دارسون ونقاد يجمعون على أحقية أحمد المجاطي بلقب شاعر المغرب الحديث

TT

ليس من باب المبالغة او الاعجاب المفرط ان تطلق رابطة ادباء المغرب على الراحل احمد المجاطي، لقب «شاعر المغرب» وإن كان الذوق الادبي الحديث لم يعد يقبل مثل هذه الصفات والنعوت التي كانت في الماضي تعبر عن تعصب فئة او تفضيل طائفة من النقاد، لشاعر ما، مؤثرة اياه على سائر نظرائه، وحتى امير الشعراء احمد شوقي الذي بويع ديمقراطيا في حفل كبير بالقاهرة، لم يسلم من التشكيك في جدارته بلقب لا يمت الى الابداع بصلة.

ظل احمد المجاطي (1936 ـ 1995) شاعر الندرة طوال حياته الحافلة بالمكابدات الذاتية، مقاوما اغراءات الاكثار من الانتاج، رافضا ان يكون لسان الغير على مستوى القاموس اللغوي والايقاع والصور والاخيلة، أو الانتساب لمدرسة شعرية معينة، لذلك تعددت المؤثرات والظلال في شعره ونجح في اخفائها في تلابيب لغته الصافية البلورية وخبايا ذاته الملتهبة ووجدانه المنكسر جراء الاخفاقات، فأعانه كل ذلك على كتابة «القصيدة الفريدة الغراء»، وجاء تجديده غير مسبوق، واضافة نوعية الى القصيدة المغربية الحديثة، ماثلة في كل نماذجه، وهي سمات يقر بها من حاولوا السير على منواله او اتخذوا لهم نهجهم الخاص.

في شهر ديسمبر (كانون الاول) من العام الماضي، دعت الرابطة بمبادرة من رئيسها احمد المديني، الوفي لروح الشاعر، الى يوم دراسي عقد بكلية الآداب بالرباط التي كان الراحل استاذا بها، جمع طائفة من النقاد والدارسين المختصين في الادب الحديث، فيهم من ارتبط بصداقة شخصية مع المرحوم المجاطي. قاربوا شعره وأطلوا على عوالمه الغنية من زوايا نظر متعددة، على اعتبار انه يصعب الامساك بسر القصيدة عند المجاطي او تصنيفه ضمن قوالب فنية محددة، مما استوجب اضاءة تلك الدراسات بشهادات ذاتية عن صاحب ديوان «الفروسية»، حررها كل من ابراهيم السولامي (زميل الشاعر في كلية الاداب) محمد الهرادي القصاص النديم، نجيب العوفي، المبهور بلغة المجاطي وسحر ايقاعاته ونمط حياته، احمد الطريبق الشاعر ذو المنحى الصوفي المغاير، مصطفى يعلى القاص الذي درس على المجاطي ولم يخالطه. احمد العلوي الذي عنون شهادته «المعداوي وامامة الشعر».

ليس سهلا انتزاع الاعتراف بالامامة من دارس موهوب كالعلوي، مشى في درب الشعر زمنا، ثم توقف اوانه يخفي بضاعته الى حين. ويختم الشهادات محمود عبد الغني مؤلف (قبر بلا زوار) وهو شاعر شاب من انصار قصيدة ما بعد حداثة المجاطي، ابداعا ومواكبة نقدية.

تناولت، باقي دراسات الكتاب، وعددها 11، ابرز سمات القصيدة عند المجاطي، وتوقفت اساسا عند خاصيات الايقاع ومنجزه اللغوي المتفرد وبراعة معادلاته التوفيقية بين السياق الاجتماعي وتجربته الوجدانية الاسيانة. وهذه الصفات وغيرها، اثمرت ما اسماه عن حق القاص المغربي احمد بوزفور في مداخلته «القصيدة المثلى».

يضم الكتاب الواقع في 230 صفحة من الحجم الكبير، نموذجين شعريين مشهورين الفروسية والقدس، عدهما اكثر من دارس تعبيرا مكثفا جامعا عن تيمتي السقوط والاخفاق، اللتين تهيمنان على تجربة الشاعر. قصيدة «الفروسية» تتدثر بعباءة تجربة اخفاق اليسار في المغرب في بداية الستينات، وهي لعبة الفرسان يمتطون الجياد ويطلقون النار من بنادق تقليدية. فيما تحيل «القدس» على الانتكاسة القومية التي طالت العالم العربي عام 1967 .

تجدر الاشار الى ان الشاعر خلف دراستين الاولى عن «ظاهرة الشعر الحديث في المغرب»، والثانية عن «ازمة الحداثة في الشعر العربي الحديث»، ونال بهما على التوالي درجتي الماجستير ودكتوراه الدولة من الجامعة المغربية، عدا ديوانه الوحيد «الفروسية» المطبوع مرتين.