22 قصة قصيرة تمثل الاتجاهات الأدبية القطرية

تنوع في الموضوعات والمناهج والأساليب.. والقاصات القطريات أكثر عدداً من القاصين

TT

تؤكد الدكتورة كلثم جبر في كتابها «أوراق ثقافية» أن البداية الجادة للقصة القصيرة في قطر كانت في بداية السبعينات، وتحديداً عام 1971 عندما صدرت مجلة «العروبة» القطرية، واحتضنت عدداً من المبدعين والمبدعات، ممن كان لهم شأنهم في تطوير القصة القصيرة في قطر، كما كانت لهم إسهاماتهم المميزة في هذا المجال من خلال عدد من المجموعات القصصية التي صدرت منذ ذلك التاريخ، واتضحت ملامح القصة القصيرة في قطر بشكل أوضح مع صدور بعض المجلات الثقافية، وفي مقدمتها مجلة «الدوحة» وما تلاها من دوريات رسخت أقدام القصة القصيرة، وأكسبتها نضوجاً أكثر، وانتشاراً أوسع.

ولكن على الرغم من أن مسيرة القصة القصيرة في قطر، لم تتجاوز أربعة عقود، فإننا نجد اليوم أن الأعمال القصصية القطرية تمتاز بكثير من التنوع في الأساليب والاتجاهات والموضوعات. كما نجد أن نسبة القاصات الإناث هي أكثر من نسبة القاصين الذكور، ولكل واحد من هؤلاء تجلياته الإبداعية وخصائصه الفنية واهتماماته ومعالجاته المتميزة.

وبين أيدينا اليوم كتاب يقدم لنا صورة بانورامية عن نشأة وتطور هذه القصة في قطر، صدر للدكتور عبد الله إبراهيم عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث في الدوحة تحت عنوان «القصة القصيرة في قطر ـ دراسة ومختارات».

لقد ضمت المختارات اثنتين وعشرين قصة قصيرة لاثنتي عشرة قاصة وعشر قاصين قطريين، وقد جاء اختيارها موفقاً لتقديم صورة واضحة وجلية عن واقع وتطور هذا الفن في قطر. أما دراسة الدكتور إبراهيم فقد جاءت غنية برصدها واستنتاجاتها وسعيها إلى توثيق حركة القصة القصيرة في هذا البلد العربي من وجهة نظر نقدية موضوعية. وقد انقسمت هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام تحدث في أولها عن نشأة هذا الفن في الأدب العربي التي تعود إلى العقود الأولى من القرن المنصرم، حيث عُرِف أول الأمر في مصر وبلاد الشام والعراق، ثم في المغرب العربي، وأخيراً في شبه الجزيرة العربية والخليج. وهو يرجع الاختلاف في تاريخ نشأته إلى عدة أسباب، منها: التباين الكبير في توافر السياقات الثقافية والأدبية الحديثة التي أسهمت في نشأة هذا النوع الأدبي الجديد بين بلد وآخر، والتباين في حاجات التعبير، ثم التباين في تقدير القيمة النقدية للأنواع السردية الجديدة، وأخيراً التباين في تاريخ ظهور الصحافة الأدبية التي احتضنت نشأة القصة القصيرة وكل الظواهر الأدبية الحديثة. وكانت البيئتان الشامية والمصرية سباقتين في كل ذلك، الأمر الذي دفع بظهور القصة القصيرة فيهما قبل سواهما.

ومن هنا يخلص إلى أنه ليس من قبيل الانتقاص القول بأن منطقة الخليج العربي والجزيرة كانت آخر البيئات الثقافية العربية التي عرفت هذا النوع السردي، فالسياق التاريخي في نشأة الأنواع الأدبية لا يعدّ معياراً نقدياً نهائياً في الجودة الفنية، ولهذا سرعان ما تطورت القصة في هذه البيئة الناهضة، واستأثرت باهتمام نخبة من الكتاب والكاتبات، وتقف القصة القصيرة في هذه المنطقة اليوم إلى جوار نظيراتها في البلاد العربية الأخرى، ومرد ذلك العناية بها، وتوافر سبل نشرها، وانصراف مجموعة كبيرة من الكتاب إليها، وظهور الوسائل الثقافية الداعمة لها.

