عباس الحايك: المسرح في السعودية ما زال بحاجة إلى إثبات وجود وبعض المسرحيين يقدمون تهريجا جماعيا

المسرحي السعودي لـ«الشرق الأوسط»: الناقد الأدبي حتى الآن لم يؤسس لأدوات نقدية لنقد النص المسرحي

TT

* كيف تمارس فكرة المسرح وتعيشها داخلك؟.

ـ المسرح باعتباره (رسالة) يشكل حالة طقسية. تجارب الإبداع الأخرى التي أصبحت تشكل ذاكرتي الإبداعية، الرسم والتشكيل بالإضافة للقصة القصيرة وكتابة الشعر.. أفرزت هوسي بالمسرح. بالإضافة إلى أن تقاطع هذه الأجناس الأدبية ولّد عندي حالة من الانسجام مع طقس المسرح، الذي أشعر بتعايش كل هذه الفنون فوق خشبته. هذه الخشبة التي بقدر ما تعني الصراع الدرامي، تعني أيضاً التعايش في الحياة والمجتمع، الخشبة التي بقدر ما تعكس هذا الواقع الذي أعيشه، تحيا داخلي بكل تناقضاتها وصراعاتها مع الحياة والوجود في مجتمع لا يسمح لك بالحلم.

* لنرجع إلى الطقس المسرحي، كيف يشكل المسرح حالة طقسية؟

ـ في المسرح أحاول التقرب من الناس، أن أقترب من الأشخاص الذين أكتب عنهم، وأقترب من حالي أكثر فأكثر. ولأن المسرح عمل جماعي حتى لو ابتدأ بمؤلف نص وانتهى بممثل مونودراما، المسرح ممارسة جماعية، وعادة ما يكون الطقس ممارسة جماعية يقوم به مجموعة دينية. المسرح والحوار المسرحي هو حوار يستمد الحياة من معرفة المجتمع، والكاتب المسرحي يحاول خلق الدراما من هذه الطقوس، من رؤية للأشياء من وجهة نظر فاحصة لفهم أسباب الصراع ومحركاته تنبع من تمرس الكاتب المسرحي واشتغاله على آلياته الكتابية.

* لماذا المسرح؟

ـ في بلادنا يشكل المسرح حالة مواجهة من ناحيتين. ناحية المؤسسات الرسمية التي لا تولي حتى الآن الاهتمام المطلوب من أجل بناء خشبة مسرح وبنية تحتية مسرحية تواكب التجارب المسرحية الأخرى في العالم العربي، والناحية الأخرى ما يقوم به بعض المشتغلين بالمسرح الذي يقدمونه على أنه ترف وتهريج جماعي. المسرح عندنا لا يزال بحاجة إلى إثبات وجود، وهذا الأمر جعلني أتجه للخروج بنصي المسرحي إلى دول أخرى مثل الإمارات والكويت.

* ما علاقة النص المسرحي بما يحدث في النقد الأدبي؟

ـ الناقد الأدبي حتى الآن لم يؤسس لأدوات نقدية لنقد النص المسرحي، هناك نقد جميل تناول العروض المسرحية وتطرق إلى كثير من أدوات المسرح، ولكن من وجهة نظر فنية تناولت طريقة الإخراج، أدوات العرض ووصولا إلى تقنيات متقدمة في نقد السينوغرافيا وحركة الجسد، ولكن لا يوجد من تطرق لتناول النص المسرحي من وجهة نقدية من خلال المدارس النقدية التي تناولت الأدب مثل البنيوية والتفكيكية.. كما حصل للشعر والرواية والقصة. المسرح ليس فنا فقط، خشبة المسرح لتقديم الأدب بطريقة فنية، ويجب النظر إلى التجربة المسرحية بكل جوانبها.

* هذا يقودنا للحديث عن علاقة المخرج بكاتب النص المسرحي، حدثنا عن تجربة كتابتك لـ«عذابات الشيخ أحمد»..

ـ المخرج يرفض دائماً الأدبية في النص المسرحي، «عذابات الشيخ أحمد» كتبتها بلغة أدبية مركزاً على اللغة الثانية في النص، على ما لا يقوله النص، وظيفة الدراماتوج أن يقوم بتحويل النص المسرحي من نص أدبي لنص قابل للتمثيل. في نص «حكاية جناحين/ مشاهد من الجنون الأخير» المكان خشبة مسرح وتقنية الكتابة تقنية مسرحية، بينما النص غير قابل للتنفيذ والإخراج المسرحي.

* كما أن هناك صراعا على خشبة المسرح ودراما في حياة المجتمع الذي تعيش فيه، هناك أيضا صراع بين الذات الداخلية أو العالم الداخلي ومحيط العالم للكاتب، كيف ترى إلى هذا الصراع من وجهة نظر الكاتب المسرحي؟

ـ التناقض والمفارقات في الحياة أمر طبيعي، لا أدعو للكتابة من برج عاجي ولا إلى تشكيل طبقة من الكتاب لها همومها التي تتفرد بها بعيدا عن هموم الناس وقضاياهم. أنا أعيش عزلتي ولكن داخل هذا المجتمع، أؤمن بخصوصيتي في الحياة، وربما تكون هناك خشية من الرقيب الداخلي الذي يخلقه المجتمع الذي يحد من الحرية عند ممارسة الكتابة. هذا الرقيب الداخلي قد يزول بالتمرس في الكتابة، بالسيطرة على أدوات الكتابة، بحيث تحكم النص شروط معرفية ترتكز على مسائلة الكاتب أولا، في محاولة بناء مدينة فاضلة داخل النص المسرحي لا تخلو من الشحاذين والعاهرات وأولاد الشوارع، لا مقياس أخلاقياً لهذه المدينة، غير أن لها الحق في الوجود بكل فضائلها وآثامها.

* ما الشروط المعرفية لكتابة النص المسرحي؟.

ـ الثقافة والمعرفة تنعكس بشكل كبير على كتابة النص المسرحي بالإضافة للشروط الأدبية، في «عذابات الشيخ أحمد» رجعت لكثير من المصادر التاريخية التي تناولت فترة الحكم البرتغالي لبعض دول الخليج ولتقارير البعثات العسكرية. لكتابة نص مسرحي يجب فهم حياة المجتمع وحركته في التاريخ. وهذا ينطبق على مخرج النص أيضاً، فإذا لم تكن لديه ذائقة تشكيلية وموسيقية ويفهم لغة وحركة الجسد، فمن المستحيل أن يتوصل إلى عرض مسرحي ذي بعد جمالي أو يشكل حالة دهشة عند متلقي العرض. هناك أمثلة كثيرة على مسرحيين مارسوا الكتابة والإخراج لخشبة المسرح أمثال غسان مسعود وجواد الأسدي وقاسم محمد، لو لم يكونوا كتابا مسرحيين ومخرجين مثقفين لما توصلوا إلى ما وصلوا إليه. المسرح التجاري أو مسرح التهريج كما سميته سابقا، هو نتيجة هذه المسألة، وهي عدم تحقق الشروط المعرفية لا في النص المسرحي ولا في العرض الذي قام به مخرج النص، وهي سبب أزمة المسرح الحقيقية.