موقعان شخصيان لشاعرين مصريين أنشأهما شاعر بحريني

مبدعون وأكاديميون مصريون يتحدثون عن ضعف مواقع المؤسسات الرسمية وقلة مواقع الكتاب (1 من 2)

TT

في الحلقة السابقة طرحت «الشرق الاوسط» موضوع النشر الالكتروني على عدد من الكتاب والمبدعين المصريين، من حيث المخاوف منها او الاقبال عليها، وهل هي بديل عن الكتاب المطبوع ام مكمل له. واتضح ان النشر الالكتروني لم يصل الى اوساط المبدعين بعد لاسباب كثيرة، بل تبين انه لا توجد مواقع شخصية على الانترنت لكبار المبدعين في مصر باستثناء موقعين للشاعرين امل دنقل وصلاح عبد الصبور انشأهما الشاعر البحريني قاسم حداد.

في هذه الحلقة يتابع الكتاب والمبدعون المصريون الادلاء بشهاداتهم حول هذا الموضوع:

يقول الشاعر علاء الدين رمضان أحد أصحاب أول ثلاثة مواقع على الإطلاق للشعر المصري ولشعراء مصريين على الإنترنت (موقع غابة الدندنة) «إن للكتاب الورقي قيمة كبرى لا نستطيع أن ننال منها لأنها قيمة ذات جذر تعودي وتقليدي»، مشيراً إلى أنه لا يعتقد أن ذلك سببه قصور النشر الإلكتروني، ولكن «لأننا لم نزل في أطوار بعيدة تماماً عن الثقافة والمعرفة واتخاذ الإنترنت بوصفه السبيل لبناء القيم المعرفية».

ويضيف رمضان «أود ألا أكون مبالغاً إذا قلت إن تسعين بالمائة من المستخدمين يميلون إلى التسلية البحتة، أما بخصوص الانتشار فأعتقد أن الطباعة تسمى النشر والنشر معناه وصول العمل إلى عدد كبير من الناس أو المتلقين، وإذا قارنا انتشار الكتاب الورقي بالانتشار الإلكتروني نجد أن موقعي خلال سنوات يسيرة استطاع أن يصل رواده إلى أكثر من خمسة وعشرين ألف زائر، أما النشر الورقي فإنه لا يصل بسهولة إلى من هم ألصق بالاهتمام به وأعنى، فقد نشر لي مثلا عام 1996 كتاب ضمن مطبوعات اتحاد الكتاب العرب ولم استطع الحصول على نسخ منه، فبينما كتب الاتحاد اليوم في متناول كل مستخدم بواسطة موقعه على شبكة الإنترنت».

ويعتقد رمضان أن هناك أيضاً عامل التلقي التفاعلي الإبداعي وهو أمر يتحقق بوساطة النشر الإلكتروني ويكون أسرع وأنفع منه في النشر الورقي، فبإمكان المتلقي مناقشة الكاتب في أطروحاته الإبداعية أو البحثية، ومعاودة الأخذ والرد في سياقات متنوعة، حتى يصل الطرفان إلى قناعة أو على الأقل إثراء العمل المطروح، وربما لا يستغرق كل ذلك أياماً معدودات أو أسابيع ريثما يتم في ضوئها إعادة إنتاج الكتاب الإلكتروني في صيغة محسنة شارك فيها القراء، ويقول «وأنا بوصفي اضطلع بعملية النشر الإلكتروني أرى أنها ذات قيمة وبخاصة ما المسه من تجاربي الشخصية، إذ أعرف أن عدداً من الأصدقاء كونوا فعلا مكتبة إلكترونية في أجهزتهم يرجعون إليها دائماً، كما كانوا يرجعون الى الكتب الورقية، وهي نافعة، وناجحة بكل المقاييس، بل وأيسر في التعامل».

* ضروريات ما بعد الإبداع

* ويتفق مع هذا الرأي الشاعر بهاء الدين رمضان (صاحب أحد أول المواقع المصرية التي أطلقت عام 2000) حيث يرى أن ظاهرة النشر الإلكتروني أصبحت ضرورة من ضروريات ما بعد الإبداع بالنسبة للمبدع، ولم تعد هذه الظاهرة ظاهرة في عالم النشر، فهي تماثل ـ في تصوره ـ النشر بالوسائل والأساليب التقليدية غير أن انتشارها أسرع، ولا يتم إخراجها ورقياً.

ويرى رمضان أنه باستعراض حال النشر الإلكتروني في مصر الآن بين الهيئات العامة والجهود الفردية الخاصة، أن جهود الهيئات العامة في مصر ـ في مجال النشر الإلكتروني ـ لم تزل محدودة للغاية، ولم تستطع هذه الهيئات استغلال ما هو متاح لها من مساحات على شبكة الإنترنت، والدليل على ذلك موقع اتحاد كتاب مصر أو موقع الهيئة العامة للكتاب، وموقع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، غير أن هيئة قصور الثقافة في الفترة الأخيرة استطاعت أن تبدأ خطوات جادة من خلال موقعها ومن خلال موقع مجلة «الثقافة الجديدة» التي تصدرها لكننا ننتظر منها الكثير، وبإمكانها استغلال قدرات المبدعين والأدباء ممن له دور واضح في هذا المجال.

