الموت يخطف الفنانة العراقية نهى الراضي

TT

اغمضت الفنانة والكاتبة العراقية نهى الراضي عينيها الذكيتين، للمرة الاخيرة، في بيروت مساء اول من امس، واستسلمت للمرض الذي تسلل الى دمها ولم يمهلها سوى اشهر، ولو امهلها لتمكنت من اصدار كتابها الجديد الذي سجلت فيه يوميات الحرب الاخيرة على العراق، ليكون بمثابة جزء ثان للكتاب الشهير الذي اصدرته بعد حرب الكويت وترجم الى لغات عدة.

عاشت نهى الراضي، المولودة في بغداد عام 1941، حياتها وهي تنظر الى العالم بعيني طفلة شقية مسكونة بالفضول، تتعامل مع الاحداث المحيطة بها وكأنها دمية من الطين تعيد تشكيلها بكفيها البارعتين حسب هواها، وتنجح في اشاعة البهجة حتى في اكثر المواقف قتامة. وكان لنشأتها في ايران ثم في الهند، حيث عمل ابوها سفيرا اواسط القرن الماضي، اثر في ولعها بالمنمنمات الفنية وفي اتقانها اللغة الانجليزية. كما ان ارثها العراقي ربطها بحضارة الطين في وادي الرافدين وترك بصمته على اعمالها.

درست نهى الراضي في الجامعة الاميركية في بيروت، وهي الجامعة التي عادت للتدريس فيها بعد ان درست فن الخزف في معهد بيام للفنون الجميلة في لندن. واقامت العديد من المعارض في العراق وخارجه، ووصلت اعمالها الى برلين ولندن وواشنطن، وزينت جدارياتها مباني وشوارع عدة في بغداد، قبل ان تمتد اليها يد العبث في الحرب الاخيرة.

وكشفت الراضي عن موهبة ادبية مثيرة حين سجلت باسلوب يجمع بين النباهة والفكاهة وسعة الاطلاع، يوميات الناس في بغداد خلال قصفها عام 1991، وما تلا ذلك من مفارقات سنوات الحصار. وصدرت اليوميات بالانجليزية والعربية وترجمت الى لغات اخرى، وكانت سببا في حرمانها من العودة الى العراق في السنوات الاخيرة من عمر النظام الماضي، لانها قالت الحقيقة بدون تزويق.

عادت الراضي الى بغداد مع بداية الحرب الاخيرة، واتيح لها ان تتابع وقائع ايام التخريب والنهب بفضل مرافقتها لفريق تلفزيوني اجنبي، وكانت تنوي اصدار مشاهداتها في كتاب. لكن يبدو ان ما رأته عيناها قد خض دمها، فأصابها المرض في الدم لتنضم الى قائمة العراقيين الذين كتبت عنهم تقول ان السرطانات بينهم قد تضاعفت بسبب سموم اسلحة الحروب.

وكانت الراحلة تخطط للسفر الى اسبانيا هذا الشهر، لحضور حفل بمناسبة صدور الترجمة الاسبانية ليومياتها البغدادية، لكن الموت خطفها بخفة اثناء جلسة علاجية في بيروت، بيتها الثاني الذي كتبت عنه: «لا يمكن للمرء ان يتمنى مكانا افضل من لبنان يلجأ اليه».

ماتت نهى الراضي بالخفة ذاتها التي حلمت بها في يومياتها البغدادية: «هو حلم مجنون رأيته قبل ليال.. رميت نفسي من عمارة ذات عشرة طوابق لانها كانت الطريقة الوحيدة للنزول. لم اكن خائفة وكان الامر مسليا. كل من كانوا تحت اخذوا يصيحون ويقولون: ستموتين، وحاولوا ان يمسكوا بي كي لا اسقط بقوة على الارض. ولكني هبطت بنعومة وكل شيء كان على ما يرام».