سامي شورش: بناء الديمقراطية لن يتحقق من دون ثقافة جديدة

وزير الثقافة في حكومة بارزاني: الفكر الإرهابي في العراق يستمد وجوده من ثقافة السلطة السابقة

TT

يرى سامي شورش وزير الثقافة في حكومة مسعود بارزاني في حديث له مع «الشرق الأوسط» ان ثقافة الديمقراطية هي السلاح الامضى لمحاربة الفكر الارهابي الذي بدأ يعشعش في العراق واخذ ابعادا خطيرة في الفترة الاخيرة، لكنه يشترط لضمان اشاعة هذه الثقافة ان تسبقها خطوة مهمة وهي، كما يقول، «اقتلاع جذور ثقافة السلطة التي زرعتها السلطة الصدامية طوال نيف وثلاثين سنة الماضية وهي ثقافة تقوم على اساس مبادىء الانتقام والكراهية والحقد وبغض الانسان وقمع حقوق الفرد والمجتمع معا وتحويل الانسان الى آلة في يد الدولة لخدمة اهدافها السياسية».

ودعا شورش إلى «استئصال هذه الثقافة من مناهجنا الدراسية ومن اروقة مجتمعنا، فهذه الثقافة المستندة الى الايديولوجيا البعثية يجب اقتلاعها من ارض العراق واشاعة ثقافة الانسان العراقي بدلا عنها لكي نضمن فتح الطريق امام الطاقات الشابة والابداعات العلمية والادبية والانسانية ونعطيها فسحة كافية للتحرك من اجل اعادة بناء البلد على اسس جديدة».

وكان شورش الذي تسلم حقيبة الثقافة في حكومة بارزاني حديثا محاطا بعدد من رواد الثقافة والادب والفن الكردي لحظة دخولنا عليه يناقشهم في خطة عمل الوزارة التي تستند، كما أوضح، «الى العمل من اجل الحفاظ على الهوية الكردية المتميزة واعادة صياغة البنيان الثقافي الكردي، هذا البنيان الذي تعرض الى الهدم على ايدي النظام السابق والعديد من الانظمة السابقة التي حكمت كردستان امتدادا إلى الامبراطوريات والدول التي قامت على انقاضها والتي حاولت بكل قوتها تدمير الكيان الثقافي للشعب الكردي، فهؤلاء لم يكتفوا بالتدمير الجسدي او الاقتصادي بل امعنوا حتى في تفكيك بنيان المجتمع الكردي وطمس ثقافته المتميزة، ومن هنا فان وزارتنا تعمل وفق توجيهات رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني لوضع خطة من ملامحها الاساسية العمل على اعادة صياغة البنيان الثقافي الكردي الذي تعرض الى حروب مدمرة على ايدي النظام السابق».

ولكن كيف يكمن ضمان أن لا تصطدم الخصوصية الثقافية الكردية مع خصوصيات الاخرين في العراق، في العراق ككل، وفي كردستان بشكل خاص؟

يقول وزير ثقافة حكومة بارزاني: في ظل الوضع العالمي الجديد يجب ان لا تتعارض خصوصيات اية قوميات مع الاخرين، وهذا ما نعمل من اجله الان، نحن نحاول ان تتكامل كل الخصوصيات في اطار وطن واحد يتسع للجميع. لذلك اعتقد بأن تمسكنا بخصوصيتنا لن يضر احدا بل يفتح الابواب امامنا للتواصل والانفتاح على الآخر وبناء المستقبل بيد الجميع. نحن نعتقد بان تمسكنا بخصوصيتنا القومية يتكامل مع تمسك التركمان والعرب والاشوريين بخصوصياتهم وسماتهم القومية في العراق فلا تعارض بين جميع هذه الخصوصيات، كما نعتقد بان هناك تجاوبا من هؤلاء معنا فهناك تفهم للعرب والتركمان والاشوريين وكل الفئات القومية الاخرى لحقوقنا كما نحن نتفهم حقوقهم وخصوصياتهم. لكن مع ذلك فهناك في كل شعب او فئة معينة اشخاص يحملون افكارا شوفينية او انعزالية لا تستوعب الاخرين، ولكننا نعتبرها مرفوضة ولا اعتقد انها ستعيق تطلعاتنا الى العيش مع الاخرين بسلام ووئام، فهناك قاعدة عريضة وواسعة من العرب والتركمان، اشخاص ومنظمات وشرائح كبيرة تتفهم حقوقنا ويتعاونون معنا ونحن نتعاون معهم من اجل اعادة بناء البلد.

