أدب الطفل بين العداء والغربة

باحثون عرب وأجانب في مؤتمر «الحكايات الأفريقية للطفل عبر الحدود والمحيطات»

TT

طالب باحثون وكتاب مصريون وأجانب متخصصون في أدب الأطفال بضرورة وجود آليات لترجمة أدب الأطفال الأفريقي وتوصيله إلى أوروبا وأميركا بحيث تساهم في تعريف الطفل هناك بالطفل في القارة السمراء، وقالوا إن الأطفال هم الأمل في تغيير نظرة العداء لأفريقيا، لذا يجب التركيز عليهم لان محاورة الكبار غير مجدية. وأشار الباحثون الذين شاركوا في مؤتمر أدب الأطفال الأفريقي بعنوان «الحكايات الأفريقية للطفل عبر الحدود والمحيطات» والذي عقد حديثا في المجلس الأعلى للثقافة بمصر إلى أهمية أن تقدم أفريقيا نفسها إلى العالم عن طريق ترجمة حكاياتها الشعبية والأسطورية لأطفال العالم، كما طالبوا بضرورة أن يتعرف أطفال أفريقيا بعضهم بعضا لذا لابد من وجود مؤسسات هيكلية تجمع أدب الأطفال الأفارقة وتقوم بفرزه وترجمته وطبعه وذلك في إطار استراتيجية بعيدة المدى هدفها دعم ثقافة الطفل الأفريقي وتقويتها ونقلها عبر حدود أفريقيا إلى قارات أخرى.

ودعا الدكتور مسعد عويس أصحاب القرار في البلدان الأفريقية الى أن ييسروا عمل المبدعين والعاملين في مراكز قيادات الطفل وان يهتموا باكتشاف المواهب الأفريقية مبكرا حتى يمكن توجيهها إلى المجال الذي تستطيع أن تبدع فيه وتخدم القارة.

وقال عويس يمكن أن يحدث هذا من خلال استخدام فنون الطفل والعناية بأدب الأطفال الأفريقي بشرط وجود منظومة متكاملة تغطي كل جوانب الإبداع.

وذكر الدكتور عويس أننا لا نعرف الطفل الأفريقي إلا عن طريق وسطاء يترجمون لنا ما يتوافق ورؤيتهم لذا يجب أن نتعرف على الطفل الأفريقي عن قرب دون وسطاء وان نعرف في الوقت نفسه رؤية الآخرين لنا. وقال د. عويس هدفنا أن يتعرف الطفل في أفريقيا على نفسه ويتعرف العالم عليه ويجب أن نناقش الخبرة التاريخية الأفريقية المتراكمة والتي ما زالت تمارس ألوانا من الاستغلال لأطفال القارة حتى الآن وتخليص العلاقات الأفريقية من رواسب تؤثر على الطفل وتجعله يتعرض لألوان من الانتهاك والاستغلال، ونبه الدكتور عويس إلى ضرورة البحث في التراث الشعبي الأفريقي وخلق نموذج مثالي لأطفالنا والبحث عن مسائل تروج الثقافة الأفريقية وتوصلها إلى أطفالنا حتى لا نجد أطفالنا في ظل انتشار وسائل الاتصال الحديثة وقد اكتسبوا أنواعا من السلوك تؤدي بأطفالنا في النهاية إلى حالة من الاغتراب وتبعدهم عن مجتمعهم وقيمه، وقال عويس نريد أن نضع تصورات قابلة للتطبيق بشرط أن يكون هناك موظفون في الحكومة يفهمون عمل الأطفال وهذا غير موجود إلا نادرا فمعظمهم يعوقون العمل ولا يعطون له الأهمية التي يستحقها.

وأضاف الدكتور مسعد عويس إلى أن أدب الطفل هو الذي يتعامل مع الجوهر الإنساني في المشترك مع الإنسانية ويدخلنا في رؤية أوضح للعالم كله، كما أن أدب الطفل له تأثير على رؤيته للمستقبل حيث يترسخ في ذهنه احترام ما هو جميل وخير وحق.

* خطة قومية

وتحدثت الدكتورة ليلى كرم الدين عن دور أدب الأطفال في تحقيق التقارب الثقافي الحضاري بين الدول مشيرة إلى أن بناء المواطنة والتنشئة السياسية والاجتماعية للطفل يتوقفان إلى حد كبير على دور للأدب وثقافة الطفل وهما يستطيعان مساعدة الأطفال على مواجهة مشاكلهم، وذكر الدكتورة كرم الدين أن الأدب إذا ما أحسن إعداده يمكن أن يقوم بدور في التقريب الثقافي بين الجماعات العرقية الأفريقية وبين الفئات المختلفة في المجتمعات وبين الثقافات.

ودعت الدكتورة كرم الدين إلى ضرورة اختيار كتب الأطفال الجيدة لتقوم بدور حضاري يؤدي هذه المهمة ويقدم صورة حقيقية عن العرب والمسلمين والتراث الحضاري لدينا عامر بما يمكن الاستفادة منه في تحقيق ذلك.

وأكدت الدكتورة ليلى على ضرورة وجود خطة قومية لترجمة أدب الأطفال الأفريقي من اجل تغيير وجهة نظر أطفال العالم نحو بلادنا بالإضافة إلى تحقيق نوع من التقارب الثقافي بين أطفال البلدان العربية والأفريقية نفسها، ونبهت إلى وجود كتب مترجمة من الغرب تربط أطفال القارة بما يحدث في بلاد أوربا وأمريكا وهناك حكايات ونماذج لا بد من التصدي لها في هذا المجال مثل نموذج الفار مبكي ماوس الذي يمتلك فهما كبيرا لحب المال وهو نموذج يمكن أن يتسرب إلى أطفالنا ويربطهم بالنموذج الرأسمالي الغربي في الوقت الذي نسعى فيه إلى إعادة بناء الإنسان العربي والأفريقي وربطه بثقافته، وقالت أن هذا لا يعني الانغلاق على أنفسنا لكن المهم أن يعرف الطفل ثقافته أولا ولغته حتى يمكنه أن يتعرف على الثقافات الأخرى.

