الانتفاضة الفلسطينية، وقد اخترت ترجمتها لأنني أريد أن يقرأ الأميركيون عن الانتفاضة وما وراء القضية الفلسطينية وكيف تعيش العائلة وسط هذه الأجواء وكيف تتصرف النساء هناك.

* مترجم واستاذ جامعي أميركي

* أنا جيل*: نحاول عكس صورة العرب الحقيقية

* أدرس اللغة العربية في جامعة برشلونة وأترجم الأدب العربي الى اللغة الكتالونية. وقد ترجمت خمريات أبي نواس ومقامات بديع الزمان الهمذاني، بالاضافة الى «يوميات مهاجر سري» للكاتب المغربي رشد نين وقد حصل على جائزة، كما قمت بترجمة مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم.

ترجمت أعمالاً من الأدب القديم بسبب وجود اهتمام خاص لدي، اهتمام داخلي يدفعني لنقله الى اللغة الكتالونية. أحب أبا نواس لذا ترجمته وقمت بذلك من دون ان أنتظر مساعدة من أحد ناشرا كان أو جهة داعمة. واستغرقت ترجمته أربعة أعوام وقد نشرت هذه الترجمة بالصدفة بعد توصية من باحثة كبيرة في اسبانيا، وقد استقبلها النقاد بكثير من الحفاوة والتقدير، وهذا ما جعلني أعتقد أن جهدنا لم يضع، نعم تأخر مردود الترجمة بعض الوقت وكان قليلا نوعا ما لكنه مع ذلك مرض بشكل أو بآخر، اذا نظرنا الى طبيعة سوق النشر في بلادنا.

فالناشرون ينظرون أولا الى المردود المادي، خاصة ان الوضع المادي والمقابل المادي للاصدارات العربية غالبا ما يكون صعبا عندما تنقل الى الانجليزية أو الفرنسية أو الألمانية فما بالك بلغة صغيرة مثل الكتالونية.

وفي سجلي أعمال عربية حديثة ترجمتها أيضا وقد ساعدتني زياراتي الى سورية ولبنان وتونس ومصر على اختيارها وهي أعمال ذات قيمة أدبية، وقد كان لزاما علي أن أتعرف على النصوص التي كتبت في مرحلة الستينات مثلا عندما قررت ترجمة شهرزاد الحكيم لأتعرف على الرموز الموجودة في النص المسرحي.

وهناك دائما مشكلات يواجهها المترجم أثناء عمله، منها ما هو تاريخي او لغوي او ثقافي، أما عن النصوص التي تترجم بهدف استشراقي، فقد قلت جدا في السنوات الأخيرة بعد ظهور مجموعة من المستعربين الذين قاموا بزيارة الدول العربية وتعرفوا على المجتمعات هناك ونقلوا ذلك الى القراء في اسبانيا، أما سبب ظهور النصوص التي سعت الى تشويه المجتمعات العربية فكان اعتماد الباحثين الاسبان على غيرهم، وكان ذلك منتشرا في ثمانينات القرن الماضي، لكني اعتقد ان الأمر يختلف حاليا، وقد بدأت الترجمات الى الاسبانية من العربية تغير الكثير من الصورة المشوهة التي نتجت عن الاعتماد على الكتاب الأوروبيين في معرفة المجتمعات العربية.

نحن مهتمون بتعريف القارئ الاسباني بسلوك الفرد في المجتمعات العربية وتقديم صورة عن الشرق له، ونهتم بالمعارف العربية ونحاول تقديمها لنلغي تأثير ما قام به المستعربون في القرن العشرين من تقديم صورة عن العالم العربي لا علاقة لها به ولا بالواقع العربي، وهي معارف لم يكتسبها هؤلاء المستعربون بأنفسهم، لكنهم استقوها من غيرهم.

* استاذة اللغة العربية في جامعة برشلونة الإسبانية

* ايمبليو جارثيا غومث*: ترجمات بلا تنسيق

* الترجمة من العربية الى الاسبانية تتم معظمها داخل الجامعات في أقسام اللغة العربية وفي مدرسة طليطلة، وما يتم داخل الجامعات يأتي لهدف اكاديمي علمي وربما تاريخي، ولذا أقول ان الحديث عن تفاعل ثقافي حقيقي في هذه الحال أمر صعب، لان الترجمة لا تستهدف قطاعات كبيرة من الجمهور الاسباني لكنها تذهب إلى عدد قليل من الطلاب أو الى مجموعات صغيرة من الباحثين المتخصصين في الأدب العربي. وهذه الترجمات وبسبب من طبيعة متلقيها تتصف بالصعوبة، وبها الكثير من الحواشي والهوامش، ولا يستطيع التعامل معها سوى الباحثين، لكن منذ سنوات تقوم مدرسة طليطلة ومجموعات من المترجمين والأفراد بتقديم ترجمات مهمة تستهدف القراء بعامة، وهذه الترجمات هي التي تستطيع أن تخلق نوعا من التفاعل الحضاري.

