وزير الثقافة اليمني: الإعلام العربي يتجاهل الأنشطة الثقافية اليمنية لأنه إعلام سياسي وترفيهي

خالد عبد الله الرويشان: العمل الثقافي في اليمن لا يمكن اختزاله في مجرد موقف سياسي أو حزبي عابر

TT

منذ انطلاق فعاليات «صنعاء عاصمة للثقافة العربية» للعام الحالى 2004 تحولت وزارة الثقافة والسياحة اليمنية الى ورشة عمل كبيرة يقودها الوزير خالد عبد الله الرويشان بنفسه لتنظيم مختلف الفعاليات والانشطة يعاونه عدد كبير من الادباء والمثقفين الذين جندوا انفسهم لانجاح هذه التظاهرة الثقافية.

وتمخضت حالة الاستنفار هذه والعمل الدؤوب عن انجاز جملة من الفعاليات كانت حصيلتها حتى نهاية النصف الاول من هذا العام 335 فعالية ثقافية مختلفة واصدار 150 كتابا في مختلف مجالات الثقافة والادب والمعرفة وتكريم 160 شخصية ادبية وفنية وثقافية من رموز الحركة الثقافية والادبية والفنية اليمنية بمختلف اجيالهم بالاضافة الى 38 فعالية ثقافية عربية واجنبية.

التقت «الشرق الاوسط» وزير الثقافة والسياحة اليمني خالد عبد الله الرويشان ببيت الثقافة بصنعاء حيث تقام معظم الفعاليات وأجرت معه الحوار التالي:

* ما تم انجازه من فعاليات مختلفة خلال النصف الاول من عام اعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية للعام 2004 الى اي حد كان مترجما لطموحاتكم في ابراز وعكس خصوصية الواقع الثقافي اليمني كاحد ابرز اهداف هذا العام ؟

* على ان اعترفا في البداية ان ما تم تقديمه حتى الان من فعاليات لا يعكس الا النذر اليسير من التراث الثقافي اليمني المتنوع فهناك العديد من الاشكال الثقافية التراثية لم تتح لها الفرصة للحضور في مناسبة كهذه ربما بسبب كثرة وتنوع تراثنا اليمني والذي ربما يحتاج الى اعوام ثقافية وليس عام واحد لابرازه ولكن مع كل ذلك يمكنني القول ان الزخم الثقافي الذي شهده النصف الاول من هذا العام الثقافي كان الى حد كبير مترجما لطموحاتنا.

* وفقا لذلك الى اي حد يمكن القول ان اعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية ساهم في اخراجها من حالة العزلة الثقافية التي كانت تعيشها عربيا على الاقل؟

*ـ اذا نظرنا الى تجارب العواصم العربية التي سبقتنا في تنظيم اعوام ثقافية ربما نجد ان صنعاء لم تكن حاضرة كما يجب كما ان الاعلام العربي لم يعن كثيرا بعكس فعاليات الاعوام الثقافية العربية لان مشكلة الاعلام العربي انه اعلام سياسي ترفيهي والمسائل الثقافية ليست من اولوياته. وفعاليات صنعاء كعاصمة للثقافة رغم حيويتها وتنوعها لم تكن حاضرة في برامج الاعلام العربي للاسف لكن الفضائية اليمنية كوسيط فعال ومؤثر تبذل جهودا اضافية في ابراز هذه الفعاليات، وعموما استطيع ان ازعم ان ما حظيت به صنعاء كعاصمة للثقافة العربية من اهتمام اعلامي ربما لم تحظ به عواصم عربية اخرى سبقتها في تنظيم مثل هذه المناسبات وقد يرجع هذا الاهتمام الى نوعية وفرادة الفعاليات الثقافية التي احتصنتها صنعاء.

* معنى ذلك انكم تمكنتم خلال النصف الاول من هذا العام وعبر هذه الفعاليات من تحريك حالة الركود الثقافي الذي ظل مخيما على الساحة الثقافية اليمنية ؟

*ـ ربما كانت ابرز مميزات هذا العام الثقافي هي ابراز ابداعات المقبلين من الارياف والمناطق النائية في مختلف مجالات الفن والادب والموسيقى والغناء والازياء والرقص الشعبي وفنون العمارة وغير ذلك من اشكال التعبير الابداعي فخلال الشهرين الماضيين مثلا اقمنا معارض تشكيلية لاكثر من 70 فنانا وفنانة معظم هؤلاء يعرضون اعمالهم للمرة الاولى كما ان اكثر من نصفهم من الفتيات والميزة الاخرى التي نلاحظها هي ارتفاع مستوى الوعي لدى الافراد والمنظمات الاهلية والمدنية باهمية الحفاظ على مقومات التراث الثقافي بمختلف اشكاله وتجلياته.

* ولكن ما مدى تفاعل رجل الشارع العادي مع فعاليات صنعاء عاصة للثقافة العربية؟

*في هذا الجانب ارى ان العمل الثقافي هو على مستويين اساسيين مستوى جماهيري وتندرج في اطاره فعاليات كالغناء والموسيقى والرقص الشعبى وآخر ربما كان نخبوي ويشمل فعاليات كالشعر والادب والفن التشكيلي والندوات الفكرية، وعلى المستويين يمكن القول ان رجل الشارع العادي مهتم بمتابعة هذه الفعاليات على اكثر من مستوى سواء من خلال ما يعرضه التلفزيون او ما تكتبه الصحف او من خلال حضوره مختلف الفعاليات فهو يعيش هذه الحالة الثقافية الاستثنائية ويتابعها باهتمام وهناك حضور غير مسبوق في كافة الفعاليات التي يجري تنظيمها.