ويشير رمضان إلى أنه في المقابل نجد أن الجهود الفردية في مصر بدأت مبكراً قبل الهيئة العامة، لافتاً إلى أنه إذا نظر إلى مدى استفادته شخصياً من النشر الإلكتروني عبر موقعه، فإن كل ما يهم المبدع الوصول إلى القارئ، وأنه وجد أن هناك قراء قد يصل عددهم خلال أشهر قليلة إلى الآلاف، وأهم من ذلك هو التفاعل بين القارئ والمبدع لسهولة الاتصال بينهما عن طريق الشبكة وهذا لم يكن متاحاً للمبدع حينما كان ينشر أعماله ورقياً فقط.

ويضيف أنه بالنشر الإلكتروني يتم الاتصال بالأدباء في جميع أنحاء العالم لا العالم العربي فقط بسهولة ومحبة وربما لقاء وحوار، يومياً ولساعات طويلة، غير أنه يعود ليقول إن النشر الورقي يظل هاجساً لا غنى عنه لأي مبدع حتى ولو وصل عدد قرائه إلى المئات في اليوم الواحد على شبكة الإنترنت، لماذا؟، لأن شبكة الإنترنت متاحة للجميع، لكن يبقى هاجس انهيار هذه الشبكة قائما أو إغلاق الموقع لسبب أو لآخر، والمبدع يبحث عن الخلود والاستمرار.

ويعتقد رمضان أن أهم سبب في عدم وجود مواقع لأدباء مصر الكبار هو المؤسسات والهيئات لأن أغلب هؤلاء ليس لديهم وقت لهذه التقنية الجديدة حتى يخوضوا في غمارها أو أن نظرتهم لها لا تزل نظرة الشك والريبة، مشيراً إلى أن بعض الأفراد قاموا ببناء مواقع لأدباء كبار مثل موقع الفاجومي لاحمد فؤاد نجم، وموقع نجيب سرور، مطالباً المؤسسات العامة ببناء مواقع على شبكة الإنترنت لأدباء مصر الكبار وتبني المواقع الجادة.

* سيصبح بديلاً

* الشاعر احمد فضل شبلول يقول إن كل الظواهر تشير إلى أن النشر الإلكتروني سيصبح بديلا للمطبوع في المستقبل، فازدياد شعبية شبكة الإنترنت، ورخص أسعار الاسطوانات المدمجة والـDVD ودخول الناشرين والكتاب إلى العالم الرقمي، وكثرة المواقع الإلكترونية على الشبكة، وزيادة سرعتها، واعتمادها في المستقبل القريب على خطوط الكهرباء بدلاً من كابلات الهاتف والستالايت واعتماد الأطفال الحاليين على الألعاب الإلكترونية، وتعودهم على النظر إلى شاشة الكومبيوتر خلال هذه الألعاب، واتصالهم ببعضهم البعض عن طريق الشاتينج والميل، بل ووضع المناهج الدراسية في صيغة رقمية، وانتشار مقولة إن أي تراث لن تتم رقمنته سيصبح تراثاً منسياً، كل هذا وغيره يعد مؤشراً قوياً على أن النشر الإلكتروني سيصبح ـ في رأيه ـ بديلا للمطبوع في المستقبل.

ويعتقد شبلول أن سبب قلة موقع الكتاب المصريين الكبار على الإنترنت هو عدم إيمان هؤلاء الكبار بأهمية النشر الإلكتروني، وخوف بعضهم من أجهزة الكومبيوتر أو ما يسمى رهاب الكومبيوتر، وعدم رغبة بعضهم في التعامل مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، التي قد تشكل عالماً غامضاً بالنسبة لهم، أو عدم وجود وقت للتعلم لدى بعضهم، أو عدم وجود رغبة في التعلم وتحديث ملكاتهم الإبداعية، فضلا عن استبداد العادة القديمة بأصحابها وهي عادة الكتابة بالقلم على الورقة البيضاء، وشطب بعض ما يكتب، وإعادة كتابته من جديد على الورق، وهي عادات من الصعب التخلص منها لدى الكبار عموماً، مشيراً إلى أنه ليس من المعقول أن يتعلم نجيب محفوظ ـ في هذه السن ـ الكتابة على الكومبيوتر مباشرة، وأن يرسل ما يكتبه عن طريق البريد الإلكتروني لبعض الصحف والمجلات الإلكترونية، فضلا عن أن إنشاء موقع للأديب والكاتب قد يحتاج إلى تمويل مادي ليكون موقعاً مناسباً لاسم هذا الأديب أو ذاك، ويكون مجهزاً بكل التقنيات المطلوبة، وهو ما سيشكل عبئاً مادياً إضافياً على أعباء الكاتب يقوم بترحيله باستمرار.