غير ان هذه الترجمات تتم بدون خطة أو تنسيق، وإنما حسب الذوق الشخصي للمترجم. ومع ذلك هناك ترجمات مهمة تم انجازها من كتب التراث والأدب العربي، وهي ترجمات خالية من الاشارات الاكاديمية، ولا تلجأ الى النقل الحرفي وجمع المعلومات، ومفهومة للقارئ غير المتخصص ونحاول مراعاة النص الأدبي المترجم، وجعله أكثر وضوحا وسهولة للمتلقي.

* مستعرب اسباني من جامعة برشلونة

* روبن أوستل*: أحاول إثارة الاهتمام عند الشعراء الإنجليز بالشعر العربي

* لا أنا ولا أي مستعرب أو مترجم غربي يستطيع أن يقول انه عن طريق الترجمة أو النقل يمكن انتاج قصيدة أو نص أدبي مماثل، والهدف من الترجمة كما أفهمها هو نقل الشحنة الشعرية الى اللغة الانجليزية من الشعر العربي، وقد يأتي ذلك من المعنى أو من طريقة نظم الكلمات، وفي هذه العملية لا بد أن نراعي المقومات اللغوية الأساسية التي تقوم عليها اللغة التي نترجم عنها.

وأعتقد اني أترجم الشعر سواء القديم أو الحديث من أجل نقل الشحنة الشعرية الى اللغة والشعراء الانجليز حتى يجددوا ويغنوا آدابهم وشعرهم بالامكانيات الجمالية والمعرفية للشعر العربي.

أريد اشعال شمعة العلاقة الخلاقة عبر الترجمة بين اللغة والابداع العربي والابداع واللغة الانجليزية، أريد اثارة الاهتمام عند الشعراء الانجليز أولا بما أترجمه لهم من شعر عربي، وبعدهم سوف يأتي القراء الانجليز.

وأنا أفكر في ترجمة نص شعري ما أبحث عن الانساني والمشترك بين الانسان العربي وغيره من البشر، أبحث عن لحظات الحب والفقد، عن الموت والحياة، ما هو خالد من المشاعر الانسانية بشكل عام وهو ما يحركني حتى اتخذ قرار الترجمة.

* مستعرب إنجليزي

* هارتموت فاندرتش*: أترجم الأعمال التي تعجبني ولا أهتم بالقارئ

* بحكم كوني مستعربا أزور كثيرا العالم العربي وأشارك في مؤتمرات عديدة ولي اصدقاء بين الأكاديميين والكتاب العرب وكلما التقينا أطرح عليهم سؤالي المتكرر ما هي الكتب الجديدة التي صدرت حديثا لديكم، وهم يقترحون بعض العناوين وعندما أسمع من أكثر من صديق اسما ما أنتبه وأشتري الكتاب وأقرأه وإذا أعجبني أقترحه لدار النشر التي أترجم لها في بازل.

ويدفعني لترجمة عمل أدبي ما موضوعه وأسلوبه الأدبي واللغوي. وهناك أشياء كثيرة تحكم عملية الاختيار عندي، مثلا وصف الحياة اليومية والأفكار المطروحة في المجتمعات العربية والمناقشات التي تدور حولها، كما ان التجارب الانسانية الخالدة تنال جزءا من اهتمامي كمترجم وأبحث عنها في الأعمال العربية، عندي اهتمام خاص بحالة القمع في المجتمعات العربية، وهي من الموضوعات التي تثير عندي شهية الترجمة، وهي موجودة على مستويات عدة، مثل القمع الفردي والعائلي والديني والحكومي والسياسي، وتسيطر مثل هذه الاجراءات القمعية على الحياة اليومية في البلدان العربية وهي جديرة بأن نعرفها للقارئ الأوروبي. القارئ لا يهمني وأنا أترجم، هو ليس أساسيا عندي. الأساس هو علاقتي بالعمل الأدبي الذي أنوي ترجمته وعلاقة دار النشر بي التي قد تعجبها كتب ما ولا تعجبها أخرى.

وهناك مشكلات كثيرة تواجهنا باعتبارنا مستعربين وتكمن في المصطلحات الخاصة بالأشياء اليومية، الملابس، المأكولات المصرية والعربية وهي غير موجودة لدينا، لكن الافكار قابلة للنقل، وهي لا تمثل مشكلة على أي مستوى، أنا أنقل الأفكار الدينية والفلسفية التي تحفل بها النصوص العربية بسهولة وأنقل ما يتعرض له أبطال الروايات من ضغوطات أيضا. وأصعب الأعمال التي ترجمتها كانت روايات الليبي ابراهيم الكوني، الذي تحفل أعماله بمصطلحات غريبة حول حياة البدو والصحراء، بالاضافة الى ما تزخر به من كتابة فلسفية وأفكار حول العالم والوضع الانساني الذي يعيش فيه أبناء القبائل في ليبيا. ويرهقني جدا البحث عن مقابل للمصطلحات الخاصة بهم.

أهتم فقط بترجمة الكتب الأدبية والإبداعية وأحاول أن أوحد بينها وبين الأعمال الأدبية الألمانية وأقوم بترجمة أعمال معروفة ومحترمة ولا يوجد وراءها هدف استشراقي يسيء الى العرب.

* مستعرب ألماني