غناء الجواري والتطور الشعري في العصر العباسي

كتاب كويتي يتتبع أخبار الشعر والجواري منذ قيام الدولة العباسية إلى نهاية خلافة الواثق

TT

صدر عن دار «قرطاس» بالكويت اخيرا كتاب «الجواري والشعر في العصر العباسي الأول» لأستاذة الادب العربي بجامعة الكويت الدكتورة سهام عبد الوهاب الفريح، التي تتبعت اخبار الجواري والشعر منذ قيام الدولة العباسية عام 132 هجرية وحتى نهاية خلافة الواثق عام 232 هجرية، وهو عصر ازدهرت فيه الثقافة وكان للادب شأن كبير.

وتقول المؤلفة ان العصر العباسي لا يزال، بامتداداته، وعصره الاول بصفة خاصة وعلى الرغم من ترادف الدراسات حوله، قادرا على اثارة الاهتمام، وداعيا الى مزيد من البحث في ظواهره الفنية المختلفة، اذ توافر له ـ لظروف عديدة ـ ما لم يتوافر لعصور سبقته او لحقته، من الغزارة والتنوع والصراع بين دواعي المحافظة واسباب التطور او التجديد.

الجواري في المجتمع العباسي وركزت الدكتورة الفريح في الفصل الاول من كتابها على وصف الحياة الاجتماعية في العصر العباسي الاول، الذي كثرت فيه الجواري كثرة مفرطة، بسبب الحروب، واتساع نطاق الدولة، وانتشار تجارة الرقيق انتشارا واسعا، وكانت الجواري فيه من اجناس مختلفة، ذكرت المؤلفة مصادرهن وانواعهن واستعانت برسالة بن بطلان في ايضاح ذلك، رغم اشارتها الى ان الرسالة متأخرة الا انها تنطبق على الجواري في عصر بن بطلان وقبل عصره. واستنتجت المؤلفة من الرسالة ان الملامح العضوية والنفسية التي حددت صفات الجواري اللواتي ينتمين الى اصول مختلفة تدل على وعي كبير بخصائص تلك الشعوب، وان للطبيعة اثرا مهما في خلق التواؤم او التنافر بين الجارية والبيئة التي انتقلت اليها، كما ان المواطن الاصلية للجواري لم تعد المصدر الوحيد لتزويد المنطقة العربية بهن، وانما صرن يتكاثرن بالزواج من الرقيق واصبحت الجارية تنسب بالمولد.

وانتقلت المؤلفة بعد ذلك الى الحديث عن اصحاب الجواري، من النخاسين ودورهم في اسواق الرقيق. ودور القيان، ووصف ما كان يجري فيها من مجون وعبث ولهو في ذلك العصر، واهتمام اصحاب هذه الدور بطبقة الاغنياء والشعراء، ثم تعليم الجواري وتثقيفهن والجهود الكبيرة التي بذلها اصحابهن في هذا السبيل، حتى بلغن من ذلك مبلغا رفيعا، واخذ بعضهن يجادل ويحاور في كثير من العلوم والفنون.

الغناء ودور الجواري في الفصل الثاني تعرضت المؤلفة للغناء، وما كان للجواري من اثر في نقل هذا الفن من الحجاز الى العراق، ثم اتساع موجة الغناء، واهتمام اهل العصر بهذا الفن، وذكرت مجموعة الخلفاء وابنائهم الذين كانت لهم صنعة في الغناء. ثم عددت الوان الغناء الذي كان على ضروب مختلفة كالغناء المنفرد، والغناء المصحوب بالجوقة، والغناء المصحوب بالرقص، كما تعرضت للآلات الموسيقية، التي استخدمها اهل ذلك العصر بأشكالها واصولها المختلفة، ومدارس الغناء التي ظهرت في العصر، نتيجة لتطور هذا الفن الذي اصبحت له قواعده واسسه التي يفقهها المغنون، والمنازعات والمحاورات بين مدرسة الغناء القديم الذي تزعمه اسحق الموصلى ومدرسة الغناء الجديد التي راحت تطور هذا الفن على اساليب وطرق يبتدعها المغنون، حتى تساير روح العصر وكان يتزعم هذه المدرسة ابراهيم بن المهدي.

ثم تناولت الدكتورة الفريح في الفصل الثالث مجموعة الشعراء الذين اشتهروا بالتغزل بالجواري، واتساع نطاق الغزل وشيوعه، بسبب التقدم الحضاري والمزج بين حضارات الامم المختلفة نتيجة اتساع رقعة الدولة العباسية، ثم الغنى والرخاء الذي عم البلاد، وكثرة الجواري والقيان اللائي كن مدار شعر الغزل وسهولة الاتصال بهن.

الجواري الشاعرات وتطرقت المؤلفة في الفصل الرابع، للجواري الشاعرات اللائي تفوقن في نظم الشعر، رغم انها «لم تجد اخبارهن واشعارهن بالوفرة الكافية». وتقول عن ذلك «ان هؤلاء الجواري ذوات الثقافة والادب اللاتي يحضر مجالسهن الادباء ويتبارين مع فحول الشعراء لا يمكن ان تكون هذه الابيات القليلة هي كل نتاجهن الفني»، مما جعلها ترجح ان تكون اشعارهن واخبارهن قد فقدت واصابها الضياع، رغم وقوفها عند جاريتين شغلتا المجتمع العباسي وسيطرتا على تفكير كثير من الخلفاء والشعراء، بما كانتا تملكانه من موهبة فنية في نظم الشعر ورواية الاخبار والاشعار، وهما عنان جارية الناطفي، وعريب جارية المأمون.

الخصائص الفنية في الفصل الخامس والاخير درست المؤلفة الخصائص الفنية، فتحدثت عن اللغة والاسلوب وما طرأ عليهما من ميل نحو الشعبية واستعمال لغة الحياة اليومية، حتى اتجه بعض الشعراء الى استعمال الامثال الشعبية وبعض الفاظ التظرف، واشاعة الرقة في لغة الغزل نتيجة تأثر هذه اللغة بالحياة المتحضرة الجديدة، وبالثقافة الشائعة، فمال اسلوب الشعراء الى البساطة والسهولة مستفيدا من لغة العصر المتطورة، التي نشأ معها اسلوب جديد سمي باسلوب المولد، او المولدين.

كما تطرقت في هذا الفصل الى الاوزان والقوافي، واشارت الى ما اصابها من تطور وتغير، وكيف ان الشعراء ابتعدوا عن الاوزان الطويلة واتجهوا الى الخفيفة، ووجدت، ان للغناء اثراً كبيراً في ذلك، حيث اخذ الشعراء ينظمون في اوزان جديدة تتلاءم وذوق المغنين، كما اكثروا من النظم في الاوزان المهملة التي سجلها الخليل مثل المجتث والمضارع والمقتضب.