استعادة وقائع الماضي بإيقاع اللحظة الراهنة

ندوة قاهرية تناقش جدل الزمان والمكان والشخصية في رواية إدوار الخراط «طريق النسر»

TT

أقامت جمعية النقد الأدبي بالقاهرة ندوة لمناقشة رواية «طريق النسر» للروائي ادوار الخراط تحدث فيها الناقدان الدكتورة امينة رشيد والدكتور صلاح السروي.

وأشارت أمينة رشيد الى ان القارئ بمجرد ولوجه الى العمل سيجد نفسه إزاء عمل ملحمي، وبطل عادي تماما، مع انه يستطيع ان يفعل كل شيء في وقت واحد وهو ما يعده البعض عملا بطوليا أو ملحميا، وهنا يجب ان نفرق بين البطولة التي عاشها ناس كثيرون وتعني القوة التي تمنحها اللحظات الخاصة والبطولة التي تعني الاشياء الخارقة.

وقالت رشيد ان أهم ما يميز ادوار في هذه الرواية احتفاؤه بالمكان عبر بحثه عن المطلق، فنجده عند حديثه عن الاحياء الشعبية يجعلنا نشم رائحة هذه الاحياء بكل ما تحيل إليه، وحينما يتحدث عن الاحياء الراقية يجعلنا نشم أيضا رائحة هذه الاحياء.

وأضافت رشيد ان اهم ما يميز أسلوب ادوار في هذه الرواية الجدل المستمر بين الزمان والمكان والشخصية، ومن هنا نجد ان الاماكن عند الخراط تشكل مسارات وسرد للشخصية وللأفعال، كذلك نكهة الزمن في الرواية، وهي تعني كل ما يكون خصوصية الزمن شوارع ومحلات ومقاهي وروائح ولمسات وعلاقات، كما ان الشخصيات في الرواية فاعلة وقائمة بذاتها وباختلافاتها وباتفاقاتها، وهي شخصيات مختلفة تماما عن شخصية الراوي ومتناقضة معه في الوقت نفسه، ومع ذلك جعلنا نراها بشكل جيد مع كل هذه التناقضات وبدون ان يحكم عليها، كما ان الرواية تحفل بتعدد أصوات.

ولمحت أمينة رشيد الى ان الرواية تحمل ملامح سيرة ذاتية للخراط، ومن الممكن تتبع هذه السيرة اذا قارنا بين شخصية البطل وبين البيليوجرافيا التي تخص الكاتب في نهاية الرواية، وهو ما يؤكد ان هناك تماهيا بين الشخصيتين.

وقالت ان الخراط استطاع في هذه الرواية أن يضيء شخصياتها برغم تعددها، فالرواية تطرح أسئلة حول مدى ادانتها لنفسها، ومدى ادانة المجتمع الذي تحيا فيه، وهل هذه الادانة متعددة الأوجه أم ذات وجه واحد ورؤية واحدة، وخلصت إلى ان ادوار الخراط استخدم في روايته الادانة كمحاولة للفهم والكشف، وهو ما جعل الرواية تبدو بانوراما بالغة الاتساع توسع خيرات القارئ بالعوالم التي تتناولها فعليا.

وفي مداخلته أشار الناقد صلاح السروي الى ان الرواية اقرب لكتاب الذكريات ومع ذلك فهي أيضا مليئة بالرموز وبالشطحات وبالاحالات وبنماذج الشخصيات غير الواقعية، والاحداث التي لم تتم بشكل حقيقي، كما ان هناك عنصرا ينبغي ان يفهم في اطار تاريخية الزمان والمكان والوقائعية حيث تورد الرواية نصوصا تكاد تكون كاملة إما خطابات أو اشارات للجرائد لان روح الشخصية حقيقية وكامنة، وهذه الوثائقية موجودة عند صنع الله ابراهيم وعند الكثير من الشباب وادوار له دور في نشر هذا.

وأضاف السروي اننا في هذه الرواية يصعب تحديد النوع الروائي والذي أشار إليه ادوار الخراط نفسه بأنه نوع بلا ضفاف، وانه نوع بلا أب أو مصدر شرعي، وانه نوع لقيط، ومن ثم فهو نوع حر لا توجد له منطلقات جمالية مقدسة كما عند ارسطو بالنسبة للدراما.

وعلى ذلك فرواية «طريق النسر» ـ كما يقول السروي ـ رواية ملتبسة تقوم على ما يمكن تسميته بجدل الماضي والحاضر، فالكاتب لا يقدم لنا ما يمكن تسميته بالسارد المقيم الذي يصف ما لديه من خبرة، كما أنها مسلحة بوعي اللحظة الراهنة، ويعود بنا القهقري لاكتشاف قراءة العالم، ومن هنا تحدث جدلية قراءة الماضي بعيون الحاضر، حيث يتم تقييم الماضي بخبرات ما قدمته اللحظة الراهنة، وهذا الجدل يطرح فكرة التقييم واعادة قراءة البشر، وان ظل الحاضر طاغيا، ومن هنا فالقارئ يرى العالم القديم ليس في ذات العالم نفسه، وانما معدل وبعيون جديدة، وهو الأمر الذي يشكل ادانة لهذا الحاضر من ناحية ووعيا رهيفا به من ناحية أخرى وهو ما يجعل الرواية تكسر الرواية وتقدم تحليلا ومراجعة للذات.

وتبرز الرواية في اعتقاد السروي اسئلة حول فهم عناصر القوة والضعف داخل الانسان المذهل في تنوعه، بالاضافة الى سؤال الضرورة، الذي ينقسم الى قسمين: الضرورة الضميرية، والمادية الحياتية، والفارق بينهما كالفارق بين البنية الكلاسيكية والحداثية التي يحتفي بها ادوار الخراط في روايته ويقدم البطل الضد، أو اللابطل، وبطل ادوار تدفعه ضرورات اخلاقية، ولهذا لايستطيع ان يقدم لنا ايهاما حديثا، وانما من خلال بناء روائي قابل للاتساع وللتمدد، كما ان البطل به روح ملحمية فعند الضرورة يفعل ما يعجز الانسان العادي عن فعله، ولذلك فهذا البطل غير العادي داخله بطل عادي، ولذا فهو يتساءل دائما عن مدى الخيانة، وتطرح هذه الأسئلة حسا طهرانيا حيث يمارس البطل دائما مراجعة للذات.

ونبه السروي الى ان هناك لغة خاصة لدى ادوار تتبدى في سيولة بناء الحدث الروائي، والحلم والطاقة الشعرية الهائلة، وهناك نحتات لغوية خاصة مثل «بلولة الهواء» و«القواقع دهرية الشكل» و«تشور بيديها».

وأكد ادوار الخراط في مداخلته حول روايته انه لم يكن بذهنه الاساطير العربية عند كتابته الرواية بل كان يهرب منها، مؤكدا ان طريق النسر هو طريق غير معروف وهو طريق البحث عن المستحيل والكرامة المهدرة، وان كتابة هذه الرواية جاءت متأخرة في كتابتها لانها عاشت معه منذ عام 1952 وكل رواياته بهذا الشكل مثل «صخور السماء»، و«ترابها زعفران»، لان الرواية عادة تحتشد بداخله لفترات طويلة نسبيا.