على الاتحاد أن تكون له دبلوماسيته الخاصة

ابراهيم الخطيب*

TT

اعتقد ان المؤتمر المقبل، لاتحاد كتاب المغرب سيكون فرصة مناسبة لصوغ استراتيجية جديدة للمنظمة التي تجاوزت عتبة الاربعين من عمرها. لقد كان المؤتمر الاخير الذي عقد بالرباط، بصرف النظر عن البهرجة السياسية التي حُشر فيها، محاولة جادة للخروج من قمقم الحسابات الآنية ومواجهة التغيرات ومصالحة الاوضاع الثقافية، لكن كل ذلك ظل على مستوى الخطاب فقط، ولم يقع تحويله الى ممارسة تستوعب عمل الكتاب وتدفع بهم الى تأمل ظروف التشرذم، ونزاع الاجيال وخفوت الجدل السياسي وبروز ثقافة امازيغية كعنصر استقطاب لغوي وثقافي.

وهكذا حلت لغة التجاذب والتنافر، محل لغة الحوار، وتمت الاستعانة مجددا بالدهاء الحزبي لتفريغ الحلول الظرفية وتم تجييش الانصار لكسر التوازنات المحتملة فضلا عن الاحتماء ببعض رموز السلطة وهو ما نتج عنه هيمنة السلبية بين الكتاب ومنظمتهم، تجلت في مثل شلل حال دون انجاز العديد من المهام التي كانت تنتظر هذا الاتحاد في متم الالفية الثالثة. فما الذي ننتظره من المؤتمر القادم؟ انه لا بد من الاعتراف بان الظرفية صعبة، وان إرث السنين ثقيل. وتتجلى الصعوبة على ثلاثة مستويات:

اولا، كون الاتحاد بمقتضى قوانينه وممارسته ما زال ينظر الى نفسه كمؤسسة مناضلة في حاجة مستمرة الى دعم سياسي او حزبي او سلطوي يحدد لها شرعيتها، والحال ان هذا الغطاء الذي كان مبررا في الماضي لم يعد له من معنى اليوم، اذ يجب ان يستمد الاتحاد شرعيته من عمل كتابه وليس من أية سلطة اخرى، وهذا يقتضي مخاطبة الكتاب كراشدين، عليهم ان يكون ولاؤهم لمنظمتهم اولا وليس لجهة اخرى تستعمل دهاءها لفرض حلول معينة.

ويتعلق المستوى الثاني بالجسم الانتخابي لاتحاد الكتاب، اذ انه مما لا شك فيه ان الاتحاد اصبح حلبة لتقاطب اجيال من الكتاب، وهذا امر عادي بالنسبة لمنظمة سلخت من عمرها اكثر من 40 سنة.

لقد كان من شأن هذا التقاطب ان يكون وسيلة حوار لاكتشاف افاق جديدة او لترسيخ قيم عريقة، لكن تدخل بعض الممارسات حال دون ذلك. إني أعني بالضبط نزعة تجييش كتاب جدد كلما حل أوان المؤتمر، ودون مراعاة لأي معيار ثقافي وازن. ان قيمة اية منظمة ثقافية لا تحتسب بعدد أعضائها وانما بفاعلية تصوراتها ومدى استيعابها لفضاء التغيرات وهو ما يعني اننا يجب ان نحافظ للجسم الانتخابي لاتحاد كتاب المغرب على استقرار نسبي يمكنه من استمرار لغة التوافق والحوار بين الاعضاء.

اما المستوى الثالث والاخير، فيتعلق بالتنبيه الى مخاطر العزلة التي اصبحت تترصد اتحاد الكتاب، وانا اقصد هنا عزلة ذات وجهين: من جهة، هناك انصراف للهيئات المسيرة لآلة الاتحاد الى تشكيل نخبة من المنتفعين بأنشطتهم، يتم الاستعانة بهم دون بقية الكتاب، الامر الذي يؤشر الى وجود خلل ديمقراطي جسيم وينذر بانفصام العرى التي تجمع بين اعضاء الاتحاد، وهو ما شاهدناه في الفترة الاخيرة.

اما من جهة ثانية، فيتجلى الوجه الثاني لمشهد العزلة في الروح المهيمنة التي تسيطر على الاتحاد وتصوره منظمة يجب ان لا يكون لها منافسون، الامر الذي يؤدي بها الى الدخول في صراعات غير جدية مع هيئات ثقافية جديدة خرجت من صلب الاتحاد واصبح لها مكان مرموق في المشهد الثقافي.

ان على الاتحاد في هذه الحالة ان تكون له دبلوماسياته الخاصة القائمة على الحوار مع الاستفادة من جهود الآخرين وتدعيمها في نفس الوقت.

ان هذه الملاحظات يجب ان لا تحجب عن انظارنا اهمية الانشطة التي قام بها المكتب الحالي في السنوات الثلاث الاخيرة، خاصة على صعيد النشر حيث تمكن الاتحاد ولأول مرة من خوض هذا المجال الشائك بصورة ناجعة مكنت من بروز اسماء جديدة هي في الواقع زهور متفتحة تزين الحقل الثقافي المغربي.

* ناقد مغربي واستاذ جامعي