اتحادات الكتاب العرب: أبــواب مغلقــة وملفات منسية 5 ـ اتحاد كتاب المغرب عشية مؤتمره السادس عشر: وجوده حاجة أساسية بشرط إعلاء الشأن الثقافي

TT

نشرنا في عدد أمس الجزء الأول من تحقيق حول اتحاد كتاب المغرب ضمن الملف الموسع الذي تنشره «الشرق الأوسط» حول اتحادات الكتاب العرب. وقد تناول عدد من الكتاب المغاربة وضعية الاتحاد عشية مؤتمره القادم باعتباره مؤتمرا فاصلا في تاريخه، وقدموا بعض المقترحات لتوطيد وتطوير عمله الثقافي والمهني. هنا الجزء الثاني ضمن الحلقة الخامسة والأخيرة:

* لم يفقد مبررات وجوده.. ولكن

مبارك ربيع

* قد لا يبدو ان ثم ما يجعل من المؤتمر المقبل للاتحاد حدثا فوق المعتاد، ولا يتعلق الامر بأية رؤية نقدية بهذا الصدد، وانما لان الظروف المحيطة في المراحل الاخيرة ربما تكون قد دخلت بالمجريات ـ بما فيها الثقافي ـ في الخط العام وبايقاع هادئ، ما عدا بعض القضايا المشتركة او القطاعات الملامسة والمخصوصة التي كان من شأنها ان تحتفظ بحرارة ذاتية، او تخلق حولها مثل ذلك، كما كان عليه الحال في طريق البحث عن مخارج وحلول في موضوع الثقافة الامازيغية، او قانون الاسرة، او تدبير الحقل الديني.

لا يعني ذلك ان الثقافي بمعناه المحدد قد استنفد طاقاته، او حقق المراد، كما لا يعني من وجهة نظر خاصة على الاقل، ان اتحاد كتاب المغرب قد فقد مبررات الوجود، على نحو ما تتضمن ذلك بايحاء ضمني بعض التساؤلات، فقد يكون العكس هو الصحيح، وتبدو الظروف مناسبة بعد مراحل الجلبة والصخب، للتأمل بفكر وتحليل هادئ في واقع ودور ثقافيين، قد يتطلبان الكثير من التكيف والتلاؤم فيما بينهما من جهة، وفيما يختص بمحيط ما يفتأ بتنوع وبتوسيع من جهة اخرى.

ما من شك في ان بدائل مؤسسية عديدة في الفضاء العام، اصبحت تنتظم في الحقل الثقافي وتمارس نشاطها في اطاره ضمن ما تختص به او تهتم، وقد تثمر ممارستها كل الجدوى، مما لا تبلغ شأوه في بعض الجوانب ان لم يكن في كلها، مؤسسة بمواصفات اتحاد كتاب المغرب في الآونة الحالية، ولا شك ان مثل هذا الواقع يفرض تحولا وجهدا تطويريا، ان لم يكن يهدف الى افقاد مؤسسة الكتاب شخصيتها المتميزة، فهو لا يستنكف التفتح للاستفادة من «الطبعات» او «الاجيال» الجديدة، لتلك البدائل المؤسسية، من حيث الآليات وطرائق العمل، وبخاصة من حيث وضع التصورات بما يلائم الادوار والاحتياجات.

وقد يكون من المفيد استحضار نظرة عن بعض المراحل من تطور الاتحاد، والاشارة بكل ايجاز لنقط مفصلية من تحوله. فالمؤسسة التي رأت النور مع مطلع الستينيات من القرن الماضي، في مرحلة فجر الاستقلال، وعقب حوالي اربع سنوات فقط، على نيل الاستقلال، يمكن القول انها ولدت بجهود تطوعية، وبعزيمة ضمنية في فعل التأسيس، تهدف الى ضرورة استكمال صورة المجتمع المعاصر ـ ولا نقول الدولة ـ في الفضاء المغربي، اكثر مما هي لتلبية احتياجات ثقافية ملموسة، خاصة في مرحلة لم يكن فيها الكتاب بصفة عامة، على وفرة عددية، فما بالك بمن كانوا في ذلك الوقت المبكر، يستحقون ان يحملوا على هذا الصنف من الفاعلية والانتاج، وبالتالي لم يكن من مشاكل يطرحها الفضاء الثقافي المغربي المعاصر إذ ذاك، والذي يفترض انه كان في مرحلة التشكيل.

