كويلو.. من المصحة العقلية إلى الروائي الأكثر مبيعاً

الكاتب البرازيلي الشهير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: ثمة شيء من الشرق فينا جميعاً

TT

يبدو الروائي البرازيلي باولو كويلو عندما تراه للوهلة الأولى بجبهته المدببة ونظارته الطبية الدائرية المعلقة على انفه، وكأنه لينين خلال منفاه في سويسرا. ولكن ما ان يبدأ الحديث، حتى يبدو مثل المفكر العصري الباحث عن الحقيقة. عندما التقيناه كان يرتدي ملابس سوداء ويتناول أقداح القهوة بلا توقف وتحيط به سحابة من دخان السجائر الفرنسية الرخيصة التي لا يتوقف عن تدخينها. وكوهلو مقل في كلامه كما هو مقل في كتابته.

وكان كويلو البالغ من العمر 54 سنة قد بدأ حياته العملية بكتابة الأغاني لفرقة شعبية برازيلية في الستينات. وبحلول التسعينات، انتقل إلى الكتابة. واحتل كتابه الثاني «الخيميائي» المرتبة الأولى في قائمة اكثر الكتب مبيعا، كما حقق نجاحا دوليا. وقد ترجم الكتاب إلى 22 لغة عالمية وباع اكثر من 30 مليون نسخة. واصبح كوهلو الكاتب البرازيلي الوحيد بعد جورج امادو الذي يتمتع بشعبية دولية. واحدث كتبه الذي سيتم ترجمته إلى العديد من اللغات هو «فرونيكا تقرر أن تموت» الذي تلقى الكثير من الانتقادات الايجابية والسلبية، كما أنهى قصة جديدة أطلق عليها اسم «الشيطان والآنسة براين» من المتوقع نشر نسختها الإنجليزية والفرنسية في الربيع القادم.

وقد التقيناه في سويسرا، وفيما يلي مقتطفات من الحديث.

* ما هو سر نجاحك ككاتب؟

ـ هذا سؤال صعب. لا يمكن لكاتب معرفة ما اذا كانت كتاباته ستحقق نجاحا مع الجمهور ام لا. البعض يقول انني اكتب من القلب. أنا اكتب فقط عن الأمور التي اشعر بها. وبالنسبة للنثر فإن طريقتي بسيطة للغاية: الحد الأدنى بقدر الامكان ولاسيما التخلص من النعوت والظروف.

* هل يمكن ان تقدم لنا المزيد عن «فرونيكا تقرر أن تموت»؟

ـ هي مقتبسة من خبرتي الخاصة. فعندما كنت في فترة المراهقة أدخلت مصحة عقلية لأنني أردت ان اصبح كاتبا غير ان أسرتي لم تتقبل الأمر. لا أريد لوم أسرتي. لقد أساءوا فهمي. وفرونيكا هي استعارة لمعركة المرء من اجل تحقيق أحلامه. وهي تقدم لنا قصة شابة سلوفانية تعبت من حياتها فتقرر الانتحار. وبعد محاولة الانتحار يتم إنقاذها من الموت ولكن يتم إبلاغها انها ستموت على أية حال خلال عدة أيام. ويؤدي ذلك إلى إثارة الرغبة في الحياة لديها، وهي رغبة لم تشعر بها من قبل. وفجأة لا تريد الموت.

* كيف كان احتجازك؟

ـ لقد تم احتجازي ثلاث مرات عندما كنت في مراهقتي. المرة الأولى بقيت لمدة 20يوما، والثانية والثالثة لمدة شهرين كل مرة. وبعد احتجازي للمرة الثالثة قرر أبواي انهما لا يمكنهما تقرير حياتي. وتوصلا إلى استنتاج انني ضعت بالنسبة لهما وبالنسبة للمجتمع وأنني سأصبح شخصا تافها يعتمد عليهما بقية حياتهما. إلا انني أصبحت مؤلفاً غنائياً ناجحاً، وكنت احصل على دخل لا يحلمان به. وفجأة شعرا بالأسى لما قاما به وبذلت جهداً كبيرا لاقناعهما بالتخلي عن شعورهما بالذنب.

* سمعت ان «فرونيكا تقرر أن تموت» أدت إلى تغيرات في القوانين البرازيلية المتعلقة باحتجاز الناس في مصحات عقلية ونفسية.

ـ هذا صحيح. قبل ظهور الرواية كان يمكن احتجاز شخص بموافقة أسرته وطبيب. وطبقا للقانون الجديد، المعروف باسم قانون «فرونيكا» يتطلب الأمر رأياً ثالثاً. وقد تم إجراء تعديلات مماثلة في عديد من قوانين الدول الأخرى، على سبيل المثال في تايوان حيث تصدرت رواية فرونيكا قائمة اكثر الكتب مبيعا لعدة شهور.

