ما نجده جريئاً اليوم سنراه عادياً غداً

صقر أبو فخر *

TT

ليس من الحصافة النقدية القول ان الادب المكشوف انما هو مجرد ظاهرة مفتعلة في الاعمال الروائية العربية الحديثة، غايته الوحيدة لفت الانظار اليه والترويج له. وأقصد بالاعمال الروائية تلك الروايات ذات القيمة الادبية، لا الروايات الهابطة الموجودة دوماً في اي زمان ومكان. ثم ان الادب المكشوف ليس غريباً على فنون السرد العربية، وكان دائماً احد العناصر التأصيلية في فن القص العربي ولاسيما في حكايات الف ليلة وليلة. والأدب المكشوف اليوم هو استعادة للعصر الذهبي في الأدب العربي، وكسر للأقفال الحجرية إياها، وخلخلة لامتثالية المجتمع العربي وفصاميته، وتدشيناً واعياً وجريئاً لأدب لا يخجل ابداً من الجسد ومكابداته ومن تفصيلات الحياة السرية للأفراد. وبهذا المعنى فإن الأدب المكشوف ينطوي على طراز باهر من الامعان في تشقيق المحرمات، وعلى الحرية في العبث بما هو مسكوت عنه، وعلى الرغبة في تمزيق الحُجُب والاستار المضروبة على وجدان الكائن الانساني. والأدب الرفيع، في نهاية المطاف، ليس قول ما هو مباح او متاح، بل هو، في جوهره، كشف وفضح وإيلام معاً، كشف للعلاقات العصابية القمعية التي ما برحت تستبد بالجسد البشري المتوثب، وفضح لعناصر التدمير التي تفتك بالحيوية الانسانية التائقة الى الانطلاق والتحرر والمرح، وللأطواق التي ما زالت تكبل انبثاق الجديد في الفن والأدب والحياة، وإيلام للروح الانسانية الساكتة على هذا العسف المتمادي.

إن روايات عربية من عيار «مريم الحكايا» لعلوية صبح او «عابر سرير» لأحلام مستغانمي او «تصطفل ميريل ستريب» لرشيد الضعيف او «حديقة الحواس» لعبده وازن او «الخبز الحافي» لمحمد شكري او «بناية يعقوبيان» لعلاء الاسواني ليست روايات جنسية على الاطلاق، انما هي روايات تحاول ان تعانق الحياة نفسها بتفصيلاتها البهية وبالمصائر المتعاكسة لأفرادها. والاتهامات التي تتعرض لهذه الاعمال بالقول انها تتوسل الجنس في سبيل الرواج ليست عادلة. لنتذكر روايتي «انا احيا» و«سفينة حنان الى القمر» للروائية ليلى بعلبكي، فقد ثارت في وجهها جميع كائنات الكهوف العربية، وجميع حراس النواويس المعروفة. لكننا، حينما نقرأ اليوم هاتين الروايتين نراهما عاديتين تماماً. وما نجده اليوم جريئاً، سنجده عادياً في الغد لأن الحياة نفسها متبدلة باستمرار، فشجرة الحياة خضراء خضراء، بينما شجرة العقائد كالحة كالحة.

* باحث لبناني