اتحاد الكتاب العرب: أبواب مغلقة وملفات منسية ـ اتحاد كتاب المغرب عشية مؤتمره السادس عشر: يقاوم أمراض الشيخوخة بضخ دماء

يستمر في تلقي الضربات لكن لا أحد يريد الإجهاز عليه نهائيا

TT

تظهر على اتحاد كتاب المغرب، مثله مثل باقي المنظمات الشبيهة، علامات الانحسار والتواري عن الفعل الموصول في المشهد الثقافي المغربي. ويخال المرء في بعض الاوقات ان الهيئة الممثلة للكتاب، الاقدم في المغرب، تعيش ايامها الاخيرة، وتتهيأ للرحيل، بعد ان فقدت بعض مبررات وجودها، مثلما تصورها او وضعها الرواد المؤسسون، اوائل الستينات، لكن الحياة سرعان ما تعود الى هذه المنظمة «العنقاء»، اذ يبدو انها احتفظت بفضل جدلية العيش والفناء، برصيد دفاعها عن نفسها ومناعتها التي راكمتها على مر عقود الاحتقان السياسي والفوران الثقافي في المغرب، مما مكنها من البقاء والاستمرار ولو بوهج اقل، جراء انفراط عقدة لسان الكتاب المغاربة وكسر قيودهم، واحساسهم بالاستغناء عن مظلة معنوية يقون بها انفسهم من حر السلطة ولهيبها، كما نبتت وتناسلت مع مر السنين، في الحقل الثقافي والابداعي المغربي، جمعيات وفضاءات، اصبحت تزاحم الاتحاد، وتشتغل على نفس ارضيته التي ظلت مسيجة حينا من الدهر، بسياج هيبته وسلطته المعنوية.

بالنسبة لشريحة قليلة او كثيرة من المثقفين الغاضبين على «سكوت» اتحاد كتاب المغرب، المنتقصين من قدره لاسباب يغيب عنها التحليل الموضوعي للشأن الثقافي، لصالح بروز الذات المحتفلة بنفسها، المعتزة بقدراتها الابداعية الخارقة التي لم يعد يستوعبها، تنظيم. يقول اولئك ان الاتحاد متآكل او هو في سبيله الى ذلك.

لقد وقعوا منذ زمان وثيقة نعي، اتحاد كتاب المغرب، بعد ان تحول في نظرهم الى مجرد إطار أجوف بل مجرد وكالة اسفار. فالى أي حد هم محقون في دعواهم؟

بداهة، يمكن القول ان النقد القاسي المبرر احيانا والمتحامل في احيان اخرى، يعبر، وإن لم يقصد اصحابه ذلك، عن الغيرة على منظمة ذات قيمة رمزية متوارثة. من جهة ثانية، فانه يبعث فيها، وتلك مفارقة، روح الحيوية والقدرة على النهوض، وتجاوز مشاكل اللحظة.

وفوجئ عدد من الاعضاء الساخطين والمؤيدين على حد سواء في المؤتمر 15 الذي انعقد منذ ثلاث سنوات، بنسبة حضور عالية، واسهام فاعل في المداولات والنقاشات التي تكون في الغالب ملح طعام كل المؤتمرات، الاهم من كل ذلك برز بين المؤتمرين الحرص على بقاء الاتحاد. كان القيمون على المؤتمر 15 خائفين من عدم اكتمال النصاب القانوني، وأعدوا، للحيلولة دون حصول ذلك ما استطاعوا من وسيلة اقناع ومناشدة. وفعلا مر المؤتمر في اجواء ملائمة، مع حدوث سابقة في اجندة المؤتمرات: رعاية مادية من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي لم يطلب في المقابل اي شيء من المؤتمرين، لكنهم من باب اللياقة وكياسة التعامل، ثمنوا عاليا البادرة الملكية غير المسبوقة، واعتبروا دعم ملك البلاد دليلا على مصداقية مواقف المنظمة، والتقائها مع مشروع التحديث الذي يقوده. كان ذلك اعلانا بانتهاء الخصومة مع النظام وتدشين مرحلة جديدة ابرز معالمها تمكين الاتحاد من مقر دائم، فيما بعد.

انعقد ذلك المؤتمر في ظل ظروف لم تكن مواتية بالكامل، للدفع بعجلة الاتحاد وتفعيل ادائه، والتخلص نهائيا من رواسب العلل التي رافقت ميلاده منذ اربعة عقود ونيف، اي التحرر من الثقل السياسي الذي أناخ بكلكله على كاهل المؤتمرات السابقة، وارغمها على الوقوع في فخ المساومات والحسابات السياسوية الضيقة، حيث يحاول كل فصيل ان يؤكد تمثيليته في الاجهزة المسيرة لاتحاد كتاب المغرب.

