محمد عصفور: لن ينشأ لدينا علم ما لم نفكر ونتعلم باللغة العربية

الكاتب والمترجم الأردني لـ«الشرق الأوسط»: لنكف عن لهجتنا الاعتذارية مع الغرب وليبحث عنا ويتعرف علينا بشكل صحيح

TT

قدم الدكتور محمد عصفور للمكتبة العربية عدداً من الترجمات المهمة منها: «البدائية» و«مفاهيم نقدية» و«البنيوية وما بعدها» و«فجر العلم الحديث» و«تشريح النقد».. وهنا حوار معه عن ارتباط الترجمة بالسياسة، ودور الترجمة في التعريف بالذات والآخر، وأسباب غياب مؤسسات ثقافية عربية يمكن أن تضطلع بهذه المهمة:

* كيف ترى الأبعاد السياسية وراء حركة الترجمة في الوطن العربي؟

ـ العالم العربي يشعر بأنه مهدد سواء كان التهديد عسكرياً أو ثقافياً وهناك إحساس بأن الثقافة العربية مهددة إما لأنها تجهل أموراً معينة بالعالم، أو لأنها غير مفهومة من قبل العالم الخارجي. ولذلك هي تحاول أن تترجم نفسها لكي يفهمنا العالم الغربي. لذلك ترتبط الترجمة بالسياسة سواء أراد المترجم أم لم يرد.

* هل تتم هذه الترجمة بشكل مرض؟

ـ لا يتم ذلك بشكل مرض للأسف. فالعالم العربي في الوقت الراهن متفتت، وهناك مشاريع في مناطق كثيرة مثل الكويت وسورية ولكن لا يجري التنسيق فيما تتم ترجمته اضافة إلى أنه ليس هناك نظرة قومية بالمعنى الشامل لما تريده الأمة العربية، ولذلك تأتي هذه الترجمات مفتتة وغير منتظمة.

* هل من الممكن أن ينتج هذا التنسيق لو وجد سوقاً عربية مشتركة للترجمة مثلاً؟

ـ هي فكرة لا بأس بها لكن العالم العربي يعاني من تغليب المصلحة القطرية على المصلحة القومية فكل قطر يفكر في مصلحته الضيقة، ولذلك نرى المشاريع المشتركة تفشل، من السهل أن نجتمع في اطار ما، وأن نتفق على مشروعات معينة لكن عند التنفيذ يتناسى كل قطر ما تم الاتفاق عليه، فالإرادة السياسية للعمل الجماعي غير موجودة بالتأكيد.

* وبالنسبة للغرب هل هناك أبعاد سياسية أيضاً «لترجماته» ؟

ـ بدون شك، الغرب يترجم ما يصب في مصلحته فهو يترجم للتعرف أو للتعريفات، مثلاً أميركا تترجم كثيراً لتعريف العالم بما هو أميركي وهذا نراه في مجلة نيوزويك باللغة العربية، وفي لغات أخرى. فترجمة الأعمال الأميركية تجري من خلال مؤسسات أو أفراد مقابل أجر ونحن نعرف تاريخاً طويلاً من هذه المحاولات فهناك مؤسسات تم تأسيسها لنشر الثقافة الأميركية بالذات. والعالم الغربي يترجم لنا من أجل أن يعرف كيف يفكر العرب والمسلمون. هم يترجمون من أجل مصلحة قومية، وهم انتقائيون جداً فيما يترجمون ويعرفون أن هذا الكتاب يخدم أغراضهم لفهم مجتمع ما.

حالياً هناك تأكيد أو تركيز لترجمة الأعمال النسوية العربية، وهذا مقصود لتجديد الحملة على العالم الاسلامي، فهناك بعض الأصوات التي تعتقد أن وضع المرأة في العالم الاسلامي غير مناسب، ويحاولون الهجوم انطلاقاً من هذه النواحي.

الكتب العربية التي تترجم إلى الانجليزية هي في الواقع لا تشيع بين عامة الناس، لكنها تدرس في أقسام معينة في الجامعات هدفها دراسة هذه الشعوب لمعرفة كيف تفكر ثم الهجوم على هذه الثقافات ومحاربتها في عقر دارها.

* وما نوعية الكتب التي يترجمها الغرب عموماً؟

ـ الغرب بشكل عام يريد أن يقرأ قصصاً وروايات من نوعية ألف ليلة وليلة فهم في أذهانهم صورة نمطية عن الشرق هم لا يريدون روايات عن بشر عاديين يفكرون بأمور عصرنا ويعزفون عن الأدب الجاد الذي يهتم به المتخصصون في دراسات الشرق الأوسط.

* وما دور المؤسسات الثقافية في الوطن العربي في هذه الحالة؟

ـ المؤسسات الثقافية العربية مقصرة لأنها لم تستطع أن تنشر ثقافة متعددة الأنواع داخل وخارج الوطن العربي فخارجياً يتم اختزال هذه الثقافة في بعض المعارض التي غالباً ما تقتصر على السينما والفنون الشعبية مع هامش ضئيل للترجمة أحياناً.