ويرى شبلول أن سبب ضعف المواقع الرسمية، موقع هيئة الكتاب مثلا، هو عقلية القائمين عليه، وأنهم لم يؤمنوا بعد إيماناً كاملا بأهمية النشر الإلكتروني والتواصل مع القارئ من خلاله، والسبب في ذلك أن القائمين على النشر عموماً في هيئة الكتاب، معظمهم من (كتيبة) النشر الورقي والأحبار وماكينات الطباعة العملاقة ومخازن الورق ومكافحة الفئران، والحشرات، يجدون أن النشر الإلكتروني منافس خطير لهم ولعملهم الذي تعودوا عليه سنين وسنين.

ويقول شبلول: أما بالنسبة لمواقع اتحاد الكتاب ـ على سبيل المثال ـ فقد كان تابعاً حتى وقت قريب لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، ولكي نقوم بالتحديث المستمر وإضافة مواد جديدة، يجب الذهاب أولا لأحد موظفي المركز الذي لديه وحده كلمة سر الدخول على الموقع وتحديث ما به من بيانات ومواد، وباعتباري رئيساً للجنة الإنترنت والكتاب الإلكتروني بمجلس ادارة الاتحاد، فقد قررت مع أعضاء اللجنة إعادة بناء الموقع بطريقة جديدة، والاعتماد على أنفسنا، أو على شركات خاصة في هذا المجال، لذا حدث هذا التأخر في تحديث الموقع، الأمر الذي يؤدي حالياً بالفعل إلى نظرة عدم رضا المتصفح لموقع اتحاد كتاب مصر بوضعه الحالي.

ويشير شبلول إلى أن النشر الإلكتروني حقق له ما لم يحققه المطبوع، حيث حقق له فرصة نشر أعماله في قصائد ودراسات ومقالات وعروض كتب ومتابعات وغيرها في مواقع عدة، أصحابها موجودون في سويسرا وإنجلترا وفرنسا وهولندا وألمانيا وإسبانيا وأميركا وكندا واستراليا والسعودية وغيرها، مشيراً إلى أنه لو لم يكن هناك نشر إلكتروني لما عرف هؤلاء الناشرون الأدباء، وما كان حقق التواصل المنشود معهم بل أن بعض أعماله ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية عن طريق مترجمين يتعاملون أو يتصفحون هذه المواقع.

وأتاح له النشر الإلكتروني أيضاً، كما يضيف شبلول، سرعة نشر أعماله ومعرفة عدد المتصفحين لها، وفرصة الحصول على دعوات لحضور بعض المؤتمرات خارج مصر، وإعادة نشر كتبه الورقية واخراجها بالطريقة التي يجب أن تنشر بها في العالم الورقي، مشيراً إلى أنه أصدر ديواناً شعرياً بعنوان «تغريد الطائر الآلي» رصد فيه تجربة الشاعر في عصر المعلوماتية وفضاء الإنترنت، فضلا عن كتبه: أدباء الإنترنت أدباء المستقبل، وتكنولوجيا أدب الأطفال، وثورة النشر الإلكتروني، وهي كتب في رأيه، لم تكن لتوجد لولا وجود عالم النشر الإلكتروني، أو اعتماده فقط على النشر الورقي.

* للكتاب الورقي سطوته

* وتقول الشاعرة فاطمة ناعوت: لا استبعد ان يغدو الالكترون بديلا للنشر الورقي، سوى انني لا اتمنى ان اشهد ذلك الزمن. للكتاب الورقي سطوته وسحره الخاص، لا سيما علينا نحن ابناء تلك الثقافة الذين نشأنا على مرافقة الكتاب وتجميع قروشنا القليلة، حين كنا صغارا، من اجل الحصول عليه، اذ كانت متعتنا الاولى ان لم تكن الوحيدة هي التجوال بين اروقة معرض الكتاب والمكتبات وسور الازبكية الشهير لالتقاط الكتب قديمها وجديدها. فكبرنا على مصاحبة الكتاب والتدوين على هوامشه واحتضانه عند النوم، الكتاب الذي مسك عميقا يغدو كائنا حيا بمرور الوقت، تشعر به وبملمسه وبرائحته، ربما تكلمه وتسمعه يكلمك، لا يمكن ان تكون مثل تلك العلاقة مع الالكترون البارد والشاشة اللامعة.

وتضيف ناعوت: لا انكر ان الالكترون بوسعه اختزال اطنان من الورق، فموسوعة ضخمة من عشرين مجلدا يمكنك اختصارها في قرص رقيق وزنه عشرون جراما، غير انني رغم ذلك، لا اتصور ان ينقرض عالم الورق كلية، رغم التخطيط لإحلال اليوتوبيا الالكترونية E-TOPIA خلال هذا القرن، لان المنجزات البشرية لا يهدم احدها الاخر، ربما تزيح الاقدام عن بؤرة السيادة لكنه يظل قائما يشهد على ما قدمه الانسان لهذا الكوكب. الطائرة لم تلغ وجود الحصان. ويظل الحصان اكثر جمالا وشاعرية مثلما ستظل الورقة والقلم والمداد الازرق الساحر.