وبالمقابل، كان ثم دولة مستقلة لتوها، ومجتمع طموح متحفز بارادة البناء في كل الميادين، يموج بصيغ التأسيس السياسي والمدني (نقابي، فني، رياضي)، علاوة على ان الدول والمجتمعات المماثلة، كانت لها روابط اتحادات كتاب، بعض ذلك وغيره المستمد من خبرة مثقفين وكتاب، توافرت لهم في تلك المرحلة الخبرة والعلاقات بنظرائهم خارج المغرب وداخله، كله ساهم في انضاج فكرة تأسيس اتحاد كتاب المغرب.

بيد ان مما يسجله الواقع، ان النشأة الاولى كانت خلافية منذ انطلاقة التأسيس، لانها جاءت مطبوعة بمرحلة بداية الاستقلال في جوها العام، وبفترة العقد الاول من هذه المرحلة بالذات (حامية مشحونة)، ولعل مما يكون قد يسر الانطلاق، في خضم الخلاف والاختلاف، ان افق التأسيس، بل «آفاقه» كانت ترنو الى ما هو أعم من المحلي والوطني، باعتبارها تستحضر مشروع المغرب العربي وتستلهم تصوره، لتطلقه على مؤسستها المدنية الثقافية الاولى، بحضور مثقفين وكتاب من البلدان المغاربية، بمبادرة زملائهم من المغرب، وعلى ارض الرباط.

واذا كان اعتبار الافق المغاربي قد لعب دورا ما، في انطلاق التأسيس، وهو الحلم الذي لم يتحقق منه للمثقفين والكتاب شيء على ارض الواقع، عدا الاسم الذي حملته المؤسسة لفترة (اتحاد كتاب المغرب العربي)، ثم خرجت عن اهابه لتلتحم بالواقع المغربي اسما على مسمى، فهذا لا يعني ان التأسيس لم يكن ممكنا لولا ذلك التصور، وانما يعني انه كان يمكن ان يتم على نحو آخر، او يحتمل مشاهد اخرى، لكن لا يبدو ان ثم شيئا ما، كان بامكانه ان يقف في وجه عزيمة التأسيس في تلك المرحلة.

وبتعميم واضح، يمكن اعتبار ما تلا مرحلة التأسيس وفترة الستينيات من القرن الماضي، ممثلة لضمان مكونات ولتثبيت هوية، بينما تتميز السبعينيات والثمانينيات بقوة البحث والسؤال، وعمق المخاض ما بين التيارات والاختيارات، وقد تمثل التسعينيات مظهرا من سكينة الاجوبة على درجات.. فماذا يمكن ان يراد لبداية الالفية الثالثة؟

لعلها عودة لمنطلق الحديث عن مؤسسة اتحاد الكتاب فيما يكون عليه المؤتمر، وما مبررات الوجود من عدمه؟ يبدو ان قوة الاختيار (لامجرد الاختيار فحسب)، حرقة البحث والسؤال المنبثق عنه، تعود الى طبيعة المرحلة اكثر مما تؤول مجرد الى ارادة الفعل والتفعيل، وقد يكون معلم التثبيت، فيما يخص المكاسب والتوجهات، نمطا من (دينامية) مرحلية ملائمة، تتيح الفرصة لتفاعل ما يلبث ان يولد اسئلة حقيقية لاحتياجات حقيقية.

لذلك تبدو لي مبررات العدم في هذا الباب لا معنى لها، حتى في الهمس، ومبررات الوجود والاستمرار في رأيي اقوى والزم في حق مؤسسة الاتحاد، رغم ما يمكن ان يقال عن كل مرحلة او فترة، سواء بالتعميم او بالتفصيل، اذ يبقى لكل ايجابياته، ويبقى ان المغرب برمته، والثقافة المغربية بكل مكوناتها، بالموافق منها وبالمعترض، وبالمعارض لخط سير المؤسسة من داخلها او من خارجها، من قبل ولحد الآن، قد انتجت مؤسسة ثقافية مدنية بهذا العيار، حافظت على تميزها لاكثر من اربعة عقود، واحتلت موقع السيادة في صياغة المواقف على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومثلت مختبرا حقيقيا ومعتركا لقيم الحداثة الادبية والفكرية والاجتماعية والسياسية، مما يجعل منها في النهاية معلما من ذاكرة الامة، وميراثا ثقافيا نضاليا وطنيا، لا يجوز التفريط به، ولا التنكير له لسبب او آخر.