لكنني أصر على شيء آخر وهو أننا لسنا مطالبين بأن نبرر أنفسنا للعالم الغربي، فإن كان مهتماً بنا، فعليه هو البحث عنا، وليأت ليتعرف علينا. نحن ما زلنا نفكر بلهجة اعتذارية عما لدينا ونريد أن نجمل صورتنا أمام الغرب. لسنا مضطرين لذلك لأننا لسنا في وضع اعتذار.

لذلك عندما نكون في وضع القوة سنجد أن الغرب يتفهمنا أكثر لكننا ما دمنا في وضع الضعف، ونحاول دائماً أن نرضي الغرب وهذا خطأ.

* ما رأيك في معرض فرانكفورت إذن؟ وهل أعددنا له بشكل جيد؟

ـ أعتقد أننا لم نعد له بشكل جيد، وأنا سمعت أن هناك تقصيراً من جميع الدول العربية في انتهاز هذه الفرصة، فالثقافة العربية ستكون هي المستضافة في المعرض وهذا التقصير مظهر من مظاهر التفتت في الحياة العربية. نحن لا نريد أن نبالغ وندعي أننا وصلنا إلى القمة في كل شيء، وأننا دول متقدمة بل على الأقل أننا لسنا متأخرين جداً!

* ما الأعمال التي نحتاج لترجمتها أكثر في لحظتنا الراهنة؟

ـ أنا لا أعتقد أن العالم العربي بحاجة لترجمة الشعر من لغات مختلفة. موضوع ترجمة الشعر موضوع خلافي وأعتقد أنه لا يترجم، وبدلاً منه علينا أن نترجم كتباً علمية. فما نحتاجه نحن، العلم وليس الشعر، وبعض الروايات. الأدب مهم غير أن هناك أولويات. لكن لن يجري ترجمة العلم إلا إذا تم تعريب التعليم.

* واذا لم يتم ذلك؟

ـ إذا لم يُعرب سنبقى نلهث وراء الغرب، نتكلم لغتهم بدون Tersesa Kerry

اتقان ولن ننتج علماً إلا بلغتهم. سنبقى إذاً عالة على العالم كله ونحن في الوقت الحاضر الأمة الوحيدة التي تُدرِس العلم بلغة غير لغتها القومية.

* هناك من يقول إن التدريس بالانجليزية يعمل على التواصل أكثر ويكون أسهل في التعامل بين الدارسين من مختلف الجنسيات مما يساعد على التراكم العلمي؟

ـ هذا خطأ، فالتعليم بالعربية لا يعني الانقطاع عن اللغات الأخرى، كل مادة لها مراجع وقد تكون بالانجليزية. وأنا أعرف كثيراً من الذين يُدرّسون العلوم بالانجليزية وهم لا يتقنون التكلم بها، هم يتكلمون فقط عن مصطلحات وهذا سهل جداً، لنأخذ المصطلح كما هو أو لنعربه. لكن لا نتوقع أن ينشأ عندنا علم بدون أن نفكر باللغة العربية في هذا العلم.

إذا كتبنا علمنا بالانجليزية لن نستفيد منه بل سيستفيد منه الانجليز، ولماذا تكون اللغة العربية الوحيدة التي لا تقوم بتدريس العلم؟ هي لغة مثل غيرها من اللغات وعلماء اللغة يقولون إنها قادرة على التعبير عن أي فكرة.

* من واقع خبرتك هل الترجمة تتجلى في الحفاظ على النص المترجم أم في نقل روح النص؟

ـ في الترجمة ليس هناك شيء منفصل عن النص المترجم، لكن هناك أشياء قد تكون غير مصرح بها وعلى المترجم أن يكون واعيا بها. ليس هناك ترجمة نهائية أو ناقلة لكل ما في النص، الترجمة دائماً تنجح بنسب متفاوتة وكلما تمكنت الترجمة من الحفاظ على كل ما في النص، اقتربت من الكمال فنسبة 70% أفضل من 60% وهكذا. فما من ترجمة نهائية بل مشروع ترجمة والمترجم الجيد لا يضحي بشيء.

* هل من الممكن أن يحايد المترجم في نص غير محايد أصلاً؟

ـ يعتمد هذا على نوعية النص الذي يترجمه؟ فإن كنت أترجم لمؤسسة وهي تريد أن أنقل الأصل فعليّ أن أفعل. فالمترجم عليه أن يكون أميناً في ما ينقل لكن اذا كانت الترجمة لغرض سياسي فالمترجم أحياناً يتدخل على الأقل لإظهار تحيز النص الأصلي وقد يتم اظهار هذا التحيز من خلال هامش مثلاً.

