من أجواء رواية «كيف كيف غدا»

TT

ذلك المساء، جاء هذا النكرة السمين نبيل لمساعدتي في واجب درس التربية المدنية. ان الموضوع يشبه عنوانا لتحقيق من تلك التحقيقات التي يعرضها برنامج «موفد خاص»: »الامتناع عن التصويت.. لماذا؟».

مع نبيل، تناقشت حول الموضوع. انه يتصور، مثلاً، ان شاباً من حي «بارادي» ترك المدرسة منذ زمن طويل ولا يفلح في ايجاد عمل، وان والديه لا يعملان، وهو يتقاسم غرفته مع اشقائه الأربعة الصغار... «أي شيء يدفعه لأن ينتخب؟». معه حق نبيل. ان المرء يناضل لكي يواصل معيشته اليومية، اما واجبه كمواطن.. لو تحسن وضعه قليلاً فقد يشعر بالرغبة في التزحزح والذهاب للتصويت.

ثم انني لا أرى أين هو الذي يجعله يشعر بأنه يمثله. واذن.. علينا ان نطرح سؤال «الامتناع عن الانتخاب.. لماذا؟» على امثال هذا الشاب وليس على صف من طلبة في الخامسة عشر ذوي وجوه مليئة بالبثور.

اقول، ربما لهذا السبب تترك ضواحي المهاجرين للإهمال لأن قلة من الناس تنتخب هنا. ان لا فائدة سياسية لنا ما دمنا لا ننتخب. لذلك فإنني، عندما أبلغ الثامنة عشرة، سأذهب للإدلاء بصوتي. نحن هنا لا نملك الكلمة، ولهذا علينا ان نأخذها عندما تعطى لنا.

باختصار، ذلك المساء، وبدل ان يذهب نبيل حال انتهائنا ويعود إلى امه، ظل هنا يتحدث ويأتي على علبة الكراكرز الموضوعة على المنضدة. لقد تصورت انها ستدوم الاسبوع كله. ولكن... لا يهم.. فعندما قرر هذا اللا شيء ان ينصرف رافقته إلى الباب، وهناك تغيرت تعابيره فجأة، واتخذ هيئة جدية، وتقدم نحوي وقبلني على فمي. قبلة حقيقية.

لم يكتف بالتهام الكراكرز وانما تجرأ ايضاً على تقبيلي بدون إذن مني. والأدهى، انني مثل بغلة، لم أجد ما أقول. فقط تحولت بالكامل إلى حمراء مثل الفلفل الذي تعده امي كمرقة، وتفوهت بـ«سلام» بالكاد تسمع وانا اغلق الباب. بعد ذلك جريت لشرب قدح كبير من عصير النعناع وفرشّت اسناني مرتين لكي ازيل طعم نبيل.

ماذا سأفعل الآن؟ يمكنني، ربما، التظاهر بأنني فقدت وعيي بعد سقطة من الدراجة واستيقظت فاقدة للذاكرة، وانني لم أعد اذكر شيئاً، أي شيء البتة. المشكلة ان هذا لن يبدو قابلاً للتصديق. الكل يعرف ان ليس لي دراجة ولا أملك شراء واحدة.

قد استطيع اجراء عملية تجميل واتحول إلى شخص آخر لكي لا يتعرف عليَّ نبيل ولا يعاود، مطلقاً، الصاق شفتيه الكبيرتين المشققتين على شفتيّ.

ان هذا لا يشبه ما كنت اتخيله لقبلتي الأولى. لا. كنت اتصور حدوث ذلك في ديكور خيالي، على ضفاف بحيرة، في غابة، عند غروب الشمس، ومع شخص استثنائي يشبه قليلاً ذلك الذي يظهر في إعلان عن الفيتامينات. ذلك الذي يستدير نصف دورة على كرسيه ويواجه الكاميرا تماماً بابتسامة معجون الاسنان ويقول: «اذا كنت جيداً فبفضل جوفامين».

رجل يكون مستغرقاً في تعليمي كيف نوقد ناراً من حجر ومبرد للأظافر، حين ندنو، احدنا نحو الآخر، ونحن في وسط تلك المحادثة الفلسفية، وبكل لطف نتعانق، بكل طبيعية، وكأننا نفعل هذا منذ الأزل. وطبعاً فإنني عندما اتخيل هذا المشهد، اكون مرتبة الشعر، مهندمة، ولي صدر أكبر قليلا.