لكن، لا بد من الاعتراف ان منتقدي هذه الظاهرة، يبالغون كثيرا حينما يعتبرون المكاتب التنفيذية التي توالت على تسيير دفة الاتحاد، مجرد ابواق للاحزاب، فباستقراء واستحضار الاسماء المسؤولة نلاحظ ان اغلب الذين تبوأوا الصدارة في الاجهزة القيادية حصلوا على ذلك التشريف بسبب جدارتهم الفكرية والابداعية، وحضورهم الثقافي قبل اي اعتبار آخر. إن الذي يوحي بهذا الخلط تجاور الصفتين احيانا في العضو: فهو كاتب، ومنخرط في حزب سياسي، ورجحان صفة على اخرى، غير انها مشكلة أتاحت لاعضاء لا يتمتعون بكامل الاهلية الثقافية التسلل تحت غطاء حزبي، الى المقاعد الاولى في صف المنظمة الثقافية التي رفعت دائما شعار الاستقلال عن السلطة اولا، وعدم التماهي مع الاحزاب.

* الاتحاد والمؤتمر 16

* بدأ العد التنازلي للمؤتمر السادس عشر. وفي حالة عدم بروز طارئ، فان الكتاب المغاربة المنتسبين للاتحاد سيلتقون في الرباط في غضون الاسبوع الاخير من ديسمبر (كانون الاول) المقبل ليعيشوا نفس المشهد والطقس الذي اعتادوا عليه: الاستماع الى التقريرين الادبي والمالي، تكوين اللجان، مناقشة التوصيات وانتخاب المكتب المسير خلال السنوات الثلاث المقبلة، ونشاط اجهزة الكواليس والنميمية الثقافية في السهرات والجلسات الموازية. الا يكون من الحق التساؤل مع اقتراب موعد التجديد، عن مآل الاتحاد وصيرورته وامكانات تحوله؟

كان اجتماع اللجنة التحضيرية الذي التأم يوم التاسع من الشهر الماضي، مؤشرا على سيناريوهات قد يستعرضها المؤتمرون لاعتماد الاصلح منها، وهي مفتوحة على كافة الاحتمالات.

من التباشير الايجابية، حضور اغلب اعضاء اللجنة الذين وجهت لهم الدعوة، والغياب اللافت للنظر ابطاله بعض اعضاء المكتب المركزي الذين يفترض ان يكونوا السباقين ليرحبوا بالمدعوين. وتلك اشارة واضحة ودالة على ان التركيبة المتأهبة للتوديع، لم تكن منسجمة، بما فيه الكفاية، وغير منتظمة ولا ملتزمة بالوعد الذي قطعته على نفسها، وهي دليل اضافي على سلبيات تفضيل المعيار السياسي الحزبي على الجدارة والفعالية الثقافية المفترضة في كاتب وضع زملاؤه فيه ثقتهم.

اثيرت في ذات الاجتماع، قضايا اشكالية، فيها القديم والراهن. دارت التساؤلات حول معنى استقلالية الاتحاد، وحدود انفتاحه وتجاوبه مع كرم السلطة واريحيتها المعلنة. هل يعتبر ذلك خروجا على ميثاق المنظمة ام استردادا لحقوقها المهضومة من الدولة، ثم ألا تحد التبعية المالية، للاتحاد من طاقة اعضائه المتجددة؟

وفي سياق التساؤلات المتناسلة، طالب بعض الحاضرين بالنص على هوية الاتحاد وتحديدها اذا تطلب الامر ذلك لتصان من الاندثار. وبصدد هذه النقطة نطقت السنة أخرى بمفردات تنتمي الى قاموس التدبير وحسن الادارة والنجاعة والمردودية، لتنتهي الى خلاصة ان المنظمة ليست شائخة ولكنها في امس الحاجة الى اعادة تأهيل وضخ رصيدها بدماء جديدة.

هل يتحقق الرهان ويغير اتحاد الكتاب جلدته بدون عسر ولادة؟

لا بد من الاقرار ان تيارا غالبا بين الاعضاء، بمن فيهم اسماء وازنة في الحقلين الثقافي والسياسي والعام، يحبذون ان ينعقد المؤتمر 16، بعيدا عن كل الحسابات والترضيات السياسية، بعد زوال اسبابها لتؤول ادارة المنظمة في النهاية الى من تتوفر فيهم شروط الكفاءة والجدارة والمصداقية والنجاعة وحسن التدبير. عوض الشكوى المتكررة من مضض الامكانيات.

وتأسيسا على هذا التوجه، الذي نال تأييد مثقفين حزبيين نافذين، لا يتوقع ان يتشبث حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بحقه التاريخي في رئاسة المنظمة، الذي آل اليه بسهولة خلال المؤتمرات السابقة (خمسة رؤساء متوالين على مدى حوالي ثلاثة عقود)، نتيجة التأثير الذي مارسه الحزب في الوسط الثقافي المغربي وبسبب راديكالية مواقفه خلال عقود.