ولا يعدم الفكر وسنة التطور والتجديد، كما لا يتوقف البحث والسؤال باتجاه خلق المهام والادوار، وفق المستجدات والمتغيرات المختلفة، ويمكن تصور فاعلية الاندماج في النسيج الثقافي الاجتماعي، مهمة غير مكتملة ولا يسيرة، نظرا لعمق ووفرة المستجدات، ولتغير الاهداف، واخيرا للبدائل والنظائر التي تشاطر الاتحاد مهامه، بل وتوجهاته التي ربما كانت خلافيتها طابع تميزه في السابق، فدينامية الاندماج بما قد تتطلبه من تصورات وآليات خاصة، هي تعميق التفاعل في كل الاتجاهات والابعاد، لأهداف محددة ولمردودية مقصودة. وقد ينعكس هذا، على ايقاع الحركة الذي تفرضه علاقة التناسب بين القدرة والانجاز على مستوى المركز من جهة، والتناسق بين المركز وآليات تعمقه وانتشاره من جهة ثانية، بما يجب ان يحول دون استشعار العجز والاحباط، ويمنع التشتت المخل في الجهود، وقد يلتقي بتصور نوع من (فيدرالية واستقلالية).

ان المهام لا تنقضي ولا تنحصر، وقد يصبح المعهود منها ممجوجا، وفاقدا أسبقيته وفاعليته، لكن لا شيء يسد الافق او يملأ المجال، ولا شيء يجتث (الحاجة المستدامة) الى تفاعل نوعي خاص مع الفكر والابداع، تفاعل لا يمكن بالضرورة في منهجية التذبيج والاحتفاء، بقدر ما يمكن ان يتجسد في البسيط الابسط والعميق الاعمق، من قبيل بذر خلُق وسلوك: لعله في انبثاق فرحة العيد، بطلعة البراءة في لحظة ابداع تتخلق، وتبتُل عناق لشاردة، لا طوع ريح ولا شراع، وروعة تحسس لفلتات الفكر في استعاراته الوجدانية.

* متلق أصابته حالة لهاث.. والحاجة إليه تقتضي النقد والنقد الذاتي

عبد الرحيم مؤدن*

* لعل ما يدور في اذهان المثقفين والكتاب ـ ومنهم بالطبع الكتاب الاعضاء في اتحاد كتاب المغرب ـ هو السؤال التالي: كيف حال الاتحاد؟ السؤال، في حد ذاته، يتجاوز الاسئلة التقليدية التي تطرح عادة، في مناسبات محددة، ومنها مناسبة المؤتمر، ليشمل سؤال الهوية، سؤال «الوضع الرمزي» لـ «اتحاد كتاب المغرب» بعد ان سلخ من عمره حوالي نصف قرن. لم يعد مستساغا الحديث عن «نشاط كمي» يتساوى فيه «الاتحاد» مع جمعية ثقافية تمارس ـ من خلال اعضائها ـ الندوة والمحاضرة وتوقيع الكتاب الخ.. هذا وجه لا يغني عنه من اوجه الممارسة الثقافية، غير ان هذه الاخيرة ـ الممارسة الثقافية ـ تاخذ ابعادا ودلالات بعيدة عن ارتباطها بـ «اتحاد كتاب المغرب». الاتحاد، ونحن على ابواب المؤتمر مطالب باعادة النظر في «ذاته» من حيث الاداة والرؤية، الاستراتيجية.

اولا، على مستوى الاداة:

أ ـ مراجعة المفارقة، بين الكمي والكيفي، ففي الوقت الذي اتسع فيه الاتحاد كميا (اعضاء المكتب المركزي، تأسيس فروع جديدة، مقر جديد، اتفاقيات شراكة الخ..) عرف تراجعا كيفيا (اعادة انتاج الانشطة المكررة، شكل الكثير من الفروع، مركزية الكثير من الانشطة المحلية الخ..).

ب ـ في السياق ذاته، يقتضي هذا الوضع نوعا من الجرأة في التعامل مع البنية القانونية لـ «الاتحاد»، سواء على مستوى العضوية، او على مستوى العلاقة مع الفروع. وبالاضافة الى هذا وذاك فـ «الاتحاد» مطالب بتفعيل «منفعته العامة» من خلال الملموس (الوضع الاعتباري للكاتب).

ثانيا، على مستوى الرؤية:

اذا كان «اتحاد كتاب المغرب» جمعية ثقافية ديمقراطية مستقلة تقدمية الخ.. فان المؤتمر المقبل فرصة للمطارحة والحوار حول شعار «الاتحاد الذي يمثل جوهر منظوره الثقافي والاجتماعي». ألا يمكن القول بأن الشعار ـ من خلال أقانيمه ـ كان من افرازات «السياسي» ـ والاتحاد واكب تحولات المغرب الحديث ـ قبل الثقافي؟ واذا كان للامر مبرراته بسبب ارتباط كل نشاط «جمعوي» بالشعار ـ سواء بشكل مباشر او غير مباشر ـ لشهر «كل البنادق نحو العدو»، فان المرحلة الحالية تقتضي اختيار شعار الاتحاد في سياق التحولات الوطنية والعالمية من خلال منجزه الثقافي وانعكاساته الفكرية والاجتماعية.

