العرض المسرحي المصري «يا غولة».. فكرة مستهلكة ومعالجة سطحية ضاعت في الهواء

TT

بالتأكيد هناك أسباب قوية تسببت في ظهور العرض المسرحي المصري «يا غولة.. عينك حمرا» الذي عرض على مسرح يوسف السباعي بالقاهرة بهذا الشكل الغريب، وهو بالمناسبة ينتمي إلى إنتاج مسرح التلفزيون الجديد، أو الذي يحاولون إحياءه بمعنى أدق من أجل تحقيق نهضة مسرحية، ومع ذلك فعروض مسرح التلفزيون في حقيقة الأمر تسير من سييء إلى أسوأ بوضوح.

فإذا كانت بداية هذا المشروع المتمثلة في العرض المسرحي «نازلين المحطة الجاية» تأليف د. محسن مصيلحي وإخراج عاصم نجاتي معتدلة إلى حد ما وتستحق النقاش، فلم نستطع منع صيحة الدهشة الحزينة من الانطلاق ونحن نشاهد أحدث إنتاج لمسرح التلفزيون «يا غولة.. عينك حمرا»، ولم نعرف كيف يظهر هذا العرض للنور ومن الذي صرح بقبوله نصا من الأساس ثم عرضا مسرحيا بكل ما يحمله من نقاط ضعف شامخة وترهل صوته عال جدا امتد وتمادى على مدى هذا العرض الذي بدأ في التاسعة والنصف وامتد حتى بعد منتصف الليل بربع ساعة في سهرة مسرحية غير سعيدة. وللمرة الثانية لم تستطع دهشتنا المتزايدة من التعبير عن نفسها ونحن نقرأ كل هذه الأسماء اللامعة على الأفيش في المجالات الفنية المختلفة، فبطل العرض هو الفنان الكبير نور الشريف ومعه الممثلان الموهوبان منال سلامة وطارق لطفي. أما المؤلف فهو التلفزيوني المخضرم كرم النجار صاحب الموضوعات المختلفة والمعالجات التلفزيونية المتميزة، مع الأخذ بالفارق بين الوسيط التلفزيوني بمتطلباته وسوقه وبين الوسيط المسرحي بكل ملابساته وخطورته الشديدة لأن خشبة المسرح الجريئة الفضاحة لا تداري العيوب أبدا، أما آخر دوافع دهشتنا فنتجت من كون هذه المسرحية المتخبطة الضعيفة للمخرج المسرحي المخضرم حسن عبد السلام (شفاه الله).

كنا نود استخدام البديهيات التقليدية لمناهج النقد المسرحي لتقديم قراءة تحليلية لهذا العرض، لكن المشكلة الكبرى التي تواجهنا هي انتفاء وجود عرض مسرحي ولو شبه متكامل من الأساس ومن ثم توارت معها أي محاولات علمية من جانبنا لأن مهمتنا بالتبعية هي استقبال ما يرسل لنا لنعيد إرساله مرة أخرى فقط لا غير، لكننا لا نعتقد أننا سنحل محل القائمين على العرض من باب التعاطف والوطنية ونتسامح أكثر من اللازم ونتخيل وجود عرض لا أساس له.. ومن باب التلخيص بمنطق الكلمتين والسلام فقط لتتضح الأمور نقول إن المؤلف كرم النجار أراد اللعب على أوتار السياسة والخطوط الساخنة في طرح القضية الأزلية في محاربة الصهاينة والأمريكان للعرب، لكن يبدو أن السطحية الزائدة والتفكك الواضح والضعف الطاغي قلب الأمور لتتعقد الخطوط حتى أدت في النهاية إلى لا شيء.. فكل ما هنالك أن المدعو عصمت (نور الشريف) وزوجته السورية رئيفة (نهال عنبر) اللذين تزوجا من أيام وحدة مصر وسورية، أنجبا أولادا عباقرة فأصبح الابن البكر صادق (طارق لطفي) والابنة الشابة أصيلة (منال سلامة) من خيرة العلماء في أحدث أنواع التكنولوجيا بعدما تلقيا شهادتيهما المتفوقتين من الولايات المتحدة الأميركية وعادا إلى مصر حسب شرط والديهما لخدمة بلادهما وحسب رغبتهما أيضا. وهناك شقيقهما الثالث نزيه (محمد عبد الحافظ) الذي لا يفكر إلا في الفتيات وتنحصر كل أحلامه في المادة ويأخذ كل الأمور باستهتار وتهريج، لكن يبدو أن الممثل خلط بين تهريج الشخصية والتهريج الحقيقي على خشبة المسرح خاصة عندما أصر على إفساد لحظة جادة قاتمة بإطلاق أفيهات يعتقد هو وحده أنها مضحكة. وهو ما دفعه لتكرار المحاولة مما أجبر نور الشريف على نهره بعنف على خشبة المسرح، خاصة أنها لحظة تخص الأب والممثل الشاب يحاول لفت الأنظار إليه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة; ولم يجد نور الشريف بدا من أن يصيح فيه بأعلى صوته «ماتهزرش».