ولدى حديثه في القسم الثاني عن بعض سمات القصة القصيرة في قطر، يذهب إلى أنها شأنها شأن القصة العربية عموما، قد انخرطت في الهموم العامة والهموم الشخصية، فبنيتها الدلالية متصلة بالمرجعيات الثقافية التي قامت بتمثيلها، وتنوعت فيها أساليب السرد بين الصيغ الذاتية والموضوعية، وشهدت مظاهر تجريب كثيرة، منها ما يخص الاستغناء عن الحركة السردية، ومنها ما يخص تخطي الوصف التقليدي في بناء الحدث وبناء الشخصية، وتوظيف تقنيات السرد الحديثة كالتداعي الحر والمناجاة وتيار الوعي، وتراكم الوقائع، وغير ذلك.

أما القسم الثالث من الدراسة فقد كرسه الدكتور إبراهيم للقصص المختارة التي يضمها الكتاب، والتي تكشف تنوعاً في أساليب السرد، وفي البناء، يرده إلى وجود نزعة التحول الدائمة، والرغبة في التجريب، موضحاً أنه من الصعب تصنيف القصة القطرية تبعاً لمجموعة من المذاهب أو المدارس الأدبية، ذلك أن تلك المذاهب تتصل بالسياقات الثقافية الحاضنة للنصوص، وقد انبثقت عن شروط خاصة بالثقافة الغربية، ووصلت أطياف من تأثيراتها إلى الثقافة العربية في وقت متأخر، كالمذاهب الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والسريالية والرمزية، وقد تخطى النقد الأدبي إمكانية قبول أي تصنيف أدبي يقوم على الموضوعات من دون سواها، وفي ضوء التطورات المنهجية الحديثة في النقد، فمن المستحسن النظر إلى الأعمال الأدبية في ضوء الأبنية السردية والأسلوبية والدلالية.

وإذا ما انتقلنا إلى القصص المختارة التي ضمها الكتاب سنجد أنها كما أكد الدكتور إبراهيم في دراسته تكاد تغطي الموضوعات الأساسية والكبرى التي عالجتها القصة القطرية القصيرة خلال مسارها القصير، وهي تكشف تنوعاً واضحاً في طرح المشكلات الكبرى وتمثيلها، وتفصح عن تباين الكتاب في نزعاتهم واتجاهاتهم وأساليبهم التعبيرية، كما تدلل على أن القصة القطرية انخرطت في معمعة القضايا الأساسية للمجتمع القطري، ولم يبخل كتابها بجهودهم في تجريب إمكانات السرد ووسائله في قصصهم، فاختلاف الرؤى، وطرق المعالجة، وصور الأداء الفني، مظاهر كثيرة تفتح الطريق أمام هذه الظاهرة الأدبية الجديدة، وتدفع بها إلى تجريب قدرات كتابها في المستقبل.

كما نجد أن نصوص القاصات تزيد عن نصوص القاصين بنصين، وهذه علامة جيدة تؤكد نشاط وعطاء القاصة القطرية. وقد جاءت النصوص منشورة وفق التسلسل التالي: «وجع امرأة عربية» لكلثم جبر، «الزواج السابق» لأحمد عبد الملك، «السيدة الجليلة» لهدى النعيمي، «رجل الخير» ليوسف النعمة، «حب وكراهيةش لخليفة هزاع، «التجربة» لإبراهيم المريخي، «بيت العنكبوت» لنورة آل سعد، «الغربة» لحسن رشيد، «تلك الليلة» لمايسة الخليفي، «الكرباج» لوداد الكواري، «الخطوة الأخيرة» لأم أكثم، «الثقب» لدلال خليفة، «المَراجِم» لنورة محمد فرج، «البلاغ» لمحسن الهاجري، «الاختيار الصعب» لأمينة العمادي، سالبدء من جديد» لحصة العوضي، «رعشات إثارة» لناصر الهلابي، «حبّة القلب» لفاطمة الكواري، «فئران وحجارة» لجمال فائز، «أوراق الخريف» لزهرة المالكي، «بياض وسواد» لراشد الشيب، «البؤرة» لأحمد عبد السلام.