دراسة مغربية عن السرد النسائي العربي

TT

عرفت السنوات الأخيرة تراكما في الانتاج السردي للمرأة العربية، توازي مع ظهور مصطلحات تحدد علاقة المرأة بالكتابة من خلال تعابير مثل: «أدب الأنثى»، «أدب المرأة» و«الكتابة النسائية»، وأثيرت نقاشات ساخنة في مجموعة من اللقاءات والندوات حول كتابة المرأة، وتباينت المواقف بين رافض لهذه التعابير والمصطلحات ومقر بأن الكتابة الأدبية واحدة. لكن بالموازاة مع ذلك التراكم الابداعي وظهور التصنيفات، لم توجد دراسات أدبية دقيقة تنظر لتلك المفاهيم أو لغيرها بغرض الكشف عن الغموض الذي يعتري كتابة المرأة بشكل عام وينأى بسؤال المرأة عن لغة التهميش والتصنيف.

وانطلاقا من هذا الهاجس المعرفي والرغبة في تطوير نظرية الأدب ووضع علاقة المرأة بالكتابة ضمن سياق السؤال النقدي، تأتي الدراسة التي قامت بها الناقدة المغربية زهور كرام الصادرة أخيرا عن «دار نشر المدارس» بالدارالبيضاء في كتاب تحت عنوان «السرد النسائي العربي: مقاربة في المفهوم والخطاب»، لتساهم في ازالة الغموض الحاصل على مستوى ما يصطلح عليه بأدب المرأة ومقاربة الخطاب الابداعي والنقدي العربي والمنطلقات التي توجه تصوراته وما مدى مشروعيتها وتماشيها مع نظرية الأدب بشكل عام. ووزعت دراستها الى قسمين: الأول يبحث في أصول المفهوم وتشكلاته عبر ثلاثة فصول، الأول تطرح فيه تعدد الأطروحات وتشكل مفهوم «الكتابة النسائية»، والفصل الثاني تخصصه لابداع النسائي بين الخصوصية ورد الاعتبار، ثم الفصل الثالث لمظاهر تجسيد الابداع النسائي. والقسم الثاني تقارب فيه مجموعة من الأعمال الروائية العربية من «أنا أحيا» لليلى بعلبكي باعتبارها أول رواية تؤسس لسؤال المرأة في الكتابة وانتقال ضميرها من موقع المفعول به الى موقع الفاعل، و«مسك الغزال» لحنان الشيخ، و«مذكرات امرأة غير واقعية» لسحر خليفة، باعتبارهما روايتين تعبران عن شكل امتداد الرؤية في «أنا أحيا» وعن تطوير لزمن المرأة الحديث على المستوى الابداعي. لتخلص الكاتبة الى مجموعة من الاستنتاجات، تؤكد في أولها على أن مصطلح «الابداع النسائي» يشوبه الكثير من الغموض بسبب عدم تحديد الاشكالية في إطارها المعرفي وهو ما يؤثر سلبا على تطوير الدرس الأدبي من جهة ويعرقل المسألة النسائية من جهة أخرى.

ومن أجل إعادة تأمل هذا المصطلح في شروطه النظرية والتجريبية اقترحت الكاتبة مجموعة من التصورات يجب اعتمادها، في نظرها، في قراءة السرد النسائي العربي باعتباره آلية اجرائية للاشتغال، حيث ذكرت «حينما نتحدث عن الابداع النسائي، فليس معناه أن المرأة تدخل في صراع مع الرجل من أجل الغاء موقعه، أو تستثمر منطق الثقافة السائدة في أسلوب التهميش والتغييب، وإنما بهدف الدعوة الى إعادة النظر في اللاتوازن الانساني. إن مصطلح «الابداع النسائي» لا يعني كل كتابة تنجزها المرأة، وتتحدث عن مواضيع تهم المرأة، ولكنه يعد آلية إجرائية توجد مظاهرها في بعض النصوص من ابداع نساء من دون أن يعني كل نصوص النساء. وتسمح هذه الآلية بتأسيس بناء تطرح من خلاله الكاتبة منظورا جديدا للمتداول من المفاهيم (الحب، الجنس، المرأة، الرجل، الزمن، الحرب)، ذلك أن التفكير العام اعتاد تداولا حول هذه المفاهيم، وعملت مختلف الأشكال التعبيرية على إعادة إنتاج نفس التداول حتى بقلم الكاتبات». وتضيف زهور كرام أن ليس كل ما تكتبه النساء يمكن ادخاله في حيز «الابداع النسائى»، لأن هذا الأخير يمكن اعتباره رؤية نقدية توجه القراءة وتحدد شروطها، انطلاقا من سؤال الاختلاف والتميز والجديد الذي نبحث عنه في كتابة المرأة. فإذا كانت شهرزاد ـ كما تقول ـ قد «أنقذت جنسها الأنثوي من الموت المرتقب من قبل شهريار، فإن المرأة ـ المبدعة تستطيع أن تنقذ جنسها من الوأد المعنوي عبر الفعل في اللغة والثقافة معا، وعبر إخراج المرأة من صورة تعددية المواصفات إلى صورة الذات القائمة بذاتها وفعلها».