* أرجو ألا تغضب مني عندما أقول انه لم تعجبني فرونيكا مثلما أعجبتني كتبك السابقة. ـ ولماذا لم تعجبك؟

* يبدو عليها الميل إلى استعراض البراعة الفنية. ربما السبب في ذلك هو انشغالك بالسفر المستمر حول العالم لحضور المؤتمرات المتعددة وربما لأنك أصبحت شخصية معروفة ونجما. إني اتساءل أيضا إذا كنت قد طلقت زوجتك أم لا. اعتقد انك تدرك ان هنري جيمس قال مرة: اما الأدب واما الذهاب لتناول غداء في الخارج.

ـ أتمنى الا أكون قد أصبحت نجما كما تقول. كما أعرب هنا عن أسفي لان فرونيكا لم تعجبك، الا ان مثل هذه الأشياء تحدث، إذ ليس من الممكن ان تحب كل ما يسطره الكاتب. على العموم اقرأ كتابي «الشيطان والآنسة برين» وأطلعني على رأيك. بالمناسبة لم أطلق زوجتي، لذا لم اصبح نجما بعد.

* تذكرني كتبك، خصوصا «الخيميائي» و«مكتوب» و«دليل المقاتل من أجل الضوء» بالنصوص الصوفية الباطنية. إنك تبدو أحيانا ككاتب مسلم من الشرق. هذه مسألة مدهشة لأنك لم يحدث ان سافرت خارج القارة الأميركية عندما كتبت هذه الأعمال. هل قابلت الكثيرين من الشرق؟ من أين حصلت على هذه اللمسة الشرقية؟

ـ اعتقد ان ثمة شيئا من «الشرق» فينا جميعا، فهذا هو الاتجاه الذي تشرق منه الشمس، شمس الفهم. الشرقيون الذين قابلتهم هم الأصدقاء البرازيليون الذين ينتمون إلى أصول عربية وإسلامية.

* هل هناك الكثير من هؤلاء في البرازيل؟

ـ الإحصائيات تختلف، ولكن غالبية التقديرات تشير إلى ان تعدادهم يصل إلى حوالي عشرة ملايين معظمهم من أصول سورية ولبنانية. كثيرا ما تمنيت السفر شرقا تماما مثل بطل «الخيميائي».

* اعتقد انك سافرت إلى الشرق. زيارتك إلى إيران العام الماضي؟

ـ نعم، إيران كانت البلد الأول، وهي لحد الآن البلد الشرقي الوحيد الذي زرته. كنت أول كاتب غير مسلم يتلقى دعوة لزيارة طهران منذ ثورة 1979 كما ان كتبي ترجمت الى الفارسية ونشرت بأعداد كبيرة. عندما تلقيت تلك الدعوة ترددت طويلا بسبب الفتوى التي صدرت ضد الروائي البريطاني سلمان رشدي، ولكن في نهاية الأمر قررت قبول الدعوة والسفر إلى إيران لاعتقادي في ان الحوار دائما افضل من المقاطعة.

* ماذا فعلت في إيران؟

ـ قضيت عشرة أيام شاركت خلالها في ثلاثة مؤتمرات حضرها أكثر من عشرة آلاف شخص. كانت تجربة مدهشة بحق، إذ لم اكن اعرف انه لا تزال هناك دولة في عالم اليوم بوسع كتابها وشعرائها اجتذاب جموع من الناس لا يقل عددهم عن عدد المعجبين الذين تجذبهم حفلات موسيقى البوب. إيران دولة استثنائية بالفعل، وقد تأثرت بالحس التاريخي فيها. وكقادم من دولة جديدة مثل البرازيل ينظر إلى عالم مليء بالدول الجديدة أدهشني الشعور بالاستمرارية الذي تبديه إيران في عصر يتميز بالاضمحلال.

* لماذا وجهت لك الدعوة لزيارة إيران؟

ـ أتمنى ان يكون السبب هو الاعجاب بكتاباتي. الأهم من ذلك، اعتقد ان الدعوة تعد مؤشرا على بحث إيران عن الحوار والانفتاح نحو العالم الخارجي. انطباعي هو ان إيران ستكون مجتمعاً منفتحاً تماماً خلال بضع سنوات فقط. شهدنا خلال الآونة الأخيرة بعض الانتكاسات في معسكر الاصلاح، اذ في رأيي ان الرئيس خاتمي يدرك ان ايران لا يمكن ان تعزل نفسها عن العالم وإنها في حاجة الى الحوار بغية استمرار تنميتها وتطورها.

* علمت انك خصصت جائزة أدبية خاصة بالكتاب الإيرانيين...

ـ هذا صحيح، فهناك ثلاث جوائز قدمت باسمي لأفضل الأعمال في الرواية والشعر وأفضل كتاب حول الاسلام. أول الجوائز ستقدم في فصل الربيع المقبل.

* هل هناك كثير من المرشحين؟

ـ هناك الكثير من المتقدمين للجائزتين الأولى والثانية، ولكن لم يتقدم أحد للمنافسة على الجائزة الثالثة الخاصة بأفضل كتاب حول الإسلام. الأمر الغريب هو قلة الإيرانيين الذين يكتبون عن الإسلام، وأخشى ألا يجري التنافس على هذه الجائزة للعام الحالي.