وقد استشعرنا بالتأكيد أن هذه الصيحة خارج السياق وتأكدنا من صدق مؤشرات رادارنا المسرحي عندما سألنا وتأكدنا بأنفسنا بعد انتهاء هذا العرض الممتلىء بفراغات لا حدود لها.. المهم أن كل الأسرة مضافا إليها الطفل الرابع مطاوع (هادي خفاجة) تفرغت لتحقيق حلم الأب في بناء مصنع لحماية اقتصاديات مصر والعرب أيضا، حتى تدخل الأمريكان لإفساد الأمر متمثلين في لاميس (فرح) وروردي (مجدى إدريس) حتى رئيس الإدارة الأميركية الكبير جاكسون (مجدي رشوان) لشراء هذا المصنع وإفساد المشروع بكل الطرق; فإما البيع وإما الضياع التام.

نخلص مما سبق أن الفكرة مستهلكة والمعالجة لا تطرح أي جديد، كما أنها مليئة بالمواقف غير المنطقية ومفردات وشخصيات وسلوكيات غير مفهومة ولا مبرر لها على الإطلاق اللهم إلا مط العرض وتطويله حتى ما بعد منتصف الليل، وكأن هناك خلطا واضحا بين العرض المسرحي المكثف والحلقات التلفزيونية التي تزن الفن بمقياس الوزن الثقيل.. وبالتالي لم يكن هناك أي مساحة حتى للممثلين الشباب أصحاب الخبرة والجدد تماما في إظهار قدراتهم أيا كانت، لأنه لا يوجد موقف واحد متكامل يفتح لهم الباب لأي شيء. والمشكلة الأكبر أن نص كرم النجار الضعيف جدا لم يجد أي مساندة من المخرج الكبير حسن عبد السلام فتركه بدون ميزانسين يحمل أي دلالات تستحق التأويل ولم نشعر بمجهودات كبار الفنانين مثل أشعار سيد حجاب وموسيقى وألحان يس عبد الرحمن ولا باستعراضات محمد شفيق التي لم نفهم سببا لوجودها بأي حال ولا ديكور حسين العزبي الذي بدا كأنه لوحة مهجورة فوق خشبة المسرح لا تجد من يمد يده ويحيي ألوانها وخطوطها.. وبالتالي تحول الأمر كالعادة إلى محاضرة سياسية جوفاء عصماء تخلو من الأسس الأولى لفن المسرح، خاصة إذا علمنا أن نص المؤلف هذا مكتوب أصلا في الثمانينات من القرن الماضي وقد حاول تطعيمه بقضايا معاصرة مثل العراق وما شابه فزاده ضعفا على ضعف.

ثم كيف يوافق كل هؤلاء الفنانين من أصحاب الخبرة والشباب على الاشتراك في هذا العرض الذي يعاني جفافا مسرحيا إبداعيا لا حدود له؟