ثالثا، على المستوى الاستراتيجي الذي يرتبط بالعنصر السابق من جهة، ولكنه، من جهة اخرى، يطرح وضعية الاتحاد في سياق الوضع الثقافي والاجتماعي. فمن المؤكد ان الاتحاد اصبح في وضع المتلقي بعد ان كان في وضع المرسل، اصبح في حالة «لهاث» بعد ان كان متحكما في ايقاع انفاسه الثقافية وتجلياتها الاجتماعية. ووضعية المتلقي المذكورة سابقا، منعته من حسم او على الاقل توضيح اشكالات كبرى تتوارى وتتاقطع مع استراتيجيته (على سبيل المثال نذكر: تصاعد المد الفرانكفوني الذي زحف على مواقع كانت الى عهد قريب من المواقع التقليدية للاتحاد مثل الجامعة والاندية السينمائية والمدارس الخ.. اشكال العولمة والغزو الثقافي الجديد، الثقافة القومية بخصوصيتها الاسلامية العربية التي اصبحت مطاردة من قبل القطيعة، ومن يدور في فلكها، تدمير الثقافي بوسائل متعددة تأرجحت بين الوعود والوعيد، التدجين والتعميق. ولعل هذا ما يفسر غياب المبادرة في ممارسة الاتحاد دون ان يعني ذلك تحميل الاتحاد ما لا يحتمل، فالاتحاد في كل الاحوال كيان رمزي، ولكنه، في الوقت ذاته، مكون من مكونات التاريخ المغربي الحديث. وهذا يقودني الى الشق الثاني من الحوار المتعلق بدلالة استمرار اتحاد كتاب المغرب، في النسيج الثقافي والاجتماعي المغربي. اعتقد ان الحاجة للاتحاد بالرغم من الملاحظات السابقة، تزداد في المجتمع المغربي، يوما عن يوم، وهذه الضرورة تأخذ مبرراتها الموضوعية من الآتي:

أ ـ من طبيعة الاتحاد التي تقوم في جوهرها، على انتاج الافكار والصيغ الثقافية والطروحات المتداولة في المجتمع والثقافة. فالاتحاد مشتل للافكار والقيم والمواقف الفاعلة في الانسان والمجتمع.

ب ـ الحاجة الى الاتحاد، تقتضي طرح ميثاق شرف جديد، فالتحديات الحالية وطنيا وعالميا تفرض اعادة النظر في المواثيق والعهود السابقة في سياق التحولات المتسارعة.

ج ـ الحاجة الى الاتحاد تقتضي النقد والنقد الذاتي. فالكيان الرمزي الذي يجسده اتحاد كتاب المغرب ليس ملكا خاصا، بل انه مستودع للاعلام الكبيرة، والصغيرة التي عبر عنها الكتاب ابداعا وفكرا، من خلال منتوج ثقافي شكل علامات مميزة في التاريخ الثقافي المغربي الحديث.

د ـ هذه الحاجة ايضا تتطلب تنويع صيغ التواصل بين الاتحاد والمجتمع، فالوسائل التكنولوجية المتطورة (اعلام، انترنت، انظمة، نشر الكتروني الخ..) اداة رئيسية في الانتشار، شريطة ان تحمل هذه الصيغ الحداثية قيم الاتحاد ومواقفه الداعية الى الافضل والاسمى انتصارا للانسان.

هـ ـ استمرار الاتحاد، اخيرا، وليس آخرا، يفرض الانخراط في ديناميكية التحولات المختلفة التي يعرفها المجتمع المغربي، والانساني عامة، في سياق التباسات الحداثة والتحديث من جهة، ومن جهة ثانية، سياق اختلاط المفاهيم وتداخل المرجعيات. حياة كثيرة جرت تحت الجسر مما يفرض على الاتحاد ان يكون «مرصد» هذه التحولات يعلو فيها الشأن الثقافي بتعدده اولا، وبنسغه الاجتماعي الحي ثانيا، وبجرأته في الكتابة والابداع، ثالثا، وبارتباطه بالعصر، رابعا، الذي لا يحول بينه وبين الحفر في «الاركيولوجيا» الثقافية المغربية كشفا للمهمش والثابت والفاعل في التاريخ والثقافة والوجدان.