هكذا، بدأت قبل المؤتمر عملية البحث على قدم وساق، عن رئيس ذي مواصفات خاصة لا يحمل لونا سياسيا صارخا، وان كانت الاسماء المتداولة في البورصة غير بريئة بالكامل من الشبهة السياسية، وهي موجودة في اتحاد الكتاب بفضل اهليتها الثقافية.

هذا الاختيار اذا تحقق، ستترتب عليه اشكالية تحديد مواصفات باقي الاعضاء: هل يخوضون المعركة افرادا مستقلين بافكارهم وآرائهم غير عابئين بما سيكون عليه زملاؤهم المحتملون في المكتب المنتخب؟ بعبارة اخرى كيف يضمن الانسجام في الاداء حتى لا تتعرض المنظمة لنزوات الافراد واهوائهم؟ حينما يكون عضو محسوبا على فصيل حزبي او تيار تنظيمي مرجعي، فانه يحرص على البقاء داخل الحدود المتفق عليها مع الفرقاء الشركاء الآخرين، ولو ان «الانضباط» الحزبي يكون قاتلا في بعض الاحيان لروح المبادرة.

لتجاوز هذه الاشكالية، يرتأي بعض الاعضاء من داخل اللجنة التحضيرية ومن خارجها العودة الى الصيغة الاولى التي انطلقت بها المنظمة عند تأسيسها: ان ينتخب المؤتمر العام الرئيس بالاقتراع السري المباشر، ويخوله صلاحيات اختيار قائمة منسجمة من الاعضاء يقودون معه دفة الاتحاد، على اساس دفتر التزامات واضحة او على الاقل، اذا تعذر الامر، تجرى عملية تصويت: على الرئيس اولا، ثم اعضاء المكتب. تلك الصيغة تم هجرها منذ المؤتمر السادس الذي انتخب كل اعضاء المكتب، وهؤلاء اختاروا من بينهم رئيس الاتحاد، وهي القاعدة المتبعة حتى الآن.

لا شيء يحول من الناحية النظرية دون تبني صيغة او اخرى، غير ان الخروج عن السنن السالفة، يتطلب رزمة اجراءات، يصعب البت فيها خلال ايام المؤتمر القليلة، من قبيل اعادة صياغة جذرية للقانون الاساسي المنظم، لاستبدال بنود كثيرة ليس اقلها نمط التصويت، كذلك تفترض صيغة انتخاب الرئيس من القاعة منح هذا الاخير صلاحيات اكبر، حتى يتسنى له ضبط مسار المنظمة، ومواجهة انتقادات كتلة ناخبة واعية، لا ترحم. وقبل هذا وذاك، فان انسجام المكتب المركزي، مع اعتماد احدى الصيغتين ليس مضمونا، بل يمكن ان يؤدي الى دخول منعرج خطير، يبقي على ما تبقى من منظمة، تكمن قوتها الحقيقية في رصيدها الرمزي.

هناك امر آخر، فقد حدث توسع، خلال السنوات الاخيرة، في قاعدة الاتحاد، يبالغ البعض في وصفه بالتورم، المضعف للاتحاد، مستدلين بالتساهل في منح صفة العضوية لكتاب لم يستو عودهم بعد، والظاهرة في حد ذاتها مدعاة للتساؤل، فبينما يشيع اعضاء، اتحاد الكتاب الى مثواه الاخير، يتعلق به من يضعون خطواتهم الاولى على سلم الكتابة والشهرة الادبية، مما يدل على ان سفينة الاتحاد ستظل مبحرة ولو بتأرجح.

وكخلاصة، يمكن القول ان المؤتمر المقبل لاتحاد كتاب المغرب، سيختلف مذاقه قليلا عن المؤتمرات السالفة، لكن حقن جسمه بالامصال المطلوبة سيكون متعذرا في المنظور القريب. ويمكن ان تهيىء لتلك القفزة النوعية التشكيلة الجديدة التي سيختارها الكتاب. فهي، اما ستدفعه الى السير في الاتجاه السليم، او انها ستكون السبب في الاجهاز على البقية الباقية في منظمة ثقافية قاومت محاولات الالغاء والتركيع.

اذا قورن اتحاد كتاب المغرب، بما آلت اليه اغلبية الهيئات المماثلة في الوطن العربي، التي تشرذمت او تقلصت او سكتت، تبقى امام اتحاد كتاب المغرب الفرصة للبرهنة على انه بالفعل كائن حي، قادر على استيعاب التحولات الثقافية وطنيا وعالميا، مع ضرورة، الانتباه الى مخاطر ظاهرة ابتعاد الكتاب عن الانخراط في العمل الجمعوي بكل طاقاتهم، بعد انتفاء المحفزات الايديولوجية والسياسية وانكسار سلم القناعات الفكرية المطمئنة.

يستمر اتحاد كتاب المغرب، في تلقي الضربات، لكن لا أحد يريد الاجهاز عليه نهائيا.