«المصري» رواية مغربية مستوحاة من عوالم نجيب محفوظ تجري حوادثها في تطوان

TT

لم تنشر دار الهلال المصرية، رواية للكاتب المغربي محمد انقار، عام 2003، مجاملة له، او لان عنوانها «المصري» ذو دلالة مكانية خاصة، بدليل شهادات بعض النقاد المشهود لهم بعدالة الاحكام على الاعمال السردية، الذين اثنوا واجازوا اول نص روائي طويل خطه يراع الاديب المغربي، المعتزل في مدينة تطوان (شمال المغرب)، حيث يحاضر في كلية الاداب، بعيدا عن مخالطة الاوساط الادبية والثقافية المغربية، ليس تعاليا عليها بل انسجاما مع طبع متأصل فيه، آثر دائما الابتعاد عن الاضواء الكاشفة او الحارقة.

وقبل، ان يفرغ انقار من رواية «المصري» التي اعادت طبعها منشورات «الزمن» المغربية، ضمن سلسلة (روايات) التي يشرف عليها الناقد المغربي سعيد يقطين، صدرت له اعمال ادبية توزعت بين دراسات ذات منحى اكاديمي: «قصص الاطفال في المغرب» وهي في الاصل رسالة جامعية لنيل شهادة الدروس العليا، احرز لقاءها جائزة الكتاب التي تمنحها وزارة الثقافة المغربية (1999)، فيما اختار لرسالة الدكتوراه موضوع «بناء الصورة في الرواية الاستعمارية» حيث حلل صورة المغرب من خلال متن الرواية الاسبانية (1994). كما صاغها وعبر عنها كتاب اسبان ارتبطوا بالمغرب بالاقامة فيه او تمثلوها من خلال السماع والمرويات والقراءات. وفي مجال القصة القصيرة، التي ارتبط اسم انقار بها منذ الستينيات فقد اصدر «مؤنس العليل» و«زمن عبد الحليم» وسيرة حياة «التركي» او «الرجل الذي طار بالدراجة».

ورواية «المصري»، هي مزيج فني من الاعجاب بابداعات نجيب محفوظ الروائية الذي يتمنى بطلها السارد ان يصبح روائيا مثل صاحب الثلاثية، لكنه يصطدم في مسعاه بعدة عراقيل ومضايقات في الاماكن التي يرتادها بمدينة تطوان، حيث تترصده العيون وتعتبره دخيلا او متلصصا على حيوات وطقوس عيش من يريدهم شخصيات تؤثث روايته، بينما يقصد المؤلف التغلغل في تخوم واخاديد المدينة التي احبها، محاولا استخلاص رحيق مآثرها وعاداتها الاصلية، مستلهما في هذا السياق، اجواء وشخصيات الاديب المصري الكبير، غير ان السارد يعلن عن فشله في النفاذ الى سر كنه مدينة تطوان، عكس ما تيسر لنجيب محفوظ، لذلك عبر من باب «التواضع« عن استحالة وضعه في صف صاحب الثلاثية، وهو مكر ادبي مبرز.

تكمن قيمة «المصري« التي تحتاج الى قراءة نقدية متأنية في كونها من الروايات القليلة في المغرب التي تجوس في احشاء المدن العتيقة. والروائي بهذا الصنيع، يسير على خطى اقرانه القلائل الذين سبقوه مخلفا نصا سرديا، يعبق بنكهة المكان وتضاريسه، وينضح بصور الذين تحركوا فوقه، يفترض ان الكاتب نفسه امدهم، الذي وقف متأملا امام كثير من حيطان واسوار ومآثر المدينة، وجاب دروبها وحواريها وارتاد مقاهيها وساحاتها، وخالط اناسها، متخفيا او معلنا عن حضوره. المهم ان الحصيلة نص جدير بالقراءة والاهتمام.