وحول حركة النشر والثقافة في كردستان اليوم، قال سامي شورش ان هناك حركة نشطة ودائبة لافتة للنظر في الاقليم، فهناك عشرات الكتب ومئات الصحف والمجلات تصدر اما بشكل يومي او اسبوعي او دوري. وهناك العديد من المؤسسات الاعلامية تقوم بنفس نشاطات الوزارة في دعم حركة النشر والمطبوعات، فالحركة اذن موجودة ولكن الامر يحتاج الى اعادة تنظيم على شرط عدم المساس بالثوابت الاساسية وفي مقدمتها حرية النشر والثقافة وعدم تدخل الحكومة من خلال الرقابة او اية قيود اخرى على حرية التعبير والنشر، فالحكومة مهتمة جدا بتوفير اجواء الحرية والديمقراطية امام الكتاب لممارسة دورهم الابداعي وتوفير السبل لنتاجاتهم الفنية والادبية والاكاديمية.

كان شورش احد الصحافيين القدامى الذين عاشوا في ظروف المنفى والبعد عن الوطن، وله علاقات واسعة بالمثقفين والمبدعين العراقيين، سألته «الشرق الاوسط» عن تقييمه لواقع الثقافة العراقية وبالذات المشهد الثقافي في الوقت الراهن؟ فاجاب: العراق نهض لتوه من حقبة الظلام التي خيمت عليه، وفترة النهوض هذه لا تتعدى سنة ونصف السنة، يعيش العراق فيها اوضاعا امنية غير مستقرة، واوضاعا اقتصادية صعبة بدورها. وبالطبع يعاني ايضا من اوضاع ثقافية صعبة، فنحن نعلم بان النظام السابق شطب على كل الاقلام الاصيلة والشريفة وكذلك الفنانين والباحثين والاكاديميين الذين كانوا يعملون بجد وحماس من اجل تطوير الثقافة العراقية، الان بعد زوال النظام ينبغي علينا اعادة الاعتبار لهؤلاء واعطاؤهم الدور الذي كانوا يتطلعون اليه، علينا ان نعيد دور الصحافة والثقافة والادب والفنون في المساهمة لبناء الوطن وتحقيق تقدمه. المثقفون شريحة مهمة جدا ينبغي ان نعطيهم دورهم الحقيقي ونحترم الاقلام والطاقات المتميزة التي تبني البلد، فنحن نعتقد بأن بناء الديمقراطية التي ننشدها لن يتحقق من دون ثقافة جديدة وهؤلاء هم اداة هذه الثقافة، كان صدام حسين يحاول زرع ثقافة السلطة وفرضها على العراقيين. الان جاء دورنا لنقتلع تلك الثقافة الممسوخة ونزرع بذور ثقافة بديلة تجعل العراق مركز جذب ثقافي في منطقة الشرق الاوسط، مركزا يبشر بديمقراطية وقيم جديدة تؤمن بالتعددية والتسامح وقبول الاخر وهذه مقومات اساسية للثقافة الجديدة سواء في المنطقة او العالم.

ولكن ألا يعيق نمو الفكر الارهابي والقوى المتطرفة في العراق الامال في تحقيق الثقافة الجديدة المنشودة؟

يقول شورش: الفكر المتخلف المنغلق لا يقتصر على العراق وحده، فهذا الفكر الذي اسميه بالفكر المشجع للارهاب يشمل معظم الدول العربية، ومن دون شك فان هذا الفكر اخذ ابعادا خطيرة في تحركاته لاسباب معروفة في الفترة الاخيرة. ولكني اعتقد بان اشاعة ثقافة الديمقراطية هي السلاح الأقوى والامضى لمحاربة هذا الفكر، شرط ان تسبقها خطوة مهمة وهي اقتلاع جذور ثقافة السلطة التي كرسها النظام الصدامي السابق والتي تقوم على اساس البغض والحقد والكراهية للانسان وتحوله الى آلة بيد السلطة لتنفيذ سياساتها الخاطئة والحاقدة تجاه المجتمع.علينا ان نستأصل ثقافة وايديولوجيا البعث الصدامي من مناهجنا الدراسية ومن مجتمعنا ونزرع بدلا عنها ثقافة الانسان العراقي الجديد لنفتح بذلك الابواب امام جميع الطاقات الشابة للمساهمة في بناء البلد. ان اتاحة الحريات الفردية وحرية التعبير والنشر سيفتح امامنا افقا واسعا لتطور الديمقراطية وهذه العملية بمجملها يمكن ان تؤدي الى تضييق مساحة تحرك الفكر الارهابي المضاد. الارهاب يجب معالجته باجراءات امنية لكن يجب ايضا ان تتوازى مع اساليب ثقافية وفكرية صحيحة تمهد لنجاح جهود جميع الاطراف للقضاء على هذا الفكرالمتخلف.. يجب ان تكون هناك ثقافة ديمقراطية اصيلة ومتفتحة لنتمكن من تضييق مساحة التحرك امام الفكر الارهابي، فكلما غابت الديمقراطية نمت وترعرعت الافكار الارهابية، فلكي نمنع ونقطع الطريق امام بروز تلك الافكار أعود لاكرر مرة اخرى حاجتنا الى ثقافة الديمقراطية التي هي ضمانة لمستقبل بلدنا.