* ناقد واستاذ جامعي

* بعيدا عن الضحالة الفكرية والثقافة الكسيحة

عبد الاله التهاني*

* في اعتقادي ان على المؤتمر القادم لاتحاد كتاب المغرب ان يكرس الابتعاد عن الطابع السجالي الذي ميز العديد من مؤتمراته السابقة، سجال يندلع بقوة حول بعض القضايا التنظيمية، ويكاد يفوق احيانا درجة النقاش حول العمق، اي دور الاتحاد والرؤية التي تؤطر تدخله في الساحة الثقافية، وفي قضايا اخرى تهم الشأن العام بالمغرب.

من جهة اخرى، افترض ان المؤتمر القادم للاتحاد سيعرف تفجير الطموحات الشابة لشغل مواقع المسؤولية في اجهزة الاتحاد، سواء على مستوى المكتب المركزي او في المجلس الاداري، خاصة بعد حالة التعب والملل من العمل الثقافي التطوعي والتي اصبحت بادية على عدد غير قليل من الاسماء الثقافية، وخاصة من جيل الرواد، على الرغم من ان عودة بعض هذه الاسماء الى تحمل المسؤولية داخل اجهزة الاتحاد سيعزز من صورته ويرقي موقعه في الساحة الوطنية.

واذا كان اتحاد كتاب المغرب يتحرك الآن على ايقاع الاستعداد المادي والادبي لمؤتمره القادم، فان ذلك يتوافق مع حالة الترقب بشأن الشخصية المؤهلة لرئاسة المنظمة خلال الفترة القادمة، خاصة بعد ان اصبح شبه مؤكد ان الرئيس الحالي، حسن نجمي، يفضل مغادرة المسؤولية، والتفرغ لمواصلة التركيز على مشروعه الابداعي ومساره الاكاديمي، بعيدا عن اكراهات التدبير ومتاعب المسؤولية.

وارتباطا بموضوع الرئاسة القادمة للاتحاد، اصبح مطروحا اعادة النظر في اسلوب انتخاب الرئيس، حيث يظهر ان البعض قد يقترح اعتماد اسلوب التصويت على الرئيس من لدن اعضاء المؤتمر مباشرة، بدل الصيغة الحالية المعمول بها، والتي تترك للمكتب المركزي المنتخب صلاحية اختيار الرئيس من بين اعضائه. وسيكون من شأن هذه الصيغة الجديدة تعزيز موقع الرئيس وتقوية مكانته المعنوية وتمكينه من تمثيلية واسعة ومصداقية اكبر.

سيظل الاتحاد مؤهلا للقيام بدور طليعي ومحوري في الحياة الثقافية بالمغرب. لانه يمتلك هوامش واسعة لا تنافسه فيها اية هيئة اخرى. فهو ليس منظمة لترويج منتوج ثقافي، بل هو صانع هذا المنتوج، ومبدع القيم، ومؤصِّلُ الافكار. وبالتالي فهو الذي يصنع التاريخ الفكري والابداعي للبلاد. ومن هنا تتعدد مسؤولياته التي يجب ان يضطلع بها بكل امانة وجدية. واعتبارا لكون شرعيته ستكون مستمدة من ارادة المؤتمر العام، وليس فقط من زملائه في المكتب المركزي، وهو ما سيتطلب من المؤتمر التحلي بمسؤولية اكبر في اختيار الشخصية المؤهلة لشغل موقع الرئاسة القادمة للاتحاد.

من هنا يتعين عليه ان يعمل على ترسيخ انتاج ثقافة مغربية اصيلة في انتسابها وهويتها. حداثية في روحها ونزعاتها. عليه كذلك الا يسمح بانتشار الضحالة الفكرية والثقافة الكسيحة في البلد، وهو مدعو بحكم ريادته وقيمته ومكانته الاعتبارية ان يواجه بحزم كل انتساب مزيف للساحة الثقافية، وان يكون بالفعل قيما امينا على الشأن الثقافي، وحارسا لحرمة الابداع وهيبة الفكر، لصيانة المجال الثقافي من فلول الدخلاء المتكاثرين. على الاتحاد كذلك ان يبلور برنامجا مضبوطا للحوار مع كافة الفاعلين الاساسيين في البلاد من اجل ضمان موقع مؤثر له في القرارات الكبرى المتعلقة بقضايا المعرفة والتربية والثقافة والاعلام والفنون. وسيكون كذلك من الاولويات السعي الثابت والعودة الى ضبط الوضعية القانونية للكتاب والادباء من خلال اصدار تشريع يؤطر عمل ووضعية هذه الفئة، على غرار القوانين المهنية الخاصة بالفنانين والصحافيين والتي اقرها المغرب.

* كاتب واعلامي