التشكيلي العراقي محمد البلداوي: تعلمت أسرار صناعة الحبر.. في الحلم

TT

بدأ الفنان العراقي محمد البلداوي سيل حديثه رافضا لغة الاسئلة الجامدة وآليات الحوار التقليدي الذي لا روح فيه..

يحاكي الفنان لوحاته بحركة مسرحية داعيا اياها واحدة.. واحدة.. للوقوف امامنا. ويقول: هل تعلمون بانني فنان مسرحي ايضا؟.. استغربنا.. وقبل ان نسأل اضاف بفرح طفولي: وموسيقي ايضا.. ويضيف: وهل تعلمون بأن لي قوة غير مرئية تتجسد حين اسعى وأصر على معرفة شيء وفي هذا الامر حكاية طريفة ارويها لكم: ان هاشم الخطاط (المعروف) كان يجلب الينا ـ في معهد الفنون عام 1960 ـ حبرا مختلفا عن الحبر الذي نستخدمه، وكان يغلف الاستفسار عن مصدر هذا الحبر بالسرية والغموض والحرص مما اثار فضولي وكثرة تساؤلاتي حيث عرفت بأن في الشام شخصا (معمما) اسمه عبد الحكيم الافغاني كان يصنع هذا النوع النادر من الاحبار، علما ان هناك انواعا عديدة من الاحبار تمتاز بالجودة مثل حبر البصل ـ الخاص بالرسائل السرية وحبر العفص ـ حيث يدق ويحرق وحبر النارنج وغير ذلك من الاحبار التي درست برسالة ماجستير عام 1964، اما افضل انواع الحبر فهو حبر دخان النفط (السخام) اما عمله فكان يتطلب مني معرفة المقادير والكيفية لاحصل على الحبر الذي يخفي اسراره عنا هاشم البغدادي حتى حلمت ذات ليلة بأستاذ يشرح لي اسلوب صناعة الحبر بمعونة آلهية حيث قدم لي صحنا من العسل وقال لي اخلط الدخان بهذا الصحن ستحصل على الحبر المطلوب، وفعلت ذلك في اليوم التالي ونجحت نجاحا كبيرا..!

وهكذا امتلكت سر صناعة الحبر واخذت اتعامل معه تعاملا كيانيا وجماليا محصنا.. ويقول الفنان محمد البلداوي بعد ان استرخى من الحديث المنفعل حول الحبر وذكرياته وهاشم الخطاط والفنانين الرواد..

ولدت في الكرخ ـ الفلاحات.. وقد توفي والدي وانا صغير وقد بقيت مع امي واخواتي الايتام حيث كان هناك شخص ملثم يأتي الينا يوميا ويقدم لنا المعونة طيلة اربع سنوات ولم اعلم حتى الان من هو هذا الملثم..

وقد برزت مواهبي عند الدراسة الابتدائية حيث بدأت بتكبير صور مادة القراءة ـ في الاول الابتدائي ـ وقبلها درست في الكتاتيب (الملا) حيث كان التعليم بطيئا ومحددا، ورغم ذلك اعجبت بمسك القصبة التي يخط فيها (الملا) اجمل الخطوط حيث شعرت بسحر تلك القصبة وجلبت (تنكة) و(كاغد) وحاولت ان أقلد (الملا) حيث انجذبت الى الحرف العربي من دون ان اعرف القراءة والكتابة..

وكما قلت فأنني أخذت تكبير الصور في الابتدائية الامر الذي اثار استغراب (المعلم) واعجابه باللوحات حتى أصبحت عند الرابع الابتدائي رسام المحلة المعروف..

كما طورت حساسيتي الفنية بالاهتمام بالموسيقى وسماعها وتعليم آليات الفنون واسرارها كذلك اجدت فن الكتابة حيث انني كتبت ـ وانا في الثاني المتوسط عام 1959 ـ أنشاء شعريا بعد ان قرأه الاستاذ والمهتمون بالادب اعدوه قصيدة جميلة موزونة تحظى بكل شروط القصيدة.

ثم تحدث الفنان البلداوي عن رحلته وذكرياته في الدراسة والتدريس ورحلاته في العلم والشخصيات التي عمل معها والتقى بها والتي اثر بها واثرت به ورأى ان لكل مدينة فنها الخاص بها لان الفن هوية حضارية للدولة او المدينة..

ويقول البلداوي انني لم انتم لأي حزب فلو كان هناك حزب فني لانتميت اليه ولو كان فيه قتال شديد..

ويقول ايضا: دخلت معهد الفنون الجميلة عام 1960 ـ في الدراسة المسائية بينما كنت صباحا ادرس في الاعدادية، وتعينت حسب شهادة المعهد عام 1965 حيث ذهبت الى السعودية لتدريس الخط والزخرفة وعملت هناك في الصحف منها جريدة «اليوم» في الدمام حيث كنت امارس الكتابة والخط.. وحاليا ادرس في معهد الفنون الجميلة الخط والزخرفة.

ويقول البلداوي: مهنتنا جميلة وصعبة وهناك من يتمسك بها رغم افلاسه بسببها!

ويقول عن تجربته انه يسعى للحفاظ الدائم على التراث والاصالة رغم اطلاعه على الفنون الاوروبية الحديثة، وقد سعى لخلق جيل فني يعنى بالاصول العربية في الخط والرسم.