وقالت الدكتور كرم الدين أن هناك مشكلة كبيرة تواجه أطفال القارة الأفريقية وهى انصرافهم عن القراءة والكتاب واتجاههم إلى الإنترنت لذا يجب أن نستخدم الوسائل الحديثة في توصيل الثقافة العربية والأفريقية بما فيها مد قيم تحفظ هويته وشخصيته الحضارية.

ونبهت الدكتورة ليلى إلى قيم سلبية يمكن أن تتسرب إلى الطفل الأفريقي عبر ما أسمته القراءة السلبية والتي تأتي من انجذاب الأطفال لقراءة القصص البوليسية ذات العناوين المغرقة في الجريمة والتوحش وهي مغامرات يكتبها أعداء الشعوب وترتكز على أفكار عنصرية تميز عنصرا ضد آخر وتحتقر الشعوب لمصلحة جنس معين، كما أن هناك كتبا تجعل الأطفال يؤمنون بالخرافات لافتة الى أن هناك ثقافة واحدة عالمية تجتاح العالم وهى في سبيل التشكيل وهدفها خلق فرد بلا انتماء وهذا ما يجعلنا نعي جيدا دور أدب الطفل الأفريقي في بناء الفرد لدينا.

* خصوصية الكتابة

وأشارت الدكتورة شهناز الفار إلى خصوصية الكتابة للأطفال، ما يرتبط بها من قرائن ومواجهات تحكم طبيعة التعامل مع تقنيات الكتابة للمراحل المختلفة، وقالت أن هناك كتابا يقدمون كتابات للأطفال تكشف عن عدم إلمام كاف بتقنيات الكتابة لهم، كما انهم تعوذهم تدريبات على الإلقاء والسرد الحكائي وهى عمليات تكميلية تتطلبها الكتابة للأطفال، وذكرت الباحثة أن هناك إشكالية تواجه أدب الطفل وتكمن من التعامل معه كأدب منفصل تماما عن أدب الكبار وأشارت إلى وجود نقاط مشتركة كثيرة بين الجانبين وان الشيء الوحيد الذي ينفرد به أدب الأطفال الذي يخاطبه الأديب.

وأضافت أن هناك إشكالية أخرى أكثر خطورة وهى أن المبدعين يحجمون عن الكتابة للأطفال ظنا منهم أن مبدعي الأطفال اقل قيمة من كتاب أدب الكبار.

وركزت الدكتورة ايلين دونالدس من جنوب أفريقيا في حديثها على اثر الشتات الأفريقي على شخصية الفتاة المراهقة من خلال دراستها لروايات الكاتبة اوكتيفيا بتلر وحللت دونالدس الأحداث وما تتعرض له الفتيات الأفريقيات من صراعات نفسية نتيجة الهجرة من أفريقيا في محاولة للحفاظ على الهوية والشخصية الأفريقية التي يحاول الاستعمار طمسها والتقت ايلين مع الباحثة الأمريكية دنيا جونسون في هدف الدراسة حيث حاولت الثانية من خلال مجموعة من قصائد ديان جونسون كشف واستكناه مشاعر الفتاة المراهقة في ظل حياة الغربة في الولايات المتحدة الأمريكية التي يعيشها الأفارقة هناك، وعلى جانب آخر قدمت سوزان شبت كوج من زيمبابوي صورة للفتاة الافريقية في الأدب الشفاهي في دول أفريقيا وقارنت بين تلك الصورة القديمة وصورتها في الأدب الحديث وحاولت كوج تحليل الموروثات الحضارية والثقافية التي تكون الوجدان في أفريقيا وتقف وراء تشكيل صورة الأنثى والذكر في الإبداع الشفاهي الأفريقي.

وتتبعت الكاتبة المصرية فاطمة المعدول من خلال اختيارها لمجموعة من قصص كتاب أطفال مصريين صورة الأنثى في كتاباتهم واشارت إلى أن الصورة العامة لها تقليدية سلبية حيث تم تصورها على أنها عاطفية سلبية السلوك تحتاج دائما إلى عون الرجل فهي لا تستطيع مواجهة مشاكلها وترى أن العمل يفتقد أي أهمية لديها وهو أن وجد عمل روتيني وتقليدي تلجأ إليه الأنثى من اجل حاجاتها الاقتصادية، واضافت المعدول أن معظم قصص الرواد صورت الأنثى باعتبارها كائنا غير منتج لكنها، مع ذلك ذكرت أن هناك عنصرا إيجابيا واحدا في قصص الأطفال لدى جيل الرواد المصريين حيث صوروا الأنثى متفانية وقادرة على العطاء وتقديم العون للآخرين وهذا نابع من شخصيتها المحبة للخير والعطاء، كما أن هناك تقديرا واحتراما للأنثى يشيع بين أجواء القصص حيث يضعها الكتاب في مكانة هامة نابعة من رؤية المجتمع المصري للمرأة بشكل عام.

وأشارت المعدول إلى أن الصورة التقليدية للأنثى في أدب الأطفال المصري بدأت تتغير في الأدب الحديث حيث اصبح النموذج العصري لها الذي يتصف بالعقلانية والإيجابية والذي يهتم بالتعليم والعمل موجودا في أدب الأطفال الحالي.