* هل استطعتم من خلال هذه الحالة الثقافية الاستثنائية تذويب الجليد في علاقة المثقفين بوزارة الثقافة اعني مثقفي المعارضة؟

*كلمة مثقف بحاجة الى مراجعة واعادة تقييم واعتقد ان اهم شرطين لاطلاق هذه الصفة هما موسوعة المعرفة ونضج الرؤية والتحلي بالالتزام والمسؤولية.. والنظر للعمل الثقافي في بلد كاليمن لا يمكن اختزاله في مجرد موقف سياسي او حزبي عابر والمسألة ببساطة ان هذا البلد يمتلك تراثا ثقافيا قيما علينا ان نستشعر المسؤولية تجاهه باعتباره احد اهم مكونات الهوية الحضارية والثقافية بصرف النظر عن خلافاتنا السياسية وتباين مواقفنا ووجهات نظرنا.

* قلت في مؤتمر صحافي انك لا تقرأ الصحف اليمنية وتلومها في ذات الوقت على عدم تغطيتها لفعاليات صنعاء عاصمة للثقافة الامر الذي اثار لغطا وكان مأخذا عليك؟

*اذا افترضنا اننى قلت ذلك فهل معنى ان الوزير لا يتابع ان لا تقوم الصحافة بدورها، اعتقد ان في هذا ظلم للوزير وللثقافة ومن المؤسف ان تتحول صحفنا الى صحف جنايات وحوادث ووشايات وتغفل كل هذه الفعاليات والزخم الثقافي. وانا عاتب على الصحافة ليس بسبب ما تنشره حول الثقافة ولكن حول ما ينشر بشكل عام وأرى ان لدينا صخبا اعلاميا اكثر مما يجب ولا يتناسب مع طبيعة المجتمع اليمني كمجتمع محافظ والعبرة ليست في ماذا نقول ولكن في كيف نقول وبمسؤولية فالامر بحاجة الى ميثاق شرف يلتزمه الجميع حفاظا على الامن والسلام الاجتماعيين اما بالنسبة لمسألة القراءة والمتابعة ربما لا تتيح لي مسؤولياتي وانشغالاتي متابعة كل هذا الكم من الصحف ولا يعني ذلك انني لا اتابع مطلقا كما ان القراءة ليست المصدر الوحيد للمعرفة فانا مثلا قد تضيئني كلمة وربما التقي انسانا اشعر معه انني ولدت من جديد وقد استمع الى مقطوعة موسيقية فيمسني نور ما.

* ما الذي ستقدمه صنعاء كعاصمة للثقافة لقطاع الاثار وبما يمكن من ايجاد سلطة اثارية فاعلة تحد من النهب والعبث الذي يتعرض له هذا القطاع؟

*الحديث عن الاثار في اليمن حديث ذو شجون واعتقد ان الوزارة اتخذت بهذه المناسبة العديد من الاجراءات الهادفة لوضع حد لما يعانيه قطاع الاثار تمثلت في ايجاد قيادة جديدة لهيئة الاثار والمتاحف والمخطوطات وايضا من خلال العمل على ترميم المتحف الوطني واستكمال البنيات الاساسية باقامة عدد من المتاحف في عدد من المحافظات الاخرى وشراء القطع الاثرية والمخطوطات التي بحوزة بعض الافراد وهناك مفاجأة اخرى يعدها رئيس الجمهورية وهي عبارة عن متحف متكامل سيسلم للوزارة ليكون واحدا من اكبر المتاحف في الوطن العربي.

* لكن ما يحتاجه قطاع الاثار اكثر من ذلك؟

*هذا صحيح ولكن لا بد ان تعرف ان اليمن كله اثار سواء في باطن الارض او تحتها نحن لدينا 106 آلاف وحدة سكنية بنيت قبل الاسلام وتعتبر كلها مبان اثرية ولدينا العديد من المدن التاريخية وآلاف المساجد والقلاع والحصون المنتشرة في انحاء البلاد فضلا عما هو موجود تحت الارض من اثار لم يكشف النقاب عنها بعد، فكل هذا الارث بحاجة الى امكانيات ضخمة للحفاظ عليه ربما تفوق امكانياتنا ومع ذلك نعمل مع منظمات دولية وجهات مهتمة من اجل توفير الامكانيات التي تصون هذا الارث الضخم.

* وماذا عن الفعاليات المتبقية من برنامج صنعاء عاصمة للثقافة العربية للعام الحالي 2004؟

*الواقع انه ما زال لدينا كما هائلا من الفعاليات والانشطة المحلية والعربية والاجنبية لكننا سنحاول فيما تبقى من العام الثقافي التركيز على النوعية والكيف مع تأكيدنا ان صنعاء عاصمة للثقافة هي مجرد احتفاء واحتفال وفي ذات الوقت منطلق لعمل ثقافي متكامل يؤتي ثماره على البعيد من خلال العمل على استكمال البنى التحتية الاساسية والتي من وجهة نظري ليست بناء المسارح والمكتبات ودور السينما لكنها قبل ذلك هي الحفاظ على الارث الثقافي واعادة ترتيبه على نحو يمكن من استلهامه واستنطاقه.