* نحن نعاني من فوضى المصطلح. كيف لنا أن نتغلب على هذا؟

ـ هذا طبيعي والمشكلة سيتم تجاوزها تراكمياً وليس بقرار لأن هناك من المترجمين من يثبتون جدارة وتكون مصطلحاتهم مقبولة من عامة المتلقي، ولذلك أنا لا أخاف من فوضى المصطلح فهي ستحل نفسها بنفسها. الثقافة لا تتحول في يوم بل هي بنت الزمن، والزمن لا حدود له.

* برأيك هل هناك نصوص غير قابلة للترجمة؟

ـ ما أكثر النصوص غير القابلة للترجمة، لكن هذه الفكرة نسبية. بعض الشعر صعب في الترجمة، لكن يقول أحد المنظرين للترجمة، وهو نيومارك، إنه حتى لو شرحت هذا النمط من الشعر، فالشرح هو ترجمة الى أن تتم ترجمته بشكل أفضل، فالأمر نسبي حتى لو كانت نسبية بسيطة. لكن الاستحالة المطلقة أمر غير واقعي ما دام هناك من استطاع أن يعبر عن فكرته في لغة ما، فهناك آخر يستطيع أن يعبر عن تلك الأفكار بلغة أخرى. طبعاً قد لا يتطابق التعبيران لكن الاستحالة لا تناسب الذهن الانساني.

* اذن كيف تترجم عامية إلى عامية أخرى؟ وأي عامية منها؟ العامية الانجليزية مثلاً تترجم لأي عامية مصرية؟ فهناك الكثير منها.

ـ هذا سؤال جيد جداً، الجواب هو عندما نترجم العامية الانجليزية الى العامية المصرية فهي تناسب القراء المصريين، واذا كان المترجم عراقياً فسوف يترجم إلى العراقية، أما اذا ترجم إلى العامية المصرية فسيكون هناك قدر من الافتعال.

هذه المشكلة خاصة باللغة العربية، فالعامية ليست هي اللغة المكتوبة وما تزال العامية غير مقبولة لدى كثير من الأدباء، فهم يصرون على استعمال الفصحى حتى في ترجمة ما هو في الأصل عامي. وإذا كان المترجم ناجحاً وقادراً على تطويع اللغة فهو سيتمكن حتى في الفصحى من التعبير عن العامية والاقتراب منها، لكن من دون ترك الفصحى لأنه لو اقترب من العامية كثيراً، فسيكون هناك قدر من الافتعال. أما في الفصحى فهي ليست لغة أحد معين في العالم العربي، بل سيقبلها معظم الناس وهناك درجات من الفصحى ممكن أن نقبل الدرجة الدنيا منها باعتبارها ممثلة للعامية الانجليزية أو قريبة منها.

* كيف يتم اعداد المترجم الجيد وما دور الجامعات في ذلك؟

ـ المترجم يجب أن يقرأ كثيراً على غير ما عليه الحال الآن، على أن تكون القراءة في كافة العلوم، عليه أن يلم بثقافتين ولغتين على الأقل وإن كان هذا غير كافٍ أيضاً لأن هناك أموراً تطرأ عليه عندما يترجم، وهذا ليس بالأمر السهل. والجامعات لا تعد مترجمين بل تدربهم فقط. لكن المترجم الحقيقي يقوم بجهد خاص به والبقية تأتي من خلال الدراسة أحياناً! فالمدرس لا يستطيع أن يعلم طلبته كيف يترجمون، هو فقط ناقد لترجمة الطلبة، لأن كل نص هو نص جديد حتى لو ترجمه المدرس نفسه فسيختلف عما سيقوم به مدرس آخر زميله يقوم بتدريس نفس المادة.

* لو استشرفنا المستقبل معاً، هل ستقوم التقنية الحديثة بمسألة الترجمة؟

ـ هذا سؤال جيد جداً أيضاً. الترجمة الآلية تنجح في الوقت الحاضر في أشياء محددة وأهمها مجال العلوم، وذلك لثبات المصطلحات العلمية في الغرب، وتنجح أيضاً في بعض الأخبار السياسية وأيضاً في الكتابات النثرية، لكنها لا يمكن أن تنجح في النصوص الأدبية والشعر، لأن هذه تحتاج إلى تفسير، والتفسير قد لا يكون دائماً ثابتاً، فمستقبل الترجمة الآلية مضمون في مجال العلوم، وغير مضمون في مجال الآداب، ولا أعتقد أن واضعي هذه البرامج يطمحون إلى جعل الآلة تحل محل الانسان.

* هل هناك منظمة أو جهة ترعى حقوق المترجمين العرب؟

ـ هناك فكرة عن انشاء منظمة للمترجمين العرب تسمى WATA وهي تحاول أن ترعى حقوق المترجمين في العالم العربي، فحقوق المترجمين لا تختلف عن حقوق المؤلفين. وللأسف عندما يتم نشر مؤلف ما في قطر ما تتم سرقته في قطر آخر من دون الاهتمام بحقوق، وهذا أمر يجب بحثه على صعيد